(1) يستحق الصديق والزميل العزيز الشاعر عمر حاذق، احتجازه في مطار القاهرة، ومنعه من السفر أثناء توجهه إلى مهرجان "كُتاب بلا حدود" بهولندا، ليستلم جائزة حُرية التعبير. نعم يستحق المنع والاحتجاز.. لم يتعلم بعد آداب وسلوك الشُعراء ونمط الكتابة الواجب إتباعها في عهد حضرة صحافة "الأخ الكبير". برغم أنه قضى ما يقرب من عامين في المعتقل؛ لمشاركته في وقفة إعادة مُحاكمة قتلة الشهيد خالد سعيد، لكنه لم يع الدرس بعد، مثلما لم يع غيره من النُشطاء والحقوقيون القابعون خلف الزنازين، أن يكونوا طيعين حسب مقتضيات المرحلة. نافق ونافق ثم نافق ثم نافق، دبج قصائد النفاق في حضرة الحاكم، إمدح تارة، وتزلف تارة أخري حتى تتقلد أعلى وأرفع المناصب، تعّلم أن تجعل مشيئة الحاكم فوق مشيئة الأقدار، وادخل حظيرة النفاق مثلما يفعل كُتاب وشُعراء هذا النظام. دعك يا عزيزي من الكتابة عن أوضاع السجون ومآسي المعتقلين في مصر، لا تُشغل بالك بالحديث عن القمع والبطش وتكميم الأفواه، لا تنصر المظلوم وتعارض الظالم، لا تتحدث عمن يسرقون قوت الفقراء ويتحولون بقدرة قادر إلى أرفع المناصب، أو ضيوفًا دائمين في معظم البرامج، ولا تُعري الأفاقين الذين يلوكون الرياء والنفاق في أفواههم كل يوم بأحاديث عن أزهى عصور الحرية والديموقراطية. كُن كما صور الشاعر عبد الرحمن العشماوي في قصيدته "جنة النفاق" ما يجب أن يكون عليه الشُعراء. ما دمتَ في جنَّة النفاق فاعدل بساقِ ومل بساق.. ولا تقارب ولا تباعد ودر مع الثور في السواقي وضاحك الشمس في الدياجى وداعب البدر في المحاق.. ولا تحقِّق ولا تدقِّق وانسب شآمًا إلي عراق وقُل كلامًا واعمل سواه واحلف على الإفك بالطلاق.. ولا تصادق ولا تخاصم واستقبل الكلَّ بالعناق فكلُّ شيء ككلِّ شيء ما دمتَ في جنة النفاق. (2) أن تكون من المسؤولين الأوائل عن ملف الأوضاع الصحية للمعتقلين، وتكشف عن التدهور الخطير الذى لحق بالأوضاع الصحية لهم، وأن تفضح تعنت إدارة السجون في تطبيق القانون، وتنقل معاناة ونداءات عائلاتهم وشكاويهم من إكتظاظ السجون بالمعتقلين وغياب التهوية والنظافة والرعاية الصحية.. فمن الطبيعى جدًا أن يتم إعتقالك مثلما حدث مع الدكتور طاهر مختار عضو لجنة الحريات بنقابة الأطباء؛ بسبب نشاطاته السابقة وإنتمائه لثورة 25 يناير المجيدة. تم إقتحام شقته "بدون إذن نيابة" والتحفظ على جهاز الكمبيوتر وبعض الأوراق الخاصة به، ليس هذا فحسب بل تم إعتقال إثين من زملائه هما أحمد حسن وحسام الدين، حتى حارس العقار لم يسلم من القبض عليه أيضًا من قِبل قوات الشرطة (3) لكل من يتسائل، لماذا ينتاب نظام عبد الفتاح السيسى، ويسيطر عليه كل هذا الكم الهائل من الهلع والرعب غير المبررين، خاصة في ظل عدم وجود دعوات جدية ومنظمة للنزول في تظاهرات لإحياء ذكرى ثورة 25 يناير. لماذا ازدادت في الآونة الأخيرة ومع إقتراب ذكري يناير حملات الإعتقالات للنشطاء السياسيين، وتلفيق قضايا هزلية لهم؟ لماذا يتم منع أصحاب الرأى الحُر من السفر خارج البلاد؟ لماذا أصبحت الإختفاءات القسرية آلية جديدة ينتهجها هذا النظام ضد مُعارضيه؟ لأن ذكرى يناير تُجسد الكابوس الحقيقي لأى مستبد.. سقوط الطاغية مبارك وهو مُتمترس خلف الآلة القمعية العتيدة، وبأمن دولة متمرس في التعذيب وكل أشكال وأنواع الإجرام، هذه الأشياء تطبع في أذهان كل الطغاة، أنه ليس في قاموس هذا الشعب كلمة مستحيل ، ولا يوجد شيء عائقًا لإرادته عندما يقرر أن يثور. يُشير التاريخ أن الأنظمة الديكتاتورية التى لا تعرف لغة سوى لغة القمع والبطش، لن تستمر إلى الأبد كما يتوهم ويروج البعض؛ لأنها تخلق كل يوم عدوًا جديدًا لها، تظل تضطهد مُعارضيها وتزج بهم في غياهب السجون، وهى تعتقد أنها تحمي نفسها بهذه الوسيلة. يظل جهازها القمعي يستأسد حتى على عوام الناس ويُنكل بهم، حتى تُشكل كتلة ضخمة من الحانقين والغاضبين على حكم هذه الأنظمة الديكتاتورية. فإما جنة النفاق ونعيمها الزائف، وإما نار الحرية ولهيبها الدائم.. إما أن تحصد المقاعد في برلمان هزلي، يُصفق ويبارك قرارات تُملى عليه، وإما تحصد مقعدك داخل السجون، ليكون فيها المأوى والمُستقر؛ لأنك يومًا تجرأت وتحدثت عن بطش هذا النظام الزائل.