تضمن الاقتراع الذي جرى في دارفور السودانية، والذي امتد من 11 إلى 13 إبريل الحالي خيارين: إما أن يظل الإقليم مقسمًا لخمس ولايات، أو أن يعود إقليمًا واحدًا. لكن دارفور اختارت البقاء على حال التقسيم، حيث أعلنت الحكومة السودانية الثلاثاء أن نتيجة الاستفتاء الذي أجري في إقليم دارفور المضطرب تظهر انتهاء النزاع فيه. وتقول الأممالمتحدة إن النزاع في الإقليم بين حكومة الخرطوم وحلفائها من جهة والمتمردين من جهة أخرى تسبب في تشريد 2,5 مليون شخص ومقتل 300 ألف آخرين. استفتاء دارفور أزمة أم حل؟ طالب المتمردون الذين ينتمون إلى أقليات إثنية ويقاتلون الحكومة السودانية من عام 2003 بتوحيد الإقليم ومنحه حكمًا ذاتيًّا أوسع، بينما يؤيد حزب الرئيس السوداني "المؤتمر الوطني" خيار أن يظل الإقليم مقسّمًا لولايات. ورأى البشير أن إجراء الاستفتاء هو تنفيذ لاتفاق الدوحة للسلام الذي وقعه مع مجموعة من المتمردين عام 2011، الأمر الذي دفع المتمردين لمقاطعة الاستفتاء، معتبرين أنه ليس عادلًا. ولا يختلف موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية عن موقف المتمردين، فواشنطن عبرت عن قلقها، وحذرت من أنه "إذا أجري (الاقتراع) وفقًا للقواعد والظروف الحالية، فلن يكون تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشعب". ورغم المخاوف الأمريكية، أصرت الحكومة السودانية على تنظيم الاستفتاء. وبعد إعلان نتائج الاستفتاء رفضت قوى المعارضة الرئيسية الاستفتاء ونتائجه، ومنها حزب الأمة وقوى الإجماع الوطني والقوى المنضويةتحت نداء السودان، وكذلك الجماعات المسلحة في دارفور، واعتبرت هذه القوى أن الاستفتاء حول النظام الإداري لدارفور كان مصلحة لحزب المؤتمر الوطني؛ بهدف التحكم في الإقليم عبر سياسة التفريق بين القبائل وضرب بعضها ببعض. كما أن المعارضة شككت في نتائج الاستفتاء، وقالت إنها غير صحيحة، ولا يمكن أن يُعتَدَّ بها؛ لأن الإقليم يعيش ظروف حرب، والناس في معسكرات، ثم إن نحو 4 مليون دارفوري يعيشون في المنافي. وأكد المتحدث باسم "قوى الإجماع الوطني" المعارض في السودان، فاروق أبو عيسى، أن "المعارضة ستعمل على مقاومة هذا السرطان، المرتبط بوجود حزب المؤتمر الوطني الحاكم"، مؤكدًا أنه بمجرد زواله، سيعود إقليم دارفور باعتباره إقليمًا واحدًا، الأمر الذي ينذر بأن ملف دارفور لم يغلق بعد. تاريخ الإقليم يشكل إقليم دارفور خمس مساحة السودان، ويحده من الشمال ليبيا ومن الغرب تشاد ومن الجنوب الغربي إفريقيا الوسطى. وأما الحدود الداخلية من الشرق، فيتجاور إقليم دارفور مع أقاليم سودانية مثل بحر الغزال وكردفان والشمالية. ظل دارفور إقليمًا واحدًا منذ انضمامه للسودان عام 1916 حتى عام 1994، حين قسّمه الرئيس السوداني عمر البشير إلى 3 ولايات، وأضاف إليها ولايتين أخريين عام 2012؛ بدعوى أن هذا النظام يجعل الحكومات المحلية أكثر فائدة. والولايات الخمس لإقليم دارفور، هي: ولاية شمال دارفور وعاصمتها مدينة "الفاشر"، ولاية جنوب دارفور وعاصمتها مدينة "نيالا"، ولاية غرب دارفور وعاصمتها "الجنينة"، ولاية شرق دارفور وعاصمتها "الضعين"، وولاية وسط دارفور وعاصمتها "زالنجي". ونشب النزاع المسلح في إقليم دارفور غربي السودان منذ بداية فبراير 2003 على خلفيات عرقية وقبلية، وليس لأسباب دينية كما هو الحال في حرب الجنوب. ويعود تاريخ هذا النزاع إلى عام 1989، حين شبّ صراع عنيف بين الفور والعرب، وتمت المصالحة بينهما في مؤتمر عقد في الفاشر عاصمة الإقليم، ثم بعدها بعشر سنوات نشب نزاع ثانٍ بين العرب والمساليت غرب دارفور ابتداء من عام 1998 إلى 2001، وتم احتواء هذا النزال باتفاقية سلام بين الطرفين. جنوب السودان أكثر استقرارًا في الضفة السودانية الأخرى، حيث فضلت جنوب السودان الانفصال عن السودان عبر استفتاء شعبي لسكان الجنوب، أعلن عن نتائجه النهائية في فبراير 2011، بعده في9 يوليو من نفس العام تم الإعلان عن الاستقلال الكامل للدولة. ويبدو أن الحال لديها يتجه للأفضل، حيث أدى زعيم المتمردين في جنوب السودان رياك مشار اليمين الدستورية نائبًا للرئيس، وأطلقت بعده حمامات السلام، ووقف الرجلان جنبًا إلى جنب واليد على القلب؛ احترامًا للنشيد الوطني لجنوب السودان، الأمر الذي يعد تعزيزًا لاتفاق السلام الذي يهدف إلى إنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من عامين، وعاد مشار في وقت سابق إلى العاصمة جوبا؛ لتولي المنصب في حكومة وحدة وطنية جديدة بزعامة الرئيس سيلفا كير. وكان مشار قد اتهم بمحاولة الانقلاب على النظام الحاكم، ورغم أنه نفاه، إلا أن ذلك أدى إلى اندلاع أعمال عنف متبادلة، تطورت فيما بعد إلى صراع شامل، وفر مشار من جوبا في بداية الصراع في ديسمبر 2013. وتحدث الرجلان، اللذان أدى الخلاف بينهما إلى اندلاع صراع مرير استمر لأكثر من عامين، بشكل متفائل عن المستقبل لوسائل الإعلام في حفل أداء اليمين الدستورية. ويواجه الزعيمان الآن مشكلات كبيرة، فالاقتصاد مُتداعٍ، والتضخم قضى على المدخرات والرواتب، وبدون دفعة كبيرة من الدعم الدولي لن تكون هناك أموال كافية لإعادة البناء والإثبات بأن مكاسب السلام أفضل من مكاسب الحرب، وسيكون ضمان عمل الخصمين المتصالحين في حكومة واحدة، وإبقاء الأسلحة في معسكرات منفصلة، حيث تتمركز آلاف القوات المتخاصمة داخل العاصمة، تحديًا أكبر.