تصاعدت وتيرة الخلاف بين السعودية وإيران، على خلفية إعدام الشيخ "نمر باقر النمر"، فقد بدأت التصريحات المعادية تشتعل بين الطرفين، وتفاقمت هذه المرحلة لتصل إلى قطع العلاقات، ولم تكتفِ المملكة بذلك بل سعت إلى تدويل القضية في محاولة لعزل إيران، وبالفعل نجحت الرياض في التأثير على عدد من الدول الخليجية، بالإضافة إلى السودان وجيبوتي وجزر القمر، مما أثار القلق الدولي من تداعيات التصعيد المستمر بين القطبين المتنافرين المؤثرين في العديد من القضايا وأهمها سوريا واليمن، وهو ما دفع بعض الدول إلى البحث عن حلول والتدخل في محاولة لرأب الصدع وتهدئة الطرفين. باكستان تأخذ زمام المبادرة كل دعوات الوساطة ونداءات التعقل لم تتخطى مرحلة الحديث والتصريحات فقط، لكن باكستان اختارت أن تخترق هذه الأحاديث وتحولها إلى خطوات فعلية، فقد تكون فعالة في حل الأزمة بين الطرفين وإنهاء الخلافات، فأعلنت صحيفة «دون» الباكستانية منذ أيام، أن إسلام آباد قررت بدء جهود وساطة لإنهاء الأزمة بين إيران والسعودية، وسط تنامي مخاوف دولية من أي مواجهة طويلة الأمد بين البلدين قد تؤدي إلى عواقب خطيرة على المنطقة، وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء نواز شريف، وقائد الجيش الجنرال رحيل شريف، سيسافران إلى الرياضوطهران معًا في محاولة لإقناع البلدين بعدم التصعيد وحل خلافاتهما دبلوماسيًا. الحديث عن الوساطة الباكستانية تحول بعد أيام قليلة إلى خطوات فعلية، فوصل رئيس الوزراء الباكستاني إلى المملكة العربية السعودية الإثنين الماضي على رأس وفد يضم قائد الجيش الفريق أول ركن راحيل شريف، ووزير الدولة للشؤون الخارجية طارق فاطمي، واستقبل شريف العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. وخلال الاجتماع بحثا الطرفين التعاون الثنائي وتطورات الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية، وقالت وزارة الخارجية الباكستانية، إن الطرفان أكدا على تعزيز العلاقات الثنائية في جميع المجالات بما في ذلك الدفاع والأمن والتعاون الاقتصادي والتجاري، وتابعت الوزارة أنه تم تبادل وجهات النظر في مختلف جوانب التعاون المستمر والمتعلق بالمبادرة السعودية لتشكيل تحالف الدول الإسلامية ضد الإرهاب، وأعربت باكستان عن تقديرها العميق للمبادرة السعودية. وأعرب رئيس الوزراء الباكستاني خلال اللقاء عن قلق بلاده العميق من التصعيد الأخير للتوتر بين المملكة وإيران، كما دعا إلى حل الخلافات بالوسائل السلمية لما في ذلك من مصلحة للأمة وخاصة في هذه الأوقات الصعبة، مشيرًا إلى أن سياسة باكستان ثابتة لتعزيز الأخوة بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، قائلًا: باكستان أعربت دومًا عن استعدادها لبذل مساعيها الحميدة للدول الإسلامية الشقيقة، من أجل تسوية خلافاتهم عبر الحوار والمصالحة. بعد انتهاء زيارة شريف إلى السعودية، حطت الطائرة الباكستانية في إيران أمس الثلاثاء، في أول زيارة باكستانيةلإيران بعد رفع العقوبات عنها، فالتقي رئيس الوزراء الباكستاني، الرئيس الإيراني حسن روحاني، وبحثا خلال محادثاتهما تطوير التعاون الثنائي بين البلدين. هل تنجح الجهود الباكستانية؟ يبدو أن السعودية غير مستعدة للتجاوب مع جهود الوساطة الباكستانية؛ لأن باكستان تتخذ موقف حيادي لا يروق للمملكة ولا يرضي غرورها، وهو ما ظهر في العديد من الأزمات، أقربها إدانة باكستان للتصعيدات السعودية بالتوازي مع إدانتها لحرق إيرانيين غاضبين السفارة السعودية في مشهد بإيران، ورفض باكستان الانضمام إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية في عدوانها على اليمن، ورفضها أيضًا الانضمام إلى التحالف الإسلامي الذي أعلنت عنه الرياض منذ عدة أسابيع. السعودية لم تفقد الأمل ولم تستوعب منطق التوازن بين المصالح والوقوف على الحياد الذي تنتهجه إسلام آباد، وحاولت مجددًا التأثير على باكستان لتغيير هذا الموقف الحيادي، فسعت المملكة إلى إظهار تابعية باكستان لها في القرارات السياسية، وحاولت بذل كل جهودها للوصول إلى هذا الهدف من خلال تبادل الزيارات بعد اشتعال الأزمة السعودية الإيرانية، لكنها لم تستطع الوصول إلى هدفها المنشود، وهو ما يدفع إلى القول بأن المملكة لن ترضى بالوساطة الباكستانية طالما لم تعلن الأخيرة انضوائها تحت عباءة المملكة وانصياعها لأوامرها وتبنيها للمواقف السعودية. دول على خط الوساطة منذ بداية الأزمة السعودية الإيرانية، انطلقت جهود وأصوات متعقلة لتنادي بتهدئة الأوضاع بين الطرفين وتجنب تصعيد الموقف أكثر من ذلك، لكن السعودية لم تمتثل لهذه النداءات، فيما كانت إيران أكثر هدوءًا ودبلوماسية. روسيا كانت روسيا في مقدمة هذه الدول التي أعربت عن استعدادها للوساطة بين الطرفين المتنازعين، فعقب إعلان المملكة قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، عبرت روسيا عن قلقها إزاء تفاقم الأزمة في الشرق الأوسط بمشاركة أكبر الدولتين الإقليميتين هما المملكة العربية السعودية وإيران، اللتان ترتبط روسيا معهما بعلاقات ودية تقليدية، وأعربت الخارجية عن قناعة موسكو بأن المشكلات والخلافات بين الدول يجب أن تُحل بطريقة الحوار وراء طاولة المفاوضات. تركيا الأصوات الروسية لم تجد أذان صاغية لها، لتلحقها جهود الدول الإسلامية التي تمثلت أولًا في تركيا، فعرضت أنقرة التدخل لتهدئة التوتر بين السعودية وإيران، وحث رئيس الوزراء التركى أحمد داوود أوغلو كلا البلدين على اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية لحل الخلاف بينهما، وقال: القنوات الدبلوماسية يجب أن تعطى فرصة فورًا، ونحن مستعدون لتقديم أى مساعدة بناءة للوصول إلى حل، لكن الوساطة التركية لاقت نفس مصير سابقتها الروسية، لتأتي بعد ذلك الجهود العربية متمثلة في العراق، حيث عرض وزير الخارجية العراقى إبراهيم الجعفرى وساطة بغداد لحل الأزمة التى اشتعلت بين السعودية وإيران خلال زيارته إلى الأخيرة في 6 يناير الجاري، لكنها لم تختلف كثيرًا عن الروسية والتركية. سلطنة عُمان سلطنة عمان اعتبرها البعض الأقرب إلى لعب دور الوساطة بين الطرفين؛ لأنها تمتلك باعا طويلا فى الوساطة بين العديد من الدول وخاصة طهرانوأمريكا، بداية من توسط السلطان قابوس بن سعيد، بين أمريكاوإيران في 2012 مما أدى إلى أول محادثات رسمية بين طهران وواشنطن منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وصولًا إلى قضية الأمريكيين الذين كانوا محتجزين فى طهران عام 2013، كما أن سلطنة عُمان تتمتع بعلاقات قوية مع إيران ظهرت جليًا في خروجها عن السرب الخليجي الذي اتجه إلى قطع العلاقات مع طهران، فيما اكتفت السلطنة بدعوة الطرفين لتحكيم العقل، ومن جانب آخر فإن عُمان إحدى دول مجلس التعاون الخليجى، وهو ما يؤكد قربها من المملكة العربية السعودية، لكن هذه التكهنات بلعب عُمان دور الوساطة لم تصبح حقيقة حتى الآن أو على الأقل لم يتم الإعلان عنها. فرنساوالصين دخلت فرنسا على خط الأزمة بين السعودية وإيران، حيث يعتزم وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، زيارة الرياض للاجتماع مع العاهل السعودي ومسؤولين آخرين خلال الأيام المقبلة، وقال فابيوس، الإثنين الماضي، إن فرنسا تريد تهدئة التوتر بين السعودية وإيران. ويستعد الرئيس الصيني شي جين لزيارة غير عادية هذا الأسبوع للسعودية التي لم يزورها رئيس صيني منذ عام 2009، كما ينوي التوجه إلى إيران التي لم يزورها منذ عام 2002، لكن الزيارة الصينية استبقها نائب وزير الخارجية الصيني تشانغ مينغ، بالقول إن الصين لا تتحيز لأحد.