من أوروبا إلى آسيا، انتقل الإرهاب سريعًا، فبعد أقل من أسبوع على تفجيرات بروكسل التي أسقطت نحو 34 قتيلًا، وأثارت إدانة واستنكار شعوب العالم وحكوماته ورؤسائه، وبعد أيام قليلة على تفجير ملعب لكرة القدم في العراق، وصل الإرهاب إلى باكستان ليسقط أكثر من 70 قتيلًا. «إرهاب عابر للقارات».. هو الوصف الدقيق لهذا النوع من العمليات الإرهابية التي وقعت مؤخرًا، والتي ما تلبث دولة أن تفوق من كبوتها حتى تصاب به دولة أخرى في قارة جديدة، ليستمر الإرهاب يضرب بأذرعه المتعددة في العالم، ورغم اختلاف المنفذ والمخطط إلَّا أن هناك توافقًا على الهدف والفكر والنتائج أيضًا. تفجير باكستاني استهدف الإرهاب هذه المرة المسيحيين أثناء احتفالهم بعيد القيامة في متنزه «غولشان إقبال» بمدينة لاهور شرقي باكستان، حيث كان المتنزه مزدحمًا بالعائلات التي خرج بعضها للاحتفال بالعيد، لكنه لم يقتل مسيحيين فقط، بل سقط مسلمون أيضًا وهو ما يؤكد أن الإرهاب لا يفرق بين الديانات، وإنما هو فكر متطرف في الأساس. قُتل 70 شخصًا على الأقل بينهم 29 طفلًا و7 سيدات، وأصيب المئات بينهم 50 طفلًا، وقال الضابط في الشرطة الباكستانية، حيدر أشرف: المسيحيون لم يكونوا المستهدفين في الاعتداء؛ لأن غالبية الضحايا من المسلمين، فالجميع يقصدون المتنزه. قالت مصادر شرطية باكستانية: إن الانفجار يبدو ناجمًا عن تفجير انتحاري، ومعظم الضحايا من النساء والأطفال، ووقع عند البوابة الرئيسة للمتنزه قرب المنطقة المخصصة للأطفال، ورفعت المستشفيات الكبرى حالة الطوارئ القصوى لاستقبال ضحايا التفجير، واستدعت السلطات المحلية الجيش لتأمين المنطقة. تحدث شهود عيان عن أن الحادث أدى إلى اندلاع حالة من الفوضى، إذ حدث تدافع، فيما تاه بعض الأطفال عن آبائهم أثناء محاولات الفرار من موقع الحادث، وفي الوقت ذاته أطلق موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، خدمة تمكن المستخدمين من طمأنة ذويهم بأنهم بخير، وهي الخدمة التي تستخدم في حالات الكوارث الطبيعية. وعلى صعيد متصل، أعلن فصيل يدعى «جماعة الأحرار» تابع لحركة طالبان الباكستانية مسؤوليته عن التفجير، حيث قال المتحدث باسم الفصيل الإرهابي «إحسان الله إحسان» إن جماعته هي المسؤولة عن الهجوم، مضيفًا: نعلن مسؤوليتنا عن الهجوم، وتابع المتحدث: نريد توجيه هذه الرسالة لرئيس الوزراء نواز شريف، والتأكيد له أننا صرنا في لاهور، يستطيع أن يفعل ما يشاء، لكنه لن يتمكن من ثنينا عمّا ننشده، ومقاتلونا لن يتوقفوا عن هذه الهجمات. إدانات داخلية وخارجية أدان الرئيس الباكستاني مأمون حسين، التفجير بشدة، كما أعلنت حكومة البنجاب الحداد لمدة 3 أيام على أرواح الضحايا، فيما أعرب رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، عن حزنه وأسفه لمقتل أرواح بريئة جراء هذا التفجير الإرهابي، كما أعلن إرجاء زيارته المقررة إلى بريطانيا لمتابعة الأوضاع بالبلاد. من جانبه ندد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بالهجوم الانتحاري ودعا سلطات باكستان إلى فعل كل ما في وسعها من أجل ضمان أمن جميع سكان البلاد، بمن فيهم الأقليات، معربًا عن تعازيه لأهالي الضحايا، كما أكد بان كي مون على ضرورة معاقبة المسؤولين عن الاعتداء في أسرع وقت ممكن، مشددًا على أهمية تقيد باكستان بتنفيذ التزاماتها في مجال حقوق الإنسان. بدورها أدانت الولاياتالمتحدةالأمريكية الهجوم الإرهابي، في بيان أصدره البيت الأبيض، واصفًا الهجوم ب«الإرهابي المروع»، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، نيد برايس: إن الهجوم والفعل الجبان الذي استهدف الحديقة، قتل العشرات من المدنيين الأبرياء، وأضاف: نحن نعبّر عن أحر التعازي للذين فقدوا أحبتهم في الهجوم، وأكد أن الولاياتالمتحدة تعبّر عن تضامنها مع باكستان وحكومتها في هذه الأوقات الصعبة، مشيرًا إلى أن بلاده ستواصل العمل مع شركائها في باكستان والمنطقة من أجل استئصال آفة الإرهاب، فيما أعرب الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند، عن تضامن بلاده مع باكستان، وقال: إن الهجوم الانتحاري يظهر أهمية الإرادة الحديدية في مكافحة الإرهاب في كل مكان. توترات أمنية باكستانية تعاني باكستان بصفة مستمرة من العديد من الأزمات التي تؤرق أمن البلاد، وتأتي في مقدمتها التمرد المسلح الذي أعلنته حركة «طالبان باكستان»، إضافة إلى أعمال عنف ترتكبها عصابات إجرامية، ناهيك عن النزاعات الطائفية، لكن مستويات العنف تراجعت عمومًا في باكستان، منذ أن بدأ الجيش هجومًا واسع النطاق على معاقل حركة طالبان وتنظيم القاعدة في المناطق الحدودية مع أفغانستان بشمال غرب البلاد في يونيو عام 2014، حيث شهدت السنة الماضية أدنى مستوى ضحايا من المدنيين وقوات الأمن منذ العام 2007. يعتبر تفجير لاهور الأخير الأكثر دموية منذ تفجير نوفمبر عام 2014، والذي تبناه فصيل جماعة الأحرار أيضًا، وأوقع 55 قتيلًا عندما فجر انتحاري نفسه على أبرز معبر حدودي بين باكستان والهند، وبين التفجيرين وقع العديد من الحوادث الإرهابية أيضًا، كان أهمها تفجير بيشاور، كبرى مدن شمال غرب باكستان، الذي وقع في 16 مارس الجاري، وأسفر عن سقوط أكثر من 17 قتيلًا وعشرات الجرحي، كما استهدفت حركة طالبان في فبراير الماضي المؤسسات التعليمية الباكستانية أيضًا، حيث فجر مسلحون جزءًا من مدرسة حكومية بنيت حديثًا بمنطقة وزيرستان الجنوبية، وفي يناير الماضي قتل 22 شخصًا وأصيب العشرات، عندما شن مسلحون هجومًا على جامعة باتشا خان في إقليم «خيبر بختونخوا».