انضمت الأردن مؤخرًا إلى صفوف الدول العربية التي خضعت للتأثيرات السعودية، وقطعت علاقتها الدبلوماسية مع إيران، فمنذ أن اندلع الخلاف السعودي الإيراني، لم تترك المملكة أحد المجالس أو الهيئات أو المنظمات العربية إلا ومارست عليها ضغوطًا؛ لكي تنضم لصفوفها بمقاطعة طهران، وكان آخرها الأردن. خطوة أردنية مفاجئة في خطوة مفاجئة استدعى الأردن سفيره من إيران؛ للتشاور بشأن ما وصفه بالتدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، إن الفترة التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني الذي أيده الأردن شهدت مواقف من الحكومة الإيرانية لا تنسجم مع آمالنا الأوسع تلك، حيث صدر عنها وعن مسؤولين فيها، خلال هذه الفترة، جملة من الأفعال والأقوال التي تشكل تدخلات مرفوضة في الشؤون الداخلية لدول عربية شقيقة، وعلى الأخص دول الخليج العربية. وأضاف المومني أنه على الرغم من تعبير الأردن عن احتجاجه على الاعتداءات التي طالت البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران وعلى التدخلات في الشؤون الداخلية العربية، إلا أننا لم نلمس من الحكومة الإيرانية استجابة لهذه المطالب. وشدد الناطق باسم الحكومة الأردنية على أن الحكومة خلصت إلى ضرورة إجراء وقفة تقييمية في هذه المرحلة وفي ضوء هذه المعطيات والتطورات، اقتضت استدعاء السفير الأردني في طهران للتشاور. ماذا عن الزيارة السعودية الأخيرة؟ الخطوة الأردنية على الرغم من أنها مفاجئة، وجاءت دون وقوع حادث بين الطرفين سياسي أو أمني، إلا أنها كانت متوقعة لدى المحللين السياسيين المتابعين لتحركات المملكة ومواقفها السياسية، حيث تأتي هذه الخطوة بعد أيام قليلة من زيارة ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، لعمان في 11 إبريل الجاري، والتي التقى خلالها ملك الأردن، عبد الله الثاني بن الحسين، ومستشار الملك للشؤون العسكرية رئيس هيئة الأركان الأردني الفريق أول ركن مشعل الزبن. وخلال الزيارة وقع الطرفان مذكرة تفاهم بخصوص تأسيس صندوق استثماري مشترك بين البلدين، وقال السفير الأردني لدى المملكة إن رأس مال الصندوق سيحدد وفقًا للحاجة الخاصة بالمشاريع وقيمتها. وأكد السفير أن المشاريع التي ستمول من الصندوق ستكون في قطاعات معينة، مثل الاتصالات والصناعة والصحة والزراعة، إضافة إلى استثمارات سياحية. وخلال الزيارة عقد الجانبان مشاورات قالوا إنها لتعزيز التعاون في المجالات العسكرية والتجارية والاستثمارية، وبحث مجمل العلاقات بين البلدين وسبل تطويرها، ومناقشة آخر التطورات والمستجدات على الصعيدين الإقليمي والدولي، وخرجا بعد اللقاء ببيان مشترك، تضمن رفض التدخل الإيراني في المنطقة. يبدو أن المملكة السعودية التي تعتبر أحد أكبر المانحين للأردن، لم تكتفِ بالإدانة الصادرة عن البيان المشترك، بل ضغطت على الأردن؛ كي تتخذ خطوة ملموسة في النزاع السعودي الإيراني، خاصة وأن عمان تجنبت منذ البداية التدخل في الأزمة بينهما، حيث حاولت أن تقف على مسافة واحدة من الطرفين، حيث تربطها علاقات قوية مع إيران، وهو ما ظهر جليًّا في اكتفاء عمان بإدانة الاعتداء على السفارة السعودية وقنصليتها دون قطع العلاقات أو سحب السفير مثلما فعلت العديد من الدول العربية. العلاقات الأردنيةالإيرانية.. توتر ودبلوماسية التصعيد الأردني الأخير يهدد مستقبل العلاقات الأردنيةالإيرانية، التي شهدت العديد من التغيرات على مر السنوات، حيث تميزت بالحذر والدبلوماسية في الوقت ذاته، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي شهدت العلاقات الأردنيةالإيرانية قطيعة استمرت قرابة عقدين من الزمان، فبعد قيام الثورة الإيرانية بقيادة "الخميني" عام 1979، وسقوط نظام شاه إيران، محمد رضا بهلوي، انهارت علاقات البلدين تمامًا، ووصلت إلى مستوى قطع التمثيل الدبلوماسي، الذي استمر بعد دعم الأردن للعراق في حربه ضد إيران، إضافة إلى تأييد الأردن لأبو ظبي في أزمة الجزر الثلاث: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، المتنازع عليها بين الإمارات العربية المتحدةوإيران. في 5 فبراير عام 2002 استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير الأردني في طهران؛ لتبلغه احتجاج الحكومة الإيرانية على التأييد المطلق الذي أعلنه الملك الأردني للاتهامات التي وجهها الرئيس الأمريكي أنذاك جورج بوش، لما أسماها "دول محور الشر"، ويعني بها إيرانوالعراق وكوريا الشمالية. جاءت الانفراجة بين البلدين، وتحسنت العلاقات قليلًا في 2 سبتمبر عام 2003، حيث أجرى الملك الأردني، عبد الله الثاني، محادثات في طهران مع الرئيس الإيراني آنذاك، محمد خاتمي، ركزت على الوضع في العراق وفلسطين وعلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وكانت هذه المرة الأولى التي يزور فيها ملك أردني إيران منذ قيام الثورة الإيرانية، وفي ذلك العام التقى العاهل الأردني مسؤولين إيرانيين في عدد من المحافل الدولية، ليسود العلاقات بعض الدفء، قبل أن يشوبها التوتر من جديد في ديسمبر عام 2004، بعد تحذيرات للعاهل الأردني خلال حديثه مع إحدى الصحف الأمريكية من خطر تشكل "الهلال الشيعي" الذي يضم إيران وسوريا والعراق ولبنان. ظلت العلاقات بين الطرفين متوترة حتى يناير عام 2014، حيث زار وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الأردن؛ تدشينًا لتنشيط علاقات البلدين. وفي منتصف سبتمبر عام 2014 عين الأردن وزير الإعلام الأسبق، عبد الله أبو رمان، سفيرًا له لدى طهران، بعد أن وصل السفير الإيراني، مجتبى فردوسي بور، إلى الأردن في الثاني من أغسطس من نفس العام، في خطوة كانت مقدمة لإنهاء الطرفين القطيعة الدبلوماسية التي بدأت في 2004. في مارس عام 2015 زار وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، طهران، وكانت هذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ ثماني سنوات، وألتقى خلال الزيارة كبار المسئولين الإيرانيين وفي مقدمتهم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ومع توقيع الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، رحبت عمان بالاتفاق، معربة عن أملها في أن يساهم في الاستقرار الإقليمي. توتر لا يصل إلى مقاطعة ضخامة العلاقات الأردنيةالإيرانية تشير إلى صعوبة استغناء عمان عن حليفتها طهران بسهولة، لمجرد ضغط سعودي أو مغازلة مالية من المملكة، لكن من الممكن أن تتسبب الخطوة الأردنية الأخيرة في توترات بسيطة بين الطرفين، تجعل العلاقات بينهما تعود إلى سابق عهدها من التأرجح والدبلوماسية الحذرة.