في ظل أزمة سياسية حقيقية لم تشهدها لبنان منذ عقود، يقترب الفراغ الرئاسي اللبناني من إنهاء عامه الثاني دون تحقيق أي تقدم يذكر في هذا الملف، ما دفع لظهور تحركات داخلية ودولية واسعة تهدف إلى حلحته والنظر إلى تداعياته الكارثية على البلاد. ويعاني لبنان منذ خروج الرئيس السابق ميشال سليمان، فراغا في سدة الرئاسة، نتيجة عدم اكتمال النصاب في كل جلسات البرلمان، الأمر الذي عطل الحياة السياسية في البلاد، بدءا من الحكومة وصولا إلى البرلمان. وتعد أزمة الفراغ الرئاسي الثانية منذ اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية في البلاد، ورابع شغور في كرسي الرئاسة اللبنانية منذ استقلال لبنان، لكن الأزمة الحالية وفق الخبراء والمحللين اللبنانيين، تعد الأسوأ نظرا للظروف التي تمر بها البلاد والمنطقة عموما، وعلل هؤلاء أن الفراغ الحالي لا يقتصر على عدم وجود رئيس منتخب، بل إنه بات يطال عمل المؤسسات اللبنانية كاملة، خاصة التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي يساهم في ترسيخ عدم احترام الاستحقاقات الدستورية والقوانين، التي يرتكز عليها النظام اللبناني. ويزيد من الأزمة الرئاسية اللبنانية، أن أيا من المرشحين الثلاثة، الذين نالوا بركة البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي، غير وارد التنازل عن ترشحهم لمصلحة مرشح آخر، فزعيم التيار الوطني الحر، العماد ميشال عون، لا يزال متمسكا بترشيحه، حتى وصل إلى معادلة «أنا أو استمرار الفراغ»، فيما يحذر زعيم تيار المردة، النائب سليمان فرنجية، من أنه إذا لم يُنتخب في مايو المقبل، فإن «تكتل الثامن من آذار» لن يحصل على رئيس من بين حلفائه، ومن جهة أخرى يستمر مرشح حزب الكتائب، الرئيس أمين الجميل، بترشيحه أيضا، لكنْ من دون أي إشارات تدل على نيته التنازل لمصلحة عون أو فرنجية. أمام التعقيدات الداخلية، وعدم بروز أي مؤشر لإمكان خروج لبنان من نفق الفراغ المظلم؛ نظرا لتباعد الرؤى بين القوى السياسية في البلاد، يندفع البعض إلى الرهان على العوامل الخارجية، علها تتمكن من جمع اللبنانيين، وتساعدهم في اجتياز الاستحقاقات الدستورية، التي باتت تهدد بنية الدولة برمتها. زيارة الرئيس الفرنسي للبنان ومن بين المساعي الخارجية التي تظهر مؤخرًا على السطح، بعد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون الشهر الماضي، تأتي مساعي فرنسا لحلحلة الوضع اللبناني، حيث يزور الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، لبنان نهاية الأسبوع المقبل؛ في محاولة لحث الأطراف على الدخول في تسويات كبرى لتسهيل تمرير الانتخابات الرئاسية. في نفس الوقت، يرى مراقبون أن زيارة أولاند تأتي من باب اللياقة الفرنسية تجاه لبنان، ولرفع العتب من الناحية السياسية، أما هدف الزيارة الأساس، فهو تقديم الدعم المعنوي لحكومة الرئيس تمام سلام وللمؤسسات الأمنية والوقوف إلى جانبها، وبخاصة الجيش اللبناني. زيارة الحريري إلى موسكو وفي خطوة أخرى يسعى فيها السياسيون إلى إدخال طرف خارجي قوي لحلة الأمر، زار رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، موسكو قبل أسبوعين؛ لأن روسيا لديها أوراق ضغط كثيرة على اللاعبين الإقليميين المرتبطين ارتباطًا كليًا بالملف اللبناني، لاسيما السعودية وإيران، حيث أصبحت موسكو رقمًا مهمًا في المعادلة الدولية، يحسب لها ألف حساب، خاصة بعدما ثقل وزنها في الملف السوري الذي أعاد مكانتها على الساحة الدولية ودورها في صناعة القرار الدولي. ولعبت موسكو دورا محوريا في الأزمة السورية، وتمكنت من خلال خطوات محسوبة كانت بدأتها بالتدخل عسكريا في هذا البلد، من فرض انطلاقة جدية للعملية التفاوضية بين النظام والمعارضة. ويأمل السياسيون اللبنانيون في تدخل موسكو لحل الملف الرئاسي الذي يهدد بانهيار بنيان لبنان الهش بطبعه، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، خلال لقائه مع الحريري في موسكو، إن روسيا تجري اتصالات دورية مع جميع القوى السياسية في لبنان، تشمل الحكومة، وزعماء مختلف التيارات السياسية، مضيفا: «ويعكس هذا الموقف اهتمامنا الصادق للحفاظ على أسس المجتمع اللبناني وكيان الدولة اللبنانية، ورغبتنا في أن نشهد في القريب تجاوز اللبنانيين الأزمة السياسية الداخلية التي عمّت بلادهم». وفي هذه التحركات الخارجية، تدرك روسيا ودول أوروبا أن لبنان باتت عرضة للاهتزازات الأمنية، وأن أي خلل أمني فيها سيعقد كل مساعي الحلول السياسية، التي يقوم بها المجتمع الدولي في المنطقة، لذلك كثرت التحركات الخارجية لكن يبقى السؤال هل سينتج عنها أي جديد؟.