في 17 فبراير من العام 2011 إنطلقت الثورة الليبية و التي تحولت بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي إلي نزاع مسلح بين أطراف عدة لا يزال قائماً حتي الآن، و مع بدء التدخل الدولي حينها في 19 مارس من العام ذاته، خرجَ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من مؤتمر حولَ الوضع الليبي كان قد عُقد في باريس ليُعلن إقرار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 وبدء الحظر الجوي على ليبيا بعدة ضربات استهدفت الكتائب المُتمركزة حول مدينة بنغازي، وبعدَ ساعات من الغارات الجوية التي نفذتها مقاتلات الرافال الفرنسية دمَّرت ما لا يَقل عن 15 دبابة و20 عربة مدرعة كنتائج أولي، هنا أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية نجاحها وحلفاءها في إيقاف الهُجوم على المدينة. و منذ ذلك التاريخ و ما تلاه من تطورات ميدانية و قصف غربي متواصل استهدف جميع قوات القذافي المتمركزة حول المدن و التي تشهد معارك علي عدة جبهات، كُتِبت النهاية لنظام العقيد القذافي و معه آخر أشكال الدولة المركزية التي حكمت طوال 42 عاماً. لتدخل بعدها ليبيا في طاحون حرب أهلية جعلت منها أكبر منصة للإرهاب في شمال إفريقيا، و بقعة جغرافية تشهد فراغاً أمنياً و سياسياً هدد إلي حدِ كبير ليس فقط دول الجوار الليبي، بل حوض المتوسط و الغرب معاً.. ف إلي أيّ مدي يهدد الوضع الليبي الآن دول الجوار و الغرب؟..و ما حقيقة التطورات الميدانية التي يشهدها الان؟.. من اللاعبون الرئيسيون علي الساحة الليبية؟.. و ما المحرك الرئيسي للصراع الدائر؟..هو ما ستوضحه نقاط التقرير القادمة. 1. من يحكم ليبيا الآن؟ اتسمت الفترة التي أعقبت الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011 بعدم استقرار تميز بالانتشار المستمر للأسلحة وتوسع نفوذ المليشيات الإسلامية التي ساهمت في إسقاط النظام وصولاً إلى تمدد تنظيم "داعش" الإرهابي في الأراضي الليبية مستفيداً من انعدام الاستقرار في دول الجوار، فيما انقسمت البلاد سياسياً و عسكرياً على وقع حكومتين في طبرق وطرابلس. حكومة طبرق، من جهة هنالك مجلس النواب الليبي (انتخب عام 2014 ويرأسه عقيلة صالح عيسى العبيدي) الذي خلف المؤتمر الوطني العام (انتخب عام 2012) الذي خلف بدوره المجلس الوطني الانتقالي. يسمى أحياناً "الحكومة الليبية المعترف بها دولياً" أو "حكومة طبرق" بسبب مكان انعقاد جلساته بدلاً عن مدينة بنغازي المضطربة. يسيطر المجلس على حوالي ثلثي البلاد رغم تنازعه النفوذ في بعض المدن كبنغازي ودرنة وغيرها مع المليشيات الإسلامية وتنظيم "داعش" حكومة طرابلس، هي تحالف من القوى السياسية التي خسرت انتخابات 2014 وكونت إثر ذلك "المؤتمر الوطني العام الجديد" برئاسة نوري أبو سهمين (الرئيس السابق للمؤتمر الوطني العام) أو ما يسمى أيضاً ب"فجر ليبيا" المكونة من القوى الإسلامية (الإخوان المسلمون وحزب العدالة والبناء وقوى أصغر) والمليشيات المسلحة التي ساهمت في إسقاط نظام القذافي ("غرفة عمليات ثوار ليبيا" و"درع ليبيا") التي سيطرت على العاصمة. و جميعهم لا يُعترف بهم دولياً. كما تنشط أيضاً ميليشيات قبائل التابو و الطوارق الليبية في الجنوب و الامازيغ في اقصي الغرب، و لكنها حتي الان لا تبدوا مؤثره بقوة في الصراع الدائر. تجدر الإشارة أن الصراع الدائر في ليبيا لا يشمل الحكومتين فحسب " طبرق و طرابلس"، بل شمل ايضاً كل حكومة من الداخل، حيث إحتدمت الخلافات داخل حكومة طبرق المعترف بها دولياً بسبب اللواء " خليفة حفتر" الذي يشغل منصب القائد العام للجيش الوطني الليبي في الحكومة، و قائد عملية "الكرامة" الجارية الان و التي تهدف إلي قتال الجماعات المسلحة الليبية علي اختلافها و التي لا تقع ضمن قوات الحكومة المعترف بها دولياً. طفت العديد من الخلافات من داخل حكومة طبرق بسبب وضع اللواء خليفه حفتر و مستقبله العسكري، بالإضافة الي طريقة توزيع الحقائب علي الأقاليم الإدارية و السياسية الثلاث في ليبيا، الجنوب و الغرب و الشرق. أما في حكومة طرابلس وبحسب مراقبين، فإن الخلافات التي اندلعت داخل المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته حيال مجريات عمليات الحوار السياسي ألقت بظلالها على علاقة قادة المليشيات ببعضهم، فقد عارضت كتلة برلمانية داخل المؤتمر يترأسها بلقاسم قزيط والمكوَّن جلها من مدينة مصراتة سياسية رئاسة المؤتمر التي يسيطر عليها زعماء الجماعة الإسلامية المقاتلة والساعية لتعطيل مساعي مفاوضات السلام بالصخيرات بالمغرب. وفي غرب العاصمة طرابلس، أعلنت ميليشيات مصراتة سحب قواتها التي تسيطر على الطريق الساحلي الرابط بين العاصمة ومدينة الزاوية ووضعها في حالة استنفار كبير في أكثر من معسكر بمنطقة وادي الربيع وطريق المطار. كما شهدت طرابلس حملة مداهمات من الطرفين، طالت عددا من المقار والتمركزات التابعة للطرفين في مناطق الهضبة وعين زارة، شرقي العاصمة، فيما أقامت سيارات عسكرية تابعة للجماعة الإسلامية المقاتلة ومسلحين حواجز تفتيش في معظم أحياء وسط العاصمة، استوقفت عددا من المواطنين وقامت بتفتيش سياراتهم وسؤالهم عن انتماءاتهم المناطقية. ولفهم أكثر وضوحاً للخريطة السياسية و العسكرية في ليبيا، يجب التنويه أنه لا يوجد كيان "عسكري سياسي"يعمل داخل الأراضي الليبية و يسيطر بصورة تامة علي مناطق نفوذه، ف مثلاً مدينة بنغازي و التي تعتبر معقل من معاقل الحكومة المعترف بها دولياً، و المنصة الأولي لإنطلاق عملية "الكرامة" للجيش الوطني الليبي و التي بدأت في مايو من العام 2014 تحت قيادة اللواء " خليفه حفتر" لتحرير المدينة من الجماعات المسلحة الارهابية الاخري ، لا تخضع للسيطرة التامة للحكومة المعترف بها دولياً، بل يوجد هنالك العديد من المناطق في بنغازي التي تخضع لمختلف الفصائل العسكرية، كتنظيم "داعش" الإرهابي و تنظيم " أنصار الشريعة " فرع القاعدة، و الذي أعلن قيام " إمارة إسلامية " منذ اوساط 2014، كما تشهد المدينة معارك مستمرة بين التنظيم و حلفائه و الجيش الليبي أدت إلي مقتل قائد التنظيم هناك "محمد الزهاوي". تخبرنا الخريطة الجيوسياسية و العسكرية ل ليبيا بحقيقة ظاهرة و هي أن (الكل يقاتل الكل). مما أوجد مناطق في الشرق الليبي تحديداً لا تخضع لسيطرة أحد، و صعّب إلي حدِ كبير المحاولات الدولية و الإقليمية لتشكيل حكومة ليبية موحدة تأخذ علي عاتقها الحفاظ علي وحدة البلاد و من ثم التفرغ لمكافحة الإرهاب الذي طال كل شبر بالأراضي الليبية و سيطر علي مساحات شاسعة منها. 2. إين تكمن أهمية ليبيا إقليميا و دولياً؟ بعد استعراض الوضع السياسي الحالي ل ليبيا و المعقد إلي حدِ كبير، يبقي السؤال حاضراً، ما الأهمية التي تشكلها تلك البقعة الجغرافية و التي تشهد فراغاً امنياً و سياسياً جسيماً؟..تتلخص الإجابة في نقطتين رئيسيتين 1.الموقع الجغرافي، تشارك ليبيا حدودها مع ستة دول منهم ثلاث دول عربية مؤثرين إلي حدِ كبير في خريطة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، و هما مصر و السودان و تونس و الجزائر. كما أن ليبيا تبعد عن السواحل الإيطالية بأقل من 200 ميل بحري فقط. و مع الفراغ السياسي و الأمني، و لعدم قدرة أطراف الصراع الدائر حسم الموقف لصالحه، شكلت ليبيا بيئة حاضنة للإرهاب و الجماعات المتطرفة، و اللاعبون الإقليميون و الدوليون أيضاً، حتي اصبحت اكبر منصة للإرهاب في شمال إفريقيا، و هددت بذلك ليبيا كل دول الجوار العربي تحديداً الجزائري و التونسي و المصري، حيث أصبح للإرهابي وجوداً لا يٌستهان به علي حوض المتوسط، الأمر الذي جاوز تهديد دول الجوار و هدد الدول الأوروبية و الغربية التي تراقب عن كثب التطورات في الميدان الليبي . وخاصةً بعد كثرة الهجرات الغير شرعية التي وجدت في السواحل الليبية أمثل نقاط الإنطلاق. حيث تقدر السلطات في إيطاليا العدد المؤهل لمثل هذا النوع من الهجرة من الجماهيرية الليبية وحدها ب1.5 مليون مهاجر، معظمهم من دول الشمال الأفريقي فضلا عن الدول الأفريقية الأخرى لاسيما من الصومال وإريتريا وتشاد وإثيوبيا. ويأتي معظم هؤلاء خاصة الأفارقة منهم بعد تجميعهم في أماكن التقاء داخل كل دولة على حدة، ثم تقوم عصابات التهريب بنقلهم عبر حافلات كبيرة إلى طرابلس وهناك ينتظرون عدة أسابيع إلى أن تنتهي عصابات التهريب من استكمال "تربيطاتها" مع بعض عناصر الشرطة وخفر السواحل مستخدمة في ذلك -كما يقول بعض المهاجرين- الرشوة. وحينما يقترب موعد السفر يقسم المهاجرون إلى مجموعات يتراوح عدد كل منها ما بين 80 و100 ثم تنطلق بهم عصابات التهريب إلى مدينة زوارة الليبية التي تبعد عن سواحل إيطاليا بحوالي 150 ميلا بحريا يقطعونها في رحلة بحرية قد تستغرق يوما واحدا إذا كان الجو صحوا و مع الفراغ الأمني و انتشار الإرهاب في الأراضي الليبية بدا من الصعب التفريق بين المهاجر و الإرهابي. 2.النفط تعد ليبيا من أحدي اغني دول الإقليم نفطياً، إذ تقدر الإحتياطات النفطية المؤكدة فيها بنحو 46.6 مليار برميل، و هي الأكبر في إفريقيا، و مع انهيار الأمن في ليبيا و اتساع رقعة الفراغ السياسي العسكري، و بالتوازي مع تضييق الخناق علي مملكة "داعش" النفطية في سوريا و العراق إثر الغارات المكثفة التي حجّمت قدرات التنظيم الإنتاجية من النفط، ظهر قيمة النفط الليبي و ليبيا نفسها لدي الجماعات الإرهابية، بوصفها أحد أغني الرقع الجغرافية بالنفط و الإرهابيين معاً. و هذا ما يفسر استهداف المنشآت النفطية الليبية من الجماعات الإرهابية و وجودها ك بنك اهداف علي المدي القريب لتغطية الخسائر في الميدان السوري و العراقي. هذا فضلاً عن وجود العديد من الحضور الغربي في ليبيا الخاص بمجال النفط، الأمر الذي أخذ من تهديد تلك المنشآت النفطية تهديداً مباشراً لمصالح الغرب في ليبيا، مما عجّل بالعديد من القرارات العسكرية الغربية و التي ظهرت في انشطة استخباراتية و ضربات جوية وقائية لمعسكرات التدريب و العناصر الإرهابية البارزة النشطة هناك في الآونة الأخيرة. حيث استطاعت التنظيمات الإرهابية استهداف و من ثم السيطرة علي مناطق غنية بالنفط، ك تنظيم "داعش" الإرهابي الذي سيطر بدوره علي شريط ساحلي غني نفطياً بمدينة سرت كما توضح الخريطة التالية: و فيما يلي الأنشطة و العمليات الإرهابية لتنظيم "داعش" بالميدان الليبي، كما نلاحظ تركيز هجماته علي المناطق و المنشآت النفطية و أنانبيب الإمداد من خلال عرض النقطتين السابقتين عن أهمية ليبيا دولياً و إقليمياً (موقع جغرافي حساس و نفط) و استعراض تنامي نشاط داعش الإرهابي..تتضح الصورة و تتصاعد الحاجة إلي إجراء عسكري وقائي أكثر فأكثر.. و لكن يبقي السؤال الأهم، قبل أن تخوض أي قوة داخلية او خارجية حملة عسكرية وقائية، ما الاطراف الخفية للصراع الليبي و التي تفسر إلي حدِ كبير تنامي التنظيمات الإرهابية و المتشددة من جهة، و سيطرة تصاعدية عسكرية ملحوظة لحكومة طبرق و التي بدأت في إحراز تقدم علي أكثر من جبهة؟ 3. الحرب الخفية في الميدان الليبي..حرباً بالوكالة؟ يشهد الميدان الليبي جناحين أساسيين و فعّاليّن إلي حدِ ملحوظ في تشكيل ديموغرافية الصراع الدائر الان، الجناح الاول " تركيا قطر السودان " حيث يدعم ذلك الجناح الحكومة الليبية في طرابلس الغير معترف بها دولياً بكل مليشياتها العسكرية بالمال و السلاح، مستخدماً السودان ك "ترانزيت للنقل. تجدر الإشارة أن لذلك الجناح حضور من بداية الثورة الليبية، إذ شاركت قطر عسكريا في قصف قوات القذافي مع الغرب و قدمت الدعم المالي و العسكري للميليشيات الإسلامية المتشددة هناك، و لم يتوقف الأمر حتي تم الإطاحة بنظام القذافي، فقد نشرت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية تقريرا لها عن تورط قطر في تمويل داعش، نقلته بدورها عن وزارة الخزانة الأمريكية أن مساعدة قطر لداعش تتم من خلال وسيط يدعى طارق الحرزي والذي يعتبر أبرز الوسطاء بين قيادة تنظيم داعش والممولين في الخليج وبالأخص قطر. وأضاف التقرير أن الحرزي قام بجمع مليوني دولار من أحد المتبرعين القطريين، وذلك تحت سمع وبصر الحكومة القطرية التي سمحت لمواطنيها بجمع الأموال للتنظيمات الإرهابية لتنفيذ عملياتهم. كما قال "عيسي عبدالمجيد" مستشار رئيس البرلمان الليبي ل صحيفة الشرق الأوسط، إن خطوط إمداد جديدة للمقاتلين الأجانب من داعش بدأت تدخل إلي ليبيا من منطقة المثلث الحدودي مع السودان، من نقطة جبل العوينات. إلي جانب ما يجري نقله من عتاد و سلاح عبر الطائرات من مطار أم درمان السوداني إلي مطار معيتيقة الليبي و الذي يسيطر عليه متطرفون قرب العاصمة طرابلس، كما أضفا عبدالمجيد أن قوافل الإرهابيين تنتقل من خلال الصحراء لتصل إلي المدن الليبية الساحلية بالشرق تحديداً حيث يخوض الجيش الليبي معارك طاحنة لاحكام السيطرة و طرد الجماعات المسلحة من تلك المدن و خاصة " بنغازي و سرت ". أما تركيا فكانت حاضرة هي الأخري و ازداد حضورها بعد انهيار نظام القذافي، فدعمت حزب العدالة و البناء الليبي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا حيث اعترفت تركيا بحكومة طرابلس وعينت في سبتمبر 2014، مبعوثًا خاصًا في ليبيا، وأصبح أول مبعوث يلتقي علنًا بالسلطات غير المعترف بها دوليًا في طرابلس، وبرر المسؤولون الأتراك ذلك، بأن أنقرة تحاول تعزيز مفاوضات السلام بين الاطراف المتنازعة. وبعد هذا القرار تم تداول شائعات في ليبيا بدعم تركيا للإسلاميين، وهو ما أكده أحد المسؤولين الأتراك الكبار في تصريحات لوكالة «رويترز» نوفمبر الماضي، بقوله: «هؤلاء الناس ليسوا إرهابيين، إنهم حقيقة سياسية، ونكرانهم يُعني أنه ليس من الممكن إقناعهم بالتفاوض»، في إشارة إلى الإسلاميين. كما يمثل استئناف رحلات شركة الخطوط الجوية التركية إلى مصراتة سبتمبر 2014، «شريان حياة» للجماعات المتواجدة في طرابلس وبينهم كثيرون ينحدرون من المدينة الساحلية الواقعة شرقي العاصمة. ومما يؤكد دعم تركيا للإسلاميين المتشددين و المدرج أغلبهم علي قوائم الإرهاب، قول «أردوغان» في لقاء على قناة «الجزيرة» القطرية: «لا يمكن القبول باجتماع البرلمان الليبي في طبرق.. هذا خطأ»، متسائلًا: «لماذا يجتمع البرلمان في طبرق، وليس في العاصمة الليبية طرابلس؟.. نحن لا نقبل بهذا أصلا، هذا أمر غير مقبول، هنا نحن في مواجهة وضع غير صحيح، ولهذا فإن ما حصل في طبرق هو عملية نزوح وتشريد للبرلمان". و لم يقتصر الدعم للتركي لحزب العدالة و البناء سياسياً، بل شمل الجانب العسكري أيضاً. حيث اتهم عبدالله الثني، رئيس الوزراء الليبي المعترف به دوليًا،مراراً و تكراراً، تركيا بإرسال أسلحة لمنافسيه من الإسلاميين الذين استولوا على العاصمة الليبية، طرابلس، العام الماضي. "إن تركيا بلدٌ لا يتعامل بصدقٍ معنا،" هكذا قال للتلفزيون المصري. "إنها تصدر أسلحة لنا يقتل بها الليبيون بعضهم البعض". ورغم غياب الأدلة الدامغة، فقد بدأت التقارير المتعلقة بالدور التركي المتنامي في الصراع بالظهور منذ يناير 2013، عندما أوردت صحيفة ‘حرية' التركية أن السلطات اليونانية عثرت على أسلحةً تركية على متن سفينةٍ متجهة إلى ليبيا بعد توقفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية. وفي ديسمبر من ذلك العام، ذكرت الصحافة المصرية أيضًا أن إدارة الجمارك المصرية اعترضت أربع حاوياتٍ من الأسلحة قادمة من تركيا ويُعتقد أنها كانت موجهة للميليشيات الليبية. ورغم أن ما لدينا لا يزال صورةً جزئيةً فقط حول ما يبدو أنه دعم تركي مادي لمتشددي ليبيا، فقد قال اثنان من مسئولي الحكومة الأمريكية لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن الأمر يعد مصدر قلقٍ حقيقي. ويشير أحد المسئولين السابقين إلى أن المساعدات التركية العسكرية للفصائل الإسلامية كانت ببساطة "مفترضة". و في المقابل يضم الجناح الأخير " مصر السعودية الإمارات" و يدعم ذلك الجناح حكومة طبرق المعترف بها دولياً و الجيش الوطني الليبي و قائده اللواء خليفه حفتر، و يقدم له الدعم العسكري و التنسيق الإستخباراتي. و ظهر ذلك في هجمات سلاح الجو المصري الأخيرة علي البؤر الإرهابية بمدينة درنة بعد واقعة ذبح الاقباط المصريين. و إرسال الإمارات لبعض المعدات العسكرية المدرعة و قيام الأخيرة مع المصري بتنفيذ العديد من الغارات بالشرق الليبي حسبما اكدت رويترز. و أكدته صحيفة النيويورك تايمز في تقرير نشرته سابقاً علي لسان مسؤل أمريكي رفيع المستوي بأن مصر و الإمارات العربية المتحدة قد قامتا سراً بشن العديد من الغارات الجوية علي كتيبة مصراتة الموالية للمتشددين و حكومة طرابلس، و بحسب هذه التقارير فإن الغارات وقعت دون علم الولايات المتحدة. كما أن الإجراءات الميدانية لمحور الغرب في ليبيا المتمثل في " الولايات المتحدة فرنسابريطانيا " تصب في مصلحة هذا الجناح، و ذلك بالنظر إلي طبيعة الغارات التي نفذها الغرب في ليبيا، جميعها استهدفت تنظيمات متشددة تنتمي لإطار " حكومة طرابلس " بصبغتها السياسية الإخوانية المدعومة من الجناح الاول. شكّل الجناحين السابقين خريطة الصراع في ليبيا كما أدي تكافئ القوي في الميدان إلي حتمية التدخل الغربي و فرض احتمالات كثيرة لسيناريوهات و اشكال ذلك التدخل الذي لا يحظي بتأييد عربي و ليبي..الأمر الذي يدفعنا قبل الخوض في اشكال التدخل الخارجي، إلي التساؤول عن حجم التواجد الغربي في ليبيا؟.. 4.التواجد العسكري الغربي في ليبيا.. حقيقة؟ قبل أن تضارب التصريحات الأخيرة حول التواجد العسكري الغربي في ليبيا، نخوض أولاً في الحقائق علي الأرض، كان أول الأشكال العسكرية الموجودة للغرب في ليبيا هي شركات التأمين الخاصة، غالبيتها بريطانية و فرنسية، و بعض المرتزقة الذين يعملون علي تأمين مصالح الغرب النفطية من شركات و منشآت،فضلاً عن حماية الشخصيات الهامة بعد الفراغ الأمني و استمرار طاحون الحرب. ك شركات "كنترول ريسكس" ، "تانجو سبيشيال بروجكتس"، "بلاك ووتر". و بحسب مكتب "الكومنويلث" البريطاني فقد وصلت تكلفة التعامل مع احدي شركات التأمين في ليبيا إلي 8 مليون يورو. تضاربت التصريحات الاخيرة للمسؤليين الغربيين حول التواجد العسكري في ليبيا، ف بين رفض عربي لأية اشكال للتدخل و عدم الإعلان صراحةَ من القوي الغربية، أكدتا صحيفتا " اللموند " الفرنسية و "التليغراف" البريطانية، وجود عناصر من القوات الخاصة لكل من ( فرنسابريطانيا الولايات المتحدة) داخل ليبيا و ذلك لتقديم الدعم العسكري و تدريب و فتح قنوات اتصال مع بعض الميليشيات العسكرية التي تقاتل تنظيم داعش الآن أو مستقبلاً. و هو ما أكده وزير الدفاع البريطاني السيد مايكل فالون، حين تحدث عن إرسال أكثر من 1000 جندي و مستشار عسكري إلي ليبيا للمساعدة في مواجهة خطر تنظيم "داعش" الإرهابي. كما كشفت "لموند" الفرنسية أن حرباً سرية تخوضها فرنسا في ليبيا و تعتمد بشكل رئيسي علي عناصر من القوات الخاصة الذين قادوا في يناير الماضي عمليات نوعية استهدفت تصفية قادة في تنظيم داعش الإرهابي، كما وجهوا مقاتلات الرافال نحو احداثيات هامة لقصفها و هو ما تم فعلياً يناير الماضي، حين شنت المقاتلات الفرنسية بالتعاون مع غرفة عمليات القوات المسلحة الليبية غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية لتنظيم "داعش" الارهابي في مدينة سرت الساحلية و أوقعت نحو 14 إرهابياً من بينهم قياديون بارزون. تلي الغارات الفرنسية، غارات امريكية أشد عنفاً في فبراير الماضي، حيث شنت مقاتلات ال إف 15 ايغل سترايك الامريكية هجوماً دقيقاً استهدف معسكراً تدريبياً في مدينة سبراطة غرب ليبيا أوقع نحو 50 قتيلا من بينهم التونسي "نور الدين شوشان" من المتهمين بالهجوم الارهابي علي السياح في تونس العام الماضي. بدا واضحاً أن إستراتيجية المحور الغربي " فرنسابريطانيا الولايات المتحدة " تعتمد علي التنسيق الإستخباراتي و استخدام الإيطالي ك " ترانزيت " و منصة إنطلاق للمقاتلات الأمريكية نحو العمق الليبي، كما أن الإعتماد علي عناصر القوات الخاصة " البريطانية و الفرنسية" تحديداً، يوضح رغبة ذلك المحور في عملية عسكرية غير رسمية، لا تدخل في إطار الحرب المفتوحة نظراً للرفض العربي و الليبي للتدخل الكامل، و لإشتعال جبهات اخري في سوريا و العراق، و الأهم الحد من زحف الإرهاب نحو تونس كلما إزداد الخناق عليه في البقع الجغرافية الخاضعة لسيطرته في ليبيا، و هو ما حدث بعد هجمات المقاتلات الامريكية علي معسكر مدينة سبراطة الليبية و قتل قياديين بارزين في التنظيم و متهمين في هجمات تونس العام الماضي التي استهدفت السياح. بعد تلك الغارة توجه عشرات من الإرهابيين نحو مدينة "بنقردان" التونسية محاولين السيطرة علي مقرات الأمن الوطني بالمدينة. موزعين علي خمس مجموعات قتالية. بدأت الإشتباكات و اوقعت نحو 52 قتيلا بينهم 36 مسلحاً 5. سيناريوهات التدخل الغربي..و مستقبل الصراع كما أشرنا في تقارير سابقة، أن النفط يمثل شريان التمدد و البقاء لتنظيم داعش الارهابي و لبقية التنظيمات المسلحة الأخري، كما لا يمكن إغفال أن التطور الميداني لداعش في ليبيا يرتبط إرتباط مباشر بتدمير مملكته النفطية بالاراضي السورية و العراقية بعد التدخل الروسي، الأمر الذي يجعل كافة المنشآت النفطية الليبية علي الأجندة الداعشية، وهو ما يتم الآن بالنظر إلي ديناميكية نشاط التنظيم و عملياته. كما يمثل ذلك تهديداً مباشراً علي مصر، إذ تقع غالبية حقول النفط في الشرق و الوسط الليبي، و مع اعتماد تنظيم داعش استراتيجية فرض طوق آمن حول تلك المنشآت فإن الحدود المصرية مع ليبيا ستصبح علي مرمي نيران مقاتلي التنظيم.. لكن يبقي السؤال حاضراً، ماذا لو فشلت الإستراتيجية الحالية المتبعة من جميع القوي الخارجية في ليبيا الضربات الوقائية ؟..ماذا لو تمكن التنظيم من إحكام السيطرة علي مزيد من منشآت النفط في الشرق؟ خاصة بعد تصريح جون كيري وزير الخارجية الامريكية الذي أشار إلي خطورة الوضع الحالي قائلاً " يجب علينا الأ نترك خلافة زائفة لديها مليارات الدولارات من عائدات النفط"..كيف سيتصرف الغرب حينها الذي ينظر ل ليبيا بعين المصلحة و النفوذ؟ سيضطر الغرب بكل تأكيد إلي الدخول لإطار الحرب المفتوحة بإنزل بحري و قصف صاروخي تمهيدي، بصواريخ "كروز" حسبما عرض "دبيكا" المقرب من الإستخبارات الإسرائيلية. كما ستلعب قطع البحرية للمحور الغربي دوراً رئيسياً. و من المرجح أن تحط قوات الإنزال البحري بخليج سدرة، لمحاصرة مدينة سرت عاصمة تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، و تشمل مهام القوة البرية للمحور الغربي علي جزئين، الاول السيطرة علي العاصمة طرابلس و الثانية التوجه نحو بنغازي و راس لانوف و تحرير مصراتة..كما من المرجح ايضاً ان تحط وحدة من وحدات مشاة البحرية في درنة الليبية لطرد الجماعات الراديكالية منها..و بهذه الإستراتيجية و الأماكن المرجحة للانزال البحري ضمن الغرب السيطرة الكبيرة علي حقول النفط و الغاز الليبية و جعلها اخر مصادر تمويل الأنشطة الإرهابية خاصة في الساحل الليبي القريب من اوروبا. و كما أشرنا سابقاً بحقيقة الموقف العربي تجاة التدخل الخارجي و الذي تمحور بين رفض قاطع (مصري و تونسي و جزائري)، إلا أن الثلاثي العربي و المتضرر الأكبر من تدهور الأوضاع في ليبيا قد استعد لذلك السيناريو، حيث حرصت مصر علي تزويد منطقتها الغربية العسكرية بأحدث طائرات الإستطلاع و الإنذار المبكر كما انشأت مطارات لمقاتلات ال إف 16 و تمركزت العديد من وحدات المدفعية و المدرعات، و أنظمة الدفاع الجوي و إستقدام اسطول مروحيات الأباتشي للتمشيط و المداهمات بطول الحدود هذا بالتوازي مع حفاظ مصر علي المصدات العسكرية الثلاثة لها في ليبيا و التي تتمثل في الثلاثي " درنة طبرق بنغازي" و دعم قوات اللواء حفتر في حصر المناطق الإرهابية بهذه المدن في جيوب ضيقة تمهيداً لتطهيرها. كما استعد التونسي بإقامة ساتر ترابي بطول الحدود مع ليبيا يجري تنفيذه الآن، من شأنه تعطيل و رصد تدفق المجموعات المسلحة القادمة من ليبيا كما نقلت القيادة العسكرية في الجزائر وحدة عسكرية مدرعة إلى المنطقة الحدودية القريبة من ليبيا، وقررت نشر تجهيزات متطورة لمراقبة الحدود، بعد الزيارة التي قام بها قائد أركان الجيش، الفريق قايد صالح العام الماضي إلى منطقة الدبداب القريبة من الحدود بين البلدين للاطلاع على الأوضاع واستطلاع جاهزية قوات الجيش لتأمين الحدود على ضوء التطورات المتسارعة في ليبيا. وتتخوف الجزائر أن تدفع الانتصارات على المجموعات المسلحة الموالية ل"داعش" إلى النزوح باتجاه الحدود مع الجزائر، وتم تكليف قائد عسكري رفيع بمتابعة أمن الحدود من جهة ليبيا، ورفع تقارير مستمرة والاطلاع على جاهزية القوات العسكرية، منعا لأي مفاجآت، خاصة بسب قرب الحدود الليبية من المنشآت الغازية في منطقة عين اميناس بولاية اليزي، والتي كانت هدفا لهجوم إرهابي في 2013، نفذته مجموعة إرهابية مسلحة تسللت عبر الحدود الليبية. كما استقدم الجيش الجزائري نحو 50 الف عسكري لتأمين الحدود مع ليبيا حيث كشفت تقارير استخباراتية جزائرية أن أقل من 1000 كلم فقط تفصل عناصر مسلحين تابعين للتنظيم الإرهابي "داعش"، عن الحدود الجنوبية الشرقية للجزائر وهو ما دفع قيادة الجيش لاستنفار القوات البرية والجوية على الحدود مع ليبيا، وتكثيف عمليات الاستطلاع البري والجوي. يخبرنا الميدان الليبي أن الحرب بالوكالة قد حولت ليبيا إلي منصة تهديد دولي و إقليمي، تفتح سيناريوهات الحرب المفتوحة علي مصرعيها و تمد من أجل الصراع الدائر.. صراع لن يربح فيه صاحب النفس الأطول، بل صاحب الإستعداد الأشمل لجميع السيناريوهات.