جاء إعلان إتفاق الهدنة في الميدان السوري و الذي صدر ببيان روسي امريكي مشترك في فبراير الماضي، جاء مفاجئاً، حيث تزامن مع إحراز الجيش العربي السوري إنتصارات عديدة في جبهات قتالية مختلفة، و منها الجبهة الأهم و الأثقل في الميدان السوري "جبهة حلب" و التي اقترب الجيش السوري من عزلها و تطويقها بشكل كامل، لولا إعلان ذلك الإتفاق الذي أقر بوقف الأعمال العدائية بين الجيش السوري و الفصائل المسلحة للمعارضة السورية، كما تم إستثناء تنظيمي "داعش و النصرة" من نص الإتفاق، الأمر الذي جعل الميدان السوري هادئاً لأول مرة منذ خمسة أعوام، و ركّز المجهود الحربي للسوري و حلفائه علي مناطق يتمركز فيها تنظيم داعش الإرهابي بشكل كامل. حتي تم تحرير مدينة " تدمر" السورية من قبضة التنظيم و بعدها مدينة "القريتين" في ريف حمص الشمالي. لكن الهدنة سرعان ما شهدت العديد من الخروقات، و خاصًة بعد تحرير الجيش السوري و حلفائه لمدينة " تدمر" الأثرية و الهامة إستراتيجياً. و مع إعتماد وزارة الدفاع الروسية إستراتيجية حذف أي مجموعة مسلحة من إطار إتفاق الهدنة فور خرقها و وضعها في بنك أهداف الغارات الروسية، سجلت وزارة الدفاع الروسية أكثر من 372 خرق للإتفاق الهدنة من قبل المجموعات المسلحة بكامل القُطر السوري، ابرزهم جيش الإسلام، و أحرار الشام، اللذين استهدفا العديد من المدن بقذائف الهاون و المدفعية. من جهة أخري نجحت بعض الجماعات و التنظيمات المسلحة الأخري في إستعادة بعض النقاط التي فقدتها قبل الهدنة في الجبهة الشمالية بالتحديد، الأمر الذي هدد التوزيع الديموغرافي العسكري لأطراف الصراع قبل الهدنة و جعل إتفاق الهدنة قاب قوسين أو أدني خاصًة مع حشد الجيش السوري و حلفائه علي تخوم حلب تمهيداً لتحريرها بشكل كامل. فما التطورات التي تشهدها كل جبهة علي حِدَه؟ و كيف سيؤثر تحرير حلب علي ديناميكية و خريطة الصراع الحالي؟.. 1. دمشق لنبدأ بالعاصمة دمشق.أطلقت الفرقة 105 حرس جمهوري التابعة للجيش العربي السوري مدعومة بوحدات من قوات الدفاع الوطني، هجوماً كبيراً علي حي "جوبر" الهام إستراتيجياً بالغوطة الشرقة بريف دمشق، و ذلك بعد خروقات عدة حدثت من التنظيمين المسيطرين علي ذلك الحي، " فيلق الرحمن و جيش الإسلام". و إلي الآن لم يحسم أي طرف المعركة علي هذا الحي منذ اربعة أعوام. اما في جنوبدمشق فقد سيطر تنظيم داعش الإرهابي بشكل كامل علي مخيم "اليرموك" و ذلك بعد معارك طاحنة مع "جبهة النصرة" و التي استسلمت اخيراً لتنظيم داعش، ليهدد بذلك تنظيم داعش قلب العاصمة دمشق، مما يعجل بتعزيز الجيش السوري لقواته حول المخيم و المناطق المتاخمة له تمهيداً لإقتحامه أو صد أية هجمات قد تنطلق منه علي أقل تقدير. و فيما يلي خريطة التوزيع العسكري. و علي صعيد نجحت الفرقة 102 حرس جمهوري مدعومة بوحدات من قوات الدفاع الوطني في قطع طريق الإمداد الرئيسي عن الجماعات المسلحة و الذي يربط مدينتي " تل كردي و تل السوّان" في الغوطة الشرقية بريف دمشق، و ذلك بنجاح الجيش السوري بالتمركز وسط النقطتين و تحديداً في storage area 2. الجبهة الشرقية بعد تحرير مدينة "تدمر" الهامة إستراتيجياً كونها تقع في قلب البادية السورية و نقطة الوصل بين جبهات القتال، تم دفع التواجد الداعشي في الشرق نحو محور "السخنة ديرالزور" حيث المعقل الرئيسي للتنظيم في الشرق السوري. و مع الخسائر الكبيرة التي تلقاها التنظيم غير من إستراتيجيته العسكرية الدفاعية، إلي الهجومية، فأصبح يهاجم الدفاعات السورية التي تطوقه في ذلك المحور لدفع قوات الجيش السوري إلي الغرب أو الوسط. و في هذا التطور في الشرق، شنّ مقاتلوا تنظيم داعش هجوماً كبيراً علي الحزام الدفاعي للجيش السوري بطول الضفة الغربية لنهر الفرات. حيث استخدم التنظيم مراكب الصيد لنقل مقاتلوا نحو الخط الدفاعي. تصدت الفرقة 104 المحمولة جواً و التابعة للحرس الجمهوري السوري لهجمات مقاتلي التنظيم، و دفعتهم للوراء. كما عززت الفرقة تمركزها علي طول الخط الدفاعي بدعم من وحدات الدفاع الوطني السورية. الجدير بالذكر أن تنظيم داعش قد هاجم الاسبوع الماضي نقاط تمركز الجيش السوري في شمال دير الزور دون تحقيق أية مكاسب عسكرية. يخبرنا التمركز الجيد للجيش السوري في الشرق عن إقتراب الزحف نحو قطبي داعش في المنطقة " الرقة و ديرالزور"، و لهذه المعركة أولوية كبيرة بالنظر إلي تصريحات العسكريين السوريين و الروس بعد تحرير مدينة "تدمر". 3.الجبهة الغربية شن اللواء 63 التابع للفرقة الرابعة "ميكانيكي" هجوماً مباغتاً مدعوما بوحدات قتالية تابعة لحزب الله اللبناني علي نقاط تمركز تنظيم داعش في منحدرات جبال القلمون و احزرت الجيش السورية و مقاتلي حزب الله تقدماً محلوظاً، و يأتي هذا الهجوم الكبير لتخفيف الضغط علي قاعدة و مطار الضمير العسكرية في شرق منحدرات القلمون. أما من جهة أخري يهدف إلي السيطرة علي الحدود مع لبنان من خلال قطع كل خطوط الإمداد من و إلي " جرود عسال". أما في اللاذقية فشهدت استرجاع وحدات الجيش السوري و حلفائه لجميع النقاط التي خسرها بعد تدهور سريان الهدنة، حيث استعاد الفوج ال 48 التابع للقوات الخاصة السورية مدعوماً بوحدات من الدفاع الوطني و مشاة البحرية السورية نقطة إستراتيجية هامة علي جبل الأكراد بعد معارك طاحنة مع جبهة النصرة و جيش التركمان و دفعت تلك القوات الي التراجع لطريق حلب اللاذقية. كما حرر الجيش السوري قرية "البيدا" الهامة و التي تقع بجبل التركمان. بالرغم التقدم الذي احرز السوري و حلفائه في اللاذقية من عدة محاور، إلا أنه لا يمكنه التقدم مزيداً نظراً لشراسة التنظيمات التي سيواجهها و التي تم تسليحها بصورة قد تفقده الكثير من توازنه و تعرض نقاطه المحررة للسقوط مرة اخري. 4.الجبهة الجنوبية لم تشهد تطورات مؤثرة تلك الجبهة عدا إطلاق الجيش السوري هجوماً مدعوماً بوحدات من الدفاع الوطني هجوماً كبيرا علي نقاط تنظيم داعش في الجنوب بالتحديد في مدينة السويداء ضمن استراتيجية عسكرية ينفذها الجيش السوري من العام الماضي تهدف لحصر الجبهة الجنوبية و عزلها عن دمشق و تأمين الحدود مع الاردن. الجدير بالذكر أن تنظيم داعش بات يفقد نفوذه بالجنوب نظراً لمعاركه مع الجماعات المسلحة الاخري و التي كان اخرها معركة بلدة "تسيل" من قبضة داعش و طرده نحو اخر الخطوط نحو الحدود الأردنية أو الإسرائيلية 5.الجبهة الشمالية و المعركة الأهم.."حلب". أكتسبت الجبهة الشمالية أهمية قصوي في الصراع السوري نظراً لوجود حلب، فهي المركز الاقتصادي للدولة السورية سابقاً و أهم نقاط الدعم اللوجيستي الذي يصل للارهابيين من الحدود التركية. لا تمثل حلب اهمية عسكرية فحسب، بل ترتبط بطموحات لاعبين كُثُر علي الساحة السورية، ابرزها تركيا التي تريد عبر حلب اقامة منطقة عازلة تتحكم من خلالها بشكل شبه كامل علي الشمال السوري ككل و حزامه الكردي النامي. لذا، الخبراء العسكريون الروس يعتقدون أن تحرير حلب سيقلب المعادلة العسكرية في سوريا بشكل جذري وينقل المبادرة الاستراتيجية بشكل نهائي وحاسم إلى الجيش السوري وكل من يقف معه في خندق واحد ضد الإرهاب والتقسيم قائد قوات الإنزال الجوي السابق الجنرال غيورغي شباك يتفق مع رفيقه السابق في السلاح الجنرال ايفاشوف ويتوقع أن تبدأ معركة التحرير قريباً، لا سيما بعد تلميح رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي بأن الجيش السوري سيحرر حلب قريباً بدعم من الأصدقاء الروس. قائد قوات الإنزال الجوي السابق الجنرال غيورغي شباك يتفق مع رفيقه السابق في السلاح الجنرال ايفاشوف ويتوقع أن تبدأ معركة التحرير قريباً، لا سيما بعد تلميح رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي بأن الجيش السوري سيحرر حلب قريباً بدعم من الأصدقاء الروس. شهدت حلب قبل ايام تغييرات في ديموغرافية خريطتها العسكرية، فقبيل انهيار الهدنة بدأت اشتباكات بين داعش و التنظيمات الاخري علي العديد من البلدات و المناطق السورية، اكتسح داعش هذه التنظيمات و اعاد السيطرة علي اغلب النقاط التي سيطروا عليها في ريف حلب الشمالي، في المقابل بدأ الجيش السوري و حلفائه أولي الخطوات نحو تحرير حلب بالتمركز في الريف الجنوبي و من ثم الانطلاق، حيث شن الجيش السوري و وحدات من حزب الله اللبناني هجوماً علي بلدة العيس و التي سيطرت عليها جبهة النصرة قبل أيام. و طبقاً للعديد من المراقبين فإن حملة كبري يجري التجهيز لها خلال العشرة ايام القادمة لتحرير حلب، بعدما نجح الجيش السوري قبل أعلان الهدنة في تطويق اغلب محاورها و عزلها في جيوب ضيقة يسهل تطهيرها. من المتوقع ان يكون تحرير حلب خطوة حاسمة في الصراع السوري لان السيطرة عليها يعني ببساطة قطع اليد التركية من سوريا تماماً سياسياً و عسكرياً.