تقول العبارة النبوئية الشهيرة للفيلسوف والمفكر الفرنسي أندريه مالرو "سيكون القرن الواحد والعشرون دينيًا أو أنه لن يكون"، ولكن وفقًا لقول أدريه فروسار فمالرو لم يقل ذلك بصريح العبارة، وإنما قال "القرن الواحد والعشرون سيكون صوفيًا أو أنه لن يكون"، إلا أن المفكر الفرنسي إريك يونس جوفروا، مؤلف كتاب "المسقبل للإسلام الروحاني"، الصادر في ترجمة عربية عن المركز القومي للترجمة بالتعاون مع دار نبض، فيفضل أن يستخدم كلمة روحاني، بدلا من ديني أو صوفي، فيقول "القرن الواحد والعشرون سيكون روحانيًا أو أنه لن يكون". ويشير إريك يونس إلى أن المقصود بالروحانيات، فى هذا المقام، روحانية الروح التي تحرر، والتي تدهش باستمرار، والتي تخلع المعنى حتى على العبث ذاته، أما بالنسبة للمسلم فإن هذه الروحانية تتيح له أن يفهم الآيات التي يبثها الله في العالم كي يقرؤها الإنسان ويتمعن فيه. ويطرح كتاب المستقبل الروحاني للإسلام سؤالًا: ما موقع الإسلام على الخريطة العامة للفكر؟ فيجيب أن الإسلام انغلق على ذاته وتقلص وجوده وتجربته التاريخية إلى مجرد رد فعل دفاعي خائف ضد الخارج، وأنه لا شك أن التجليات الدينية لهذا التكلس والتحجر الفكري الإسلامي، هي قبل كل شيء نتاج ظروف أو متغيرات ثقافية واجتماعية سلبية، وقد أدت هذه المتغيرات إلى توليد نوع من العكس للقيم الإسلامية الأولية. ويؤكد الكتاب أن انعكاس القيم في الإسلام تجلت في أنه بعد أن كان الفقه مثلا عِلمًا ديناميكيا وإبداعيا بامتياز توقف وتكلس وتحول إلى قوالب شكلانية فارغة، والمرأة التي كانت محترمة في عهد النبي، أصبحت محتقرة، مشبوهة، والحب الذي كان مسموحا به في صدر الإسلام أصبح ممنوعا، والقرآن الكريم الذي يقدم تصورا عن الإنسان باعتباره حرًا مسؤولًا ويرفعه إلى أعلى مقام، حل محله تصور تشاؤمي يقول بالتواكل والاستسلام للمكتوب والمقدور، وبعد أن كان الإسلام دين الحرية أصبح دين العبودية، وبعد أن كان دين التسامح والاعتراف بكل الأديان التي سبقته أصبح دين التطرف وتكفير كل الأديان!. ويقول المؤلف أنه هكذا غرقت مجتمعاتنا في التخلف والتقهقر والجهل بسبب هذه العقلية التواكلية الاستسلامية المضادة لروح القرآن وجوهر الإسلام الأولي الذي صنع المعجزات، مشيرًا إلى أنه من بين العوامل الداخلية التي ساهمت في تكلس الفكر الإسلامي وتحجره هي انقباض العقل الفقهي وتشنجه بعد أن كان طليعيا جريئا جدا في بداياته الأولى، هي غرقه في نوع من الفتاوى المعيارية القسرية التي غطت كل الساحة الإسلامية وشلت الحياة والطاقات الإبداعية شللا. في النهاية يرى إريك يونس جوفروا، أن الحل يكمن في الخروج من القراءة الحرفية الجامدة للقرآن الكريم والفقه وكل التراث الإسلامي، والخروج من القائمة الطويلة من الأوامر والنواهي، أو المحظورات والممنوعات، التي تشلنا أو تخنقنا، لأننا نتوهم أنها جوهر الدين في حين أنها قشوره السطحية فقط، إذ أن جوهر الدين روحاني وأخلاقي وإنساني بالدرجة الأولى.