كتب: تيسير عبّاس حميّة و حمزة جمول يُصادف تاريخ 16 مايو 2016 مرور مئة عام على توقيع اتفاقية سايكس بيكو التي قسّمت منطقتنا في حلّتها السابقة "للربيع العربي" وسيطرة تنظيم " داعش" الإرهابي على أجزاء من جغرافيتها. تحلّ علينا هذه الذكرى في فترة زمنية تتميز بانهيار دورالدولة الوطنية العربية، وانقسام عربي عامودي وصل إلى حدّ الاقتتال والمواجهة وفي ظل تراجع صريح للقضية الفلسطينية من سلّم الأولويات العربية، تقترب هذه الذكرى وأمة العرب في نكسةٍ لن تنتهي قريبا، وقد لا نخرج منها محتفظين منتصرين بحدودنا الحالية، بل للأسف قد نشهد خرائط جديدة تُحاكي التقسيمات السيكولوجية وتقسيمات الأمر الواقع de facto التي نعيشها اليوم. ضمن هذا الإطار، ظهر تنظيم "داعش" منفذاً لوثيقة برنارد لويس التي وافق عليها الكونغرس في العام 1983 ومدافعاً عن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت عنه كونداليزا رايس في العام 2006، وبعيداً عن نظرية المؤامرة، أثبت الواقع أن المؤامرات التي حيكَت وتُحاك للعالم العربي لا تُعدّ ولا تحصى وليس وثيقة "لويس" أو مشروع "رايس" الإ القليل منها، إن سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على أجزاء من الدول العربية وإزالته لبعض المناطق الحدودية بين العراقوسوريا فيه نوع من المرجلة الفاشلة في مواجهة الاستعمار، خصوصاً أنها اقترنت مع دعواته إلى وضع حدّ للحدود المصطنعة عبر اتفاقية سايكس بيكو. يحاول التنظيم من خلال هذه المناورة المنكشفة تنصيب نفسه محارباً للاستعمار من خلال تدميره للحدود المُنزلة على العالم العربي، لكن لا يُخفى علينا أنه ينفّذ الأجندة الصهيونية في إضعاف الدول العربية القومية وتقسيمها، تنظيم "داعش" هو مجرّد حصان طروادة لإيصال مشروع التقسيم والتجزئة إلى برّ الأمان، ضمن هذا الإطار، يُثار التساؤل عن قدرته في الحفاظ على "حدوده" أو الحفاظ على "سيادته" على الأراضي التي سيطر عليها؟ من الواضح أن قدرة "داعش" في الحفاظ على سلطته في هذه الأراضي هي شبه مستحيلة، وبالتالي يمكن وصف التغيير الذي أحدثه التنظيم على الحدود الجغرافية بين سورياوالعراق بالتغيير المؤقت الذي سوف يتم استبداله بمشروع التغيير الدائم الذي بدأ مخاضه عندما طرحت الدول الكبرى مشاريع الفيدرالية والكونفدرالية كحل للأزمة في سورياوالعراق. في الجهة المقابلة، إن فشل داعش في الحفاظ على "حدوده" سيؤدي إلى سقوط نظريته العقائدية المتمثلة في السيطرة على الأراضي لتحقيق دولة الخلافة ويمهّد في هذه الحالة إلى رجوع استراتيجية القاعدة القائلة بعدم السيطرة على الأراضي مما يؤدي إلى تنامي العمليات الإرهابية من توقيع القاعدة. يُعيدنا هذا الواقع المرير الذي يمرّ فيه العالم العربي اليوم إلى ذكريات أجدادنا في فترة ما قبل سايكس بيكو، حيث كانت العلاقات بين الأشخاص تسودها المحبة وتنقّل الأشخاص بحرية بين الأقطار العربية كان مرتبطاً بالازدهار في مجال المواصلات، عكس ما نحن عليه اليوم، بالفعل، تميّزت فترة ما قبل سايكس بيكو بحضارة السكة الحديدية التي ربطت بين معظم المدن والعواصم العربية آنذاك بأكبر إنجاز تقني وتكنولوجي عرفه الوطن العربي على جميع الصُعُد الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والعسكرية في ظل وجود إمبراطورية عثمانية مترهلة عاجزة قد أخذ الفساد والتفكك من وحدتها وهيبتها وقوَّتها مأخذاً قاتلاً ومحطِّماً. مما روي عن جدّي أبي عباس حسين حميّة أن والده أحمد حسين حميّة الذي كان تاجراً كبيراً قد انطلق في إحدى رحلاته في العام 1912 من قريته حتى إقليم التفاح في رحلة تجارية طويلة، حيث ودَعه أهالي القرية وأوصلوه إلى وادي الليمون لينطلق بعدها من قرية برتي عبر وسائل النقل المتاحة آنذاك من خيل وبغال إلى مدينة صيدا ومنها عبر العربات إلى مدينة بيروت، ليستخدم القطار بعدها إلى مدينة دمشق عبر محطة رياق الكبرى، وقد عاد إلى قريته محمَّلاً بالهدايا الكثيرة بعد أن جنى في تجارته هذا الربح الوفير ثم عاود رحلاته مرات عدة محققاً أرباحاً طائلة. ختاماً، لا يبدو أن العالم العربي سينجو من لعنات التقسيم الجغرافي بعد أن تكرّس التقسيم السيكولوجي في النفوس وتعزّز تقسيم أمر الواقع في العلاقة بين المكونات السياسية، ربما، لن يفيد الحنين إلى الماضي في مواجهة الواقع العربي المنحدر نحو الجحيم إلا إذا رافق هذا الأمر خطط توعوية تثقيفية تؤمّن للمواطن الرفاهية الأمنية، الاقتصادية والاجتماعية وتقوم على أسس العمل العربي المشترك، قد لا تنتصرالقوة الناعمة للذكريات على جبروت القوة الصلبة للمشاريع التقسيمية الاستعمارية، لكن ربما تُحدث ثقباً في جدار هذا الشر المتربص بنا تماماً كما تُفتّت المياه الصخر على مر السنين. تيسير عبّاس حميّة، عميد سابق لكلية الزراعة – الجامعة اللبنانية – حمزة جمّول، أكاديمي وباحث لبناني