مع إحياء الذكرى ال68 للنكبة، تُعيد ذاكرة المقاومة الفلسطينية الأحداث تلقائيًا، لتتذكر ما فعله الاحتلال من جرائم منذ أن وطأت قدمه الأراضي الفلسطينية، ليتضح أن الأطفال هم الهدف الأساسي للاحتلال منذ البداية، فالكيان الصهيوني يسعى إلى تدمير مستقبل البلد المقاوم، ولم يجد سبيلًا للوصول إلى هدفه إلا من خلال قتل واعتقال الأطفال، وتدمير عقلية ونفسية من تبقى منهم. سجلت منظمة الأممالمتحدة للطفولة، يونيسف، مقتل 25 طفلًا فلسطينيًا في الفصل الأخير من 2015، في ظل ارتفاع وتيرة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وأعربت اليونيسف عن قلقها إزاء عدد الأطفال القياسي المعتقلين لدى إسرائيل في سبع سنوات، قائلة أنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2015، قتُل 25 طفلا فلسطينيًا بينهم خمس فتيات، وأصيب أكثر من 1300 طفل في مختلف أنحاء فلسطين، حيث وقع بينهم 23 طفلا ما بين 19 فتى و4 فتيات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، و2 في قطاع غزة. وأعربت اليونيسف عن قلقها الشديد إزاء المبالغة في استخدام العنف، لاسيما في حالات أقدمت فيها قوات الأمن الإسرائيلية على قتل أطفال فلسطينيين بعد تنفيذهم هجومًا بالسكين أو الاشتباه في أنهم سينفذون هجومًا مماثلًا، كما نددت المنظمة بعدم بدء أي ملاحقات قضائية، وتطرقت إلى حالة فتاة في ال17 من العمر اقتادها جنود إسرائيليون للتفتيش على حاجز قرب الخليل في جنوب الضفة الغربيةالمحتلة قبل قتلها بخمس رصاصات على الأقل. تقرير اليونيسف لم يكن الأول الذي يفضح جرائم الاحتلال بحق الأطفال الفلسطينيين، فقد تزامن معه تقرير آخر أجرته صحيفة لومانتيه الفرنسية، حمل عنوان "الطفولة المحطمة"، أوضح أن الجيش الإسرائيلي ينتهك كل القوانين الدولية في تعامله مع الأطفال الفلسطينين، راصدا العديد من انتهاكات حقوق الإنسان ضد الأطفال الفلسطينيين من قبل الجيش الإسرائيلي والشرطة المدنية. وفي سبيل كشف الصورة الزائفة للعدالة الإسرائيلية، وثق التقرير الذي أعدته بعض المنظمات الفرنسية غير الحكومية، مثل "جمعية فرنسافلسطين للتضامن" و"جمعية صوت الطفل"، انتهاكات التعذيب والمعاملة السيئة، وأشار التقرير إلى أن العنف والإصابات التي يعاني منها هؤلاء الأطفال لا يقتصر فقط على فترة الاعتقال، بل يستمر أيضًا حتى بعد الإفراج عنهم، فخلال ساعات نقلهم إلى مراكز الاستجواب، يتعرض هؤلاء الأطفال لسوء المعاملة والتهديد والإهانة وأنه يمكن في بعض الأحيان إرغامهم على البقاء في ثبات دون تحرك لساعات تحت المطر في البرد أو تحت أشعة الشمس الحارقة دون ماء أو طعام أوحتى منعهم من الوصول إلى أماكن قضاء الحاجة. وأضافت الصحيفة، أن ما يقرب من 70٪ من الأطفال الفلسطينيين يخضعون للتفتيش وهم مجردون من الملابس، ناهيك عن استمرار سوء المعاملة أثناء الاستجواب والصفع والركل والشتائم والتهديد والتعذيب وأحيانًا الاعتداء الجنسي، وأكدت الصحيفة أن أكثر من عشرة أطفال من الذين تم اعتقالهم، مازالوا في عزلة لمدة تجاوزت 13 يومًا وفي معظم الأحيان لا يمكنهم مقابلة عائلاتهم أو محاميهم، إذ أن العسكريين الإسرائيليين يهدفون من ذلك الحصول على اعترافات منهم وردع عائلتهم عن القيام بأي عمل. وأكدت الصحيفة أن حوالي 700 قاصر فلسطيني يتم اعتقالهم في السجون الإسرائيلية سنويًا منذ عام 2000، مضيفة أن الاحتلال سجن أكثر من 440 قاصرًا من بينهم 104 يتراوح أعمارهم من 12 إلى 15 عامًا نهاية شهر فبراير الماضي، دون تعداد الآخرين الذين يتم اعتقالهم والإفراج عنهم بعد تحقيقات تتسم بالعنف والوحشية، وأشار التقرير إلى إستئناف السلطات الإسرائيلية الاعتقال الإداري للأطفال الفلسطينيين، بعد أن علقت ممارسته لمدة أربع سنوات، ومنذ عودته من جديد تم اعتقال عشرة من القصر على الأقل. منذ بداية الهبّة الشعبية في أكتوبر الماضي، شهدت الأراضي الفلسطينية عامة والقدس المحتلة بشكل خاص، سُعار صهيوني بتوجيه من الحكومة الإسرائيلية ومسؤوليها، وبتنفيذ من قوات الاحتلال الغاشم، حيث تخللت الهبّة العديد من حالات الاعتقال والقتل لأطفال وصبية فلسطينيين بحجج واهية، محفوظة من قبل الاحتلال الذي يجيد تلفيق التهم وابتكارها، وكان أبرزها الشروع في تنفيذ عمليات طعن باستخدام السكاكين. تصاعد الانتهاكات الصهيونية تجاه الأطفال الفلسطينيين خلال أشهر الهبّة الشعبية، لا يعني أن هذا السُعار جديد عليها، أو أنه وليد الهبّة الشعبية وعمليات المقاومة الفردية التي ينفذها الشباب الفلسطيني، فقبل اندلاع الهبّة الشعبية والتحديد في الفترة ما بين يوليو وسبتمبر، قتلت قوات الاحتلال أربعة صبية فلسطينيين، وأصيب 165 طفلًا، بحسب اليونيسف. لم تترك حكومة الاحتلال الأطفال الذين يفلتون من عمليات القتل العشوائي التي تشنها قواتها، بل شرعت في سن العديد من القوانين العنصرية والجائرة بحق الأطفال، مستخدمة الكنيست كأداة لتنفيذ توجيهاتها، وكان من أبرز هذه القوانين الذي صادق عليه الكنيست في نوفمبر الماضي، ويسمح بإنزال عقوبة الحبس الفعلي على الأطفال الفلسطينيين دون سن 14 عامًا، وهو القانون الذي وصفه مراقبون بأنه انتهاك صارخ لحقوق الطفل ويكرس السياسات العنصرية لإسرائيل، فضلًا عن القانون الذي صادف عليه الكنيست في يوليو الماضي، ويُقر تشديد العقوبة على من يلقون حجارة على المركبات والطرق بقصد إحداث إيذاء بدني لتصل إلى السجن 20 عامًا، و10 سنوات سجن إذا لم يثبت وجود نية لذلك. غسيل الأدمغة أيضًا يعتبر أحدث الطرق التي يسلكها الاحتلال في المعتقلات، حيث كشف تقرير إعلامي فلسطيني عن عملية غسيل أدمغة يتعرض لها الأطفال الفلسطينيين خلال فترة اعتقالهم فى مراكز الاحتجاز الصهيونية لنزع انتمائهم بعد تغييب عائلاتهم عنهم، وأكد التقرير أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي تقدم للأطفال المعتقلين ما يسميه الاحتلال "علاجًا"، وهو عبارة عن عملية غسيل للدماغ وتغيير للأفكار والقيم التي تربى عليها هؤلاء الأطفال، دينيًا ووطنيًا وأخلاقيًا، حيث يقضي الأطفال ساعات الصباح حتى الثانية ظهرًا في الحصول على مواد تعليمية وفق المنهج الذي يريده الاحتلال ويهدف له، ثم يقضون بقية يومهم حتى التاسعة مساءً في صالة بها بعض الألعاب الخفيفة، في محاولة لاجتذابهم إلى الكيان. في ذات الشأن، تُبدي منظمة اليونيسف قلقا كبيرًا إزاء اعتقال الأطفال، وتكرر التنديد بإساءة معاملتهم من قبل النظام القضائي العسكري الإسرائيلي، الوحيد المطبق على فلسطينيي الأراضي المحتلة، حيث تكشف إحصائيات المنظمة أنه في آخر عام 2015، سُجل 422 طفلا بين 12 و17 عامًا بينهم ثماني فتيات، معتقلين لدى مؤسسات عسكرية، مضيفة أن العدد يعد الأعلى منذ مارس عام 2009، كما أكدت المنظمة أن السنة الماضية شهدت اعتقال 219 طفلا كمعدل شهري في مؤسسات عسكرية، أي بارتفاع 15% عن المعدل الشهري للعام 2014.