هل تعلم أنه في الفترة ما بين 3 يوليه 2013 و 21 يناير 2014 كان هناك مائة وتسعة وسبعون معتقلا من الأطباء؟ وهل تعلم أن من بين الأطباء المعتقلين هؤلاء ثلاتة أعضاء منتخبين بمجالس نقابة الأطباء؟ هم: حمدي عبيد (نقيب أطباء البحيرة) ومحمود الحوت (أمين عام نقابة أطباء الشرقية) وأحمد المحمدي النيلي (عضو مجلس نقابة الغربية)، وهل تعلم أن من بين المعتقلين نائب رئيس جامعة (مصطفي هيكل – نائب رئيس جامعة بنها) وثلاثة من عمداء كليات الطب (عصام عبد المحسن – عميد طب الأزهر بنين، و أشرف التابعي عز الدين – عميد طب أزهر دمياط، و مدحت سليمان الحصري – مدير معهد الكبد بكفر الشيخ) ووكيلا لإحدي مديريات الصحة (حمدي السيد البرعي – وكيل مديرية السويس الصحية)؟ و هل تعلم أن عشرات من أساتذة كليات الطب هم رهن الإعتقال منذ ذلك الحين؟ وهل تعلم أن كل هؤلاء تم استدعائهم من منازلهم أو محال عملهم بحجة التحقيق معهم، و لم يروا الشمس بعدها؟! لقد تم التغاضي عما حلّ بهؤلاء وقتها بحجة أنهم "إخوان"، و كان هذا قرارا جمعيا من كل خصوم الإخوان، أدار الجميع وجوههم بعيدا عما يتم إرتكابه بحق هؤلاء وبحق غيرهم، فيما كانوا يعلمون أن كثيرين منهم ممن يُساقون لحتفهم قد يُقتلون بلا جريرة، وأن كثيرين منهم ممن يتم أسرهم قد يُحاكمون علي جرائم لم يقترفوها، و أن منهم من كان ضحية حظه العاثر، و منهم من كان ضحية سمته، ومنهم من كان ضحية الوشاية الكيدية الفجة .. لكن أحدا لم يجازف بالمسائلة أو حتي محاولة التيقن من براءة أو إدانة من يتم قنصهم أو أسرهم، و حتي من كانت براءتهم جلية للكافة تم اعتبارهم مجرد خسائر هامشية في معركة الخلاص من الخصوم ! ربما لا يعلم الكثيرون هؤلاء ولا غيرهم ممن تم تصفيتهم أو أسرهم في حقبة الصراع الأولي في أعقاب احتجاجات يونيه، لكن الكل يعلم يقينا أن نقابة الأطباء لم تدع لإضراب عام أو إلى جمعية عمومية أو قامت بحملة ما بهدف الإستعلام عن مصائرهم أو أوفدت أحدا من محاميها للإطمئنان علي سير التحقيقات معهم وفق الأطر القانونية أو الدستورية.. و هذا ليس مستغربا، فقد كانوا في نظر زملائهم في النقابة لا أكثر من خصوم منتمين لجماعة الإخوان، و لا ضير من التخلص منهم بغية هدف أسمي وهو (مصر بلا إخوان)، وهو الموقف ذاته الذي تبنته كل القوي الإصلاحية المسماة بالقوي المدنية لم ينتبه أحدٌ وقتها إلى تبعات شرعنة القتل خارج القانون، والتواطؤ علي الإختفاء القسري وغض الطرف عن قتل المواطنين والتنكيل بهم بالشبهة أو بالهوى أو حتي لمجرد صناعة خبر في صحيفة، حتي صار دهس الجميع بلا قوانين أو مراجعة أو منطق من قِبل من يحمل السلاح سواء كان لواءً أو كان أمين شرطة هو العرف و القانون، و صار من يرفض السحل والقنص والتنكيل هو الخارج عن هذا القانون والذي يجب التشهير به و يجب حصاره بل و الفتك به أيضا! إن حوادث إعتداء أمناء الشرطة علي الأطباء ليست أكبر ما تم إرتكابه بحق الأطباء مؤخرا، فالحوادث التي ألمّت بمجتمع الأطباء علي يد أجهزة الأمن حتي خلال الشهور الأخيرة كانت جسيمة و مفجعة، فعندما تعلم أنه في يناير الماضي مثلا قد قامت قوات الأمن بمحافظة الفيوم بقتل الطبيب محمد عوض، والتمثيل بجثمانه أمام المارة ستدرك جسامة ما يطول الأطباء – كما يطول غيرهم – من جرائم، وعندما تعلم أنهم بعد أن اطلقوا علي الفقيد الرصاص أمام عيادته الخاصة بمدينة الفيوم، وقام بعض أفراد الأمن بجر جثته الغارقة في الدماء من الشارع الجانبي إلى الشارع الرئيسي أمام المارة، ودون خجل أو حرمة لقوانين أو أعراف إنسانية، لتتكسر ضلوعه و عظام فخذه وهو في ذمّة الله، وعندما تعلم أن الفقيد لم يكن مطلوبا للتحقيق أو مطلوبا علي ذمة قضايا أو حتي منتميا لجماعة الإخوان، و عندما تعلم أن من بين معتقلي الأطباء خلال الشهر المنصرم هو الطبيب طاهر مختار عضو لجنة الحريات بالنقابة، والذي تم اقتحام منزله و إقتياده لمكان غير معلوم؛ لأنه تضامن مع الأطباء المعتقلين في وقفة صامتة علي سلم النقابة، و أن اثنين من زملائه تصادف أن كانوا برفقته إبّان إقتحام قوات الأمن لمنزله تم القبض عليهم أيضا، و عندما تعلم أنه كما يقبع طاهر مختار في سجون النظام يقبع رفيقه أحمد سعيد، وقبلهما ابراهيم اليماني و عمرو عاطف و غيرهم .. عندها تدرك أن إعتداء أمناء الشرطة علي أطباء المطرية ليس سر غضب الأطباء ! وبالرغم من جسامة حوادث القتل خارج إطار القانون وحالات الإختفاء القسري المتعددة بحق أطباء، لم يدعو مجلس نقابة الأطباء لعمومية عاجلة أو لوّح بإضراب عام، كما هو الحال في حادثة إعتداء أميني الشرطة علي أطباء المطرية، فما العلة لما يبدو تناقضا صارخا في المواقف، وما الذي حوّل حادثة لا تبدو بجسامة ولا بشاعة جرائم أخري تم ولا زال يتم إرتكابها بحق الأطباء لما يقارب الثلاثة أعوام إلى حديث الساعة، وما الذي حوّل الأمر إلى معركة بين الدولة وبين مجلس النقابة الذي طالما اعتمد سياسة الإحتواء وتجنب الصدام و غض الطرف قدر المستطاع عما ترتكبه الدولة بحق أعضاء نقابته ! في تقديري أن علة التصعيد ليست بسبب التعدي علي أطباء المطرية، و إنما بسبب إدراك ما آل إليه موقع الأطباء في دولة الطوائف .. لقد بدأ الأمر بلا نية للتصعيد من طرف النقابة، حيث أصدرت بشأن الحادث بيانا معتادا ككل بياناتها في شأن حوداث معتادة كهذي، غير أن دولة الطوائف لم تكن لتدع بيانا كهذا يمر كغيره من بيانات مماثلة، فقد رأت أجهزة الدولة أنه قد صار لزاما عليها أن تضع الأمور في نصابها، و أن تستنفر طاقة جنودها و أن تبعث برسالة قاسية وواضحة للكل حول تراتيبية النظام الجديدة، تلك التراتيبية التي تضع أصغر مخبري الدولة فوق بقية المجتمع، تلك التراتبية التي دفعت كل خصيان الدولة من مسئولين ونواب وإعلاميين ومخبرين بالقطعة أو حتي مخبرين بالتطوع للهجوم علي النقابة وعلي أمينها العام، التي أصبحت بين ليلة و ضحاها عدو النظام الأول.. عندها فقط أدرك مجلس نقابة الأطباء أي هوة سحيقة شارك في وضع المجتمع بأسره في قعرها، وعندها فقط أدرك الأطباء مدي وضاعة موقعهم في النظام الجديد، وعندها فقط فكّروا فيما في أيديهم من أدوات للمقاومة ! ربما أفاق الأطباء ومجلس نقابتهم متأخرا على بؤس ما وصلوا إليه عبر التواطؤ والصمت وغض الطرف عما يتم إرتكابه في حق زملائهم و في حق غيرهم، لكن ربما لا يزال هناك متسعا من الوقت لفعل شئ حيال هذا، شريطة أن يكونوا قد وعوا الدرس، وأن يشرعوا في طرح الأسئلة الصحيحة، فهل يستطيع الأطباء قول شئ جاد في عموميتهم غدا، وهل سيفعلون شيئا من أجل حقوق زملائهم الذبن قضوا غدرا علي يد الدولة، وهل بمقدورهم تبديل مصائر أسرهم الذين يُحاكمون علي جرائم لم يرتكبوها، وهل يكون بمقدورهم تحمل تبعات المواجهة وانتزاع بعضا من حقوقهم كما انتزعوا بعضها عندما قاوموا سابقا، وهل يمنحون الأمل لغيرهم كما منحوه قبل ذلك كثيرا عندما كانوا في صفوف المقاومة يضمّدون ويسعفون ويرفعون راية الصمود ! الأهم أن يدركوا أنهم ليسوا وحدهم من سيجيبون علي تلك الأسئلة، لكن بإمكانهم المبادرة!