لم أكن أعلم من هو علي عبد العال قبل مطلع هذا العام, فالرجل لم يكن ذا حضور إعلامي أو صاحب إسهام يعتد به ليكون معروفا أو ليحظى باهتمام أحد, والإسهام هنا يشمل الجيد والرديء.. غير أنه وفي مطلع هذا العام, وفي فورة الجدل حول من سيتم تعيينه رئيسا لمجلس النواب حين كانت تميل أكثر التوقعات إلي كفة رجل مبارك وأحد سدنة تركته القانونية المستشار سري صيام، وقبيل اجتماع المجلس بأيام بدأ أحد الأشخاص والذي أحسبه من المخبرين النافذين والعالمين ببواطن الأمور بطرح اسم علي عبد العال كرئيس للمجلس الموقر علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك, كان المنشور مقتضبا, ولم يكن مصاغا في شكل التكهن أو الرجاء, إنما في صورة الجزم بحقيقة ما سيكون.. من المهم أن تتابع المخبرين هذه الأيام, فهي دولة العسس والنميمة وسفاسف العقول والأمور, لكن حذار من الاقتراب كثيرا أو من محاولة النقاش, فالمخبرون لا يتناقشون, هم فقط يبلّغون! فقط تابعهم في هدوء إن استطعت لتعرف إحداثيات نورماندي 2 في بحر الظلمات الحالك هذا!. علي أي حال انتهى الأمر كما أكد المخبر, وتولّي علي عبد العال «المعين» رئاسة المجلس, وبدا أن سري صيام الذي لم يكن فقط يتوقع تعيينه في المنصب, بل كان علي يقين من الأمر غير متقبل للأمر أو مصدقا له في البدء, فحاول بشتى الطرق مبارزة الرئيس الجديد في الحصافة أو في درايته باللوائح والقوانين, غير أنه لم يُمنح الفرصة, فلم يحتمل وانسحب سريعا! تذكرت عزيزنا المخبر هذا حين امتلأت الصحف والمواقع الخبرية ومواقع التواصل الاجتماعي بصور لقاء توفيق عكاشة مع السفير الإسرائيلي, واندهشت وقتها من رد فعل عزيزنا المخبر وقتها, فالأمر لديه لم يكن يستدعي كل تلك الضجة, بل وبدا مدافعا عن موقف عكاشة باعتبار أن لقاءه مع السفير كان طبيعيا كونه نائبا عن الأمة, وكون مصر وإسرائيل تجمعهما علاقات دبلوماسية طبيعية, وزاد الأمر غرابة عندما تابعت ردود أفعال نواب وصحفيين كل حيثياتهم أنهم مخبرون, والكل كان يرى الأمر كما يراه عزيزنا المخبر هذا, ومع تطور الأمر عاتب عزيزنا المخبر هذا عكاشة علي عدم حصافته وعلى إصراره أن يصطدم بالناس, وأن يقوم بالأمر ببروباجندا مضرة في رأيه, وهو الأمر ذاته الذي رآه زملاء عكاشة في مجلس الأنس الموقر حين حرموه من الجلسات مدة عام!. وفي فجر تلك الليلة تغير موقف المخبر فجأة, فارتدي ثوب البطولة وانتعل حذاء الشرف كثير الشبه بالحذاء الذي ينتعله شيخ مشايخ الطرق البرلمانية كمال أحمد أبو العلمين حمودة, وكتب في لغة العارفين أن عكاشة قد تجاوز حدوده وأنه سيطرد من السرايا.. وفي اليوم التالي، ومع أول كبسة زر علي هاتفي الجوال ظهرت لي صورة أحد شباب المخبرين المجتهدين الذي وصلوا إلي قبة البرلمان عبر الوشاية بزملائه وعبر شق صفوف أحد أهم الحركات المشاركة بالثورة حاملا لافتة مكتوب عليها "لا للتطبيع".. عندها أدركت أن عكاشة قد وطأ منطقة محرمة! ثم جاء تصريح علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، ليضع الأمور في نصابها حين قال حرفا – وهو هنا لا يتحدث عن رأيه كما نعلم- "إن التصويت على إسقاط عضوية عكاشة بسبب خوضه في أمور تتعلق بالأمن القومي المصري وليس لمقابلته السفير الإسرائيلي"!، فما الذي فعله عكاشة ليجهزوا عليه فجأة! وما الذي أعاد من العدم قصة خاله الجاسوس, فالكل يعلم قصة خاله بما في ذلك بالطبع من عيّنه في البرلمان وجعله عضوا بارزا فيه, بل والمخابرات كانت تعرف عن عكاشة أكثر من هذا, فقد سمحت لقناته بزيارة إسرائيل والتصوير فيها وعرض هذا كله علي قناته مدفوعة التكاليف من المخابرات ذاتها, والمخابرات تعلم أن هذا اللقاء بالسفير الإسرائيلي لم يكن الأول الذي جمعه بعكاشة, ورغم هذا فقد اختارته المخابرات عضوا بالبرلمان, واختارت الشؤون المعنوية قناته كقناة وحيدة تُبث داخل ثكنات الجيش! التطبيع إذا ليس سببا لغضب السادة علي خادمهم, فهم أيضا مطبّعون, بل إن أعلى قياداتهم لم يلق إسرائيليا في حرب إنما لقيهم بصحبة قائده الأعلى مبارك قائد مسيرة الوطنية والسلام والاستقرار أو برفقة حسين سالم ضابط المخابرات السابق في شرم الشيخ, أو في جلسات اتفاقات بزنس كالغاز, أو في تنسيق أمني في حصار غزة, وفي الوقت الذي يُطرد الخادم لتطبيعه يلتقي الزعيم والقائد اللوبي الصهيوني في مقر حكمه, بل ولا يخفي في تصريحاته للصحف الغربية – وكأننا لازلنا في تسعينيات القرن الماضي وأن وسيلة معرفتنا هي جريدة الأهرام المسائي وآخر ساعة وعقيدتي- إعجابه بنتنياهو, أو يحاول إخفاء التنسيق الأمني مع إسرائيل! الأمر يعدو هذا كله في رأيي.. إنها السياسة التي تُحكم بها مصر منذ أربعين عاما, والتي تقتضي أن تكون العلاقات وطيدة وطيبة مع إسرائيل علي مستوى القيادة, وأن تظل المعاهدة غير شعبية والتطبيع بالتبعية.. أن تتعهد الدولة أمام الغرب برعاية مصالح إسرائيل, فيما تغذّي حالة الرفض الشعبي للتطبيع عبر أذرعها غير الرسمية, وبهذا تكسب التأييد الغربي والتعاون اليهودي من ناحية, وفي الضفة الأخري لا تخسر الخطاب الناصري الذي حافظ علي النظام حتي عندما فقد شرعيته بالهزيمة المذلة في 1967, ذلك الخطاب الذي يتم استدعاؤه كلما هبّت معارضة أو داعبت بنيان الدولة المتهالك رياح التغيير, عندها فقط تسمع عن إسرائيل العدو وعن المخططات الصهيوأمريكية وعن حروب الأجيال! ربما لهذا احتضت الدولة لأربعين عاما قوميين بلا قومية, وناصريين بلا ناصرية, وربما لهذا أيضا ظل حذاء شرف شيخ مشايخ الطرق البرلمانية مهما، وظل مصطفي بكري عنصرا متعاونا حاضرا في كل الأنظمة! إن عكاشة فعل ما كان يفعله قبل أن يختاروه نائبا, وفعل ما يفعله السادة سدنة الوطنية وآلهة الدولة أنفسهم لعقود, لكنه غامر بأن فعل ذلك في العلن, وهو الأمر الذي لو صمتت عنه الآلهة تخسر اللاهوت المقدس الذي تحكم به.. لهذا ذبحوا عكاشة في العلن, وأرسلوا الفدية لأصدقائه في الخفاء!.