يبدو أن الحكومة اتجهت إلى خصخصة الشركات من الأبواب الخلفية، وظهر ذلك جليا من خلال شركة «وارنر» الأمريكية التي تعمل على إعادة هيكلة شركات الغزل والنسيج التابعة لقطاع الأعمال «ظاهريا»، لكنها أوصت «سريا» بضرورة بيع عدد من الشركات. مليون دولار.. قيمة تعاقد أبرمتها الحكومة مع شركة «وارنر» الأمريكية, ومجموعة صحاري المصرية، في فبراير الماضي؛ لإعادة هيكلة شركات الغزل النسيج المصرية التابعة للقطاع العام، البالغ عددهم 25، على أن تقدم الشركة الأمريكية تقريرا دوريا كل شهرين طوال فترة إعداد الدراسة، التي تستغرق 10 أشهر، وتنتهي أكتوبر المقبل. وأوصى أول تقرير ل«وارنر» صدر في نهاية مارس الماضي، بتغيير الماكينات وتجديد المصانع، وضرورة إجراء إصلاحات في الهيكل الإداري المترهل لأغلب الشركات التابعة للشركة القابضة للغزل، لكن ما لم تعلنه الحكومة واكتشفه العمال، وجود توصيات أخرى تطالب ببيع أصول بعض الشركات من أجل التطوير، ما حدث مع شركة المنصورة، ويسعون في تنفيذه مع عمال شركة النصر. وتأكيدا على سياسة الخصخصة، قال وزير الاستثمار في تصريح سابق له، إنه بعد الانتهاء من التطوير، سيتم طرح جزء من الشركات للاكتتاب العام وملكية الأسهم لصغار المساهمين والمؤسسات لزيادة عمق السوق. يقول كمال الفيومي، القيادي العمالي بمصنع غزل المحلة، إن انتداب شركة أمريكية يعد «بيع على المكشوف» لقطاع الغزل والنسيج، لافتا إلى أنه ضمن توصيات «وارنر»، عرض 34 فدانا للبيع عن طريق وزارة الاستثمار، مستنكرا وجود أكثر من 15 جهازا تابعا لمجلس الوزراء، مسؤولين عن تطوير قطاع الغزل والنسيج، دون فعل شيء. وأضاف الفيومي ل«البديل»: «بالرجوع 9 أشهر للخلف، يتبين أن الدولة كانت تسير على نهج الخصخصة، حيث ضمت شركة غزل دمياط الواقعة على مساحة 70 فدانا لشركة المنصورة للغزل والنسيج، والآن يريدون ضم عمال النصر إلى مصر لغزل المحلة»، مؤكدا أنهم تقدموا بأكثر من مشروع لتطوير قطاع الغزل والنسيج، بناء على دراسات أجرتها شركات ألمانية منذ 3 سنوات. وطالب غريب حسن، القيادي بشركة مصر إيران للغزل والنسيج، بأن يكون التطوير على مستوى القيادات أولاً، قائلاً: «ليس من المعقول أن يكون أحد أعضاء مجلس إدارة شركة مصر إيران، المهندس محسن الجيلاني 80 عاما، بعد أن كان رئيسا للشركة القابضة للغزل والنسيج»، مضيفاً أن الحكومة شكلت لجنة في وقت سابق لتطوير القطاع وجاءت بالمسؤولين عن تدهور الصناعة من أجل أن يطوروها!. وتابع حسن: الشركات الخارجية لا أمل فيها، والاعتماد على الشباب المصري والكفاءات الداخلية أفضل بكثير، وأهل البلد هم الأفضل لوضع دراسات التطوير؛ لأن هناك جزء خاص بسيكولوجية العمال، كما أن صناعات الغزل والنسيج ليس بحاجة إلى ابتكار، والخطوط الحديثة لا تحتاج خبرة. وعلى الجانب الآخر، قال عبد الفتاح إبراهيم، رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج، إن ردده العمال عن وجود خصخصة أمر غير صحيح، ومكتب «وارنر» الأمريكي مهمته فقط تقديم دراسات مالية وتسويقية وفنية للتطوير ليس أكثر. وبسؤاله عن تصريح وزير الاستثمار بطرح جزء من الشركات للاكتتاب وبيع جزء من أصول المصانع من أجل التطوير، قال: «نحن في النقابة لن نقبل بمبدأ الخصخصة الذي عانينا منها لعقود طويلة، لا خصخصة لقطاعنا بعد اليوم، ومن يريد البيع على جثتنا». وأشار إلهامي الميرغني، الخبير الاقتصادي والعمالي, إلى استبعاد شركات تجارة القطن من دراسة التطوير دون أسباب، يعني أن وزارة الصناعة ليس لديها رؤية متكاملة لتطوير قطاع الغزل والنسيج والملابس، الذي لا يتم بمعزل عن وضع زراعة القطن، كما أن تكاليف إعادة هيكلة الشركة القابضة تقدر بنحو 5 مليارات جنيه، يتم تمويلها من بيع بعض الأصول المملوكة للشركات، وأن الدراسة بدأت بشركات غزل المحلة والصباغة بالمحلة وكفر الدوار ومصر لحليج الأقطان. وأكد الميرغني ل«البديل» أن شركات الغزل والنسيج تضم نخبة من الخبراء الذين استطاعوا تطوير المنتجات بماكينات متهالكة وغزو الأسواق الدولية، وكانوا قادرين علي وضع خطط التطوير بما يلاءم الوضع المصري، وهم أدرى به من أي خبراء أجانب، موضحا أن دفع 10 ملايين جنيه ل«وارنر وصحاري» يعد إهدارا للمال العام.