تطورات جديدة شهدتها المصالحة التركية الإسرائيلية، لا سيما مع تزايد اللقاءات التي جمعت الجانبين خلال الفترة الماضية، بعد التوتر الذي طرأ على العلاقات، إثر مهاجمة قوات الاحتلال الإسرائيلية السفينة التركية مافي مرمرة وهي في طريقها إلى قطاع غزة؛ للتضامن مع سكانه في مايو من عام 2010، الأمر الذي أدى إلى مقتل تسعة أتراك، وإصابة آخرين بجراح متفاوتة. والتقى مسؤول إسرائيلي مع سفير تركي الخميس، وتحت عنوان «مفاجأة في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب»، عرضت القناة العاشرة الصهيونية تقريرًا شرحت فيه تفاصيل اللقاء، الذي تم في فيينا لبحث اتفاقية المصالحة بين الجانبين، وكانت المعلومات التي سربت من الصحافة الصهيونية، تؤكد أن الاتفاق يتضمن عودة السفيرين التركي والإسرائيلي إلى تل أبيب وأنقره، مع إنشاء صندوق لضحايا سفينة مرمرة، دون رفع دعاو تركية ضد الجنود الإسرائيليين، بالإضافة إلى إخراج قيادات حماس المقيمين بتركيا، وفي مقدمتهم صلاح العاروري. وثمة معلومات تداولت منذ فترة، تتحدث عن أن تركيا وضعت ثلاثة شروط لتنفيذ الاتفاق، وهو الاعتذار والموافقة على تقديم تعويضات لأهالي ضحايا سفينة مرمرة، وتمت الموافقة على هذه الشروط من الجانب الإسرائيلي، إلَّا أن الشرط الثالث حتى الآن يرفضه الكيان الصهيوني، وهو فك الحصار عن قطاع غزة. وتأتي هذه المفاوضات في أعقاب اتصال هاتفي بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الإسرائيلي، رؤوبين ريفلين، تلقى خلاله الأخير العزاء في مقتل إسرائيليين في تفجير بأنقرة. الاشتباك مع روسيا بات واضحًا أن تركيا في مأزق سياسي واقتصادي، لاسيما بعد إسقاط الطائرة الروسية، ولذلك ارتأي صناع القرار التركي أنه لابد من البحث عن حالة جديدة لإعادة توازن العلاقات مع الجوار، خصوصًا أن موسكو أكدت أكثر من مرة توسيع العقوبات على أنقرة، فكان من بين أسهل الأطراف التي كانت على استعداد لكسر الخلاف مع أنقرة هي الكيان الصهيوني، فرغم كثرة الخلافات بينهما في فترة ما بعد مرمرة، إلَّا أن موازين القوى في هذه الحالة، هي التي تحكم العلاقات الدولية. المشكلات الاقتصادية والغاز وحصار الجوار تأتي هذه المفاوضات في سياق العزلة التي تعاني منها تركيا على الساحة الإقليمية، فهي محاطة بعدد كبير من الدول يربطها بها شبه عداء، هناك توترات غير مسبوقة مع روسيا، وتنسيق مصري عالي المستوى مع كل من قبرص واليونان فيما يتعلق بتقاسم ثروات الغاز في المتوسط، وهناك أيضًا مواجهات مكتومة بين إيرانوتركيا، لذلك هناك محاولة لكسر جدار العزلة الذي يحيط بتركيا الآن، كما أن تركيا بصدد البحث عن بدائل عن الغاز الروسي، الذي من من المحتمل إذا ما تصاعدت الأزمة بين روسياوتركيا أن تقطع روسيا إمدادتها من الغاز عن تركيا، ومن ثم هناك محاولات من تركيا للبحث عن بدائل فيما بتعلق بالغاز القطري والاذريبجاني أو حتى الخيار الإسرائيلي سيكون على الطاولة. لا تعتبر هذه المفاوضات، التي تعني تحسنًا في العلاقات الصهيونية التركية، جديدة، إنما تشير إلى تطور حقيقي بين الجانبين، وكانت من بين الأسباب التي دفعت تركيا لذلك هي المشكلات الاقتصادية الضخمة، فروسيا فرضت الكثير من العقوبات الاقتصادية سواء في مجال السياحة ومجال الاتفاقيات الاقتصادية، وأيضًا فيما يتعلق بتأشيرة الدخول في روسيا، ومن ثم تركيا لديها ملفات خلافية كثيرة، حتى على المستوى التجاري مع سوريا ومصر العراق وارمينيا وقبرص واليونان وحتى إيران، ومن ثم كل الدول المحيطة بتركيا الآن لديها مشكلة مع تركيا، هذا كله دفع تركيا إلى الخروج من الحصار والبحث عن بدائل أخرى. القضية المركزية أيضًا والتي تهم الجميع في هذه المنطقة هي تقاسم ثروات نفط وغاز شرق البحر المتوسط، وتركيا الآن ترى إسرائيل بصدد جني هذه الثمار، ومصر أيضًا بصدد عقد عدد كبير جدًّا من اللقاءات مع اليونان وقبرص، حيث تحولت اللقاءت الثنائية إلى شبه آلية مؤسسية، تجمع هذه الدول وتحقق مصالحها، لذلك رأت تركيا أن عليها إصلاح علاقتها مع إسرائيل لتضمن حقوقها في البحر المتوسط، في ظل العداء الشديد مع باقي الدول. القضية الفلسطينية ويتضح الآن بعد هذه المفاوضات للجميع أن ما رفعته تركيا من شعارات للدفاع على القضية الفلسطينية، كان فقط للحفاظ على دورها الإقليمي، حيث ستكون أكثر المتضررين من هذه المصالحة، وبعض الفصائل الفلسطينية التي ظنت أن تركيا تناصر القضية الفلسطيية، بناءً على أفكار معينة وقضايا إسلامية معينة، اتضح لها الآن أن كل هذه ادعاءات، وأن تركيا تتاجر بالقضية الفلسطينية، حيث إن أحد بنود الاتفاق الإسرائيلي التركي أن تتخلي تركيا عن دعم الفصائل الفلسطينية كافة، التي تمت استضافتها، سواء كانت المرتبطة بحركة حماس أو الأجهزة الأمنية المرتبطة بالحركة، لذلك سيكون هناك نزوح من تركيا إلى الدوحة لعدد من عناصر حركة حماس المقيمين في تركيا.