البليهي يرحب بالرحيل عن الهلال    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ويوجه بسرعة إعلان نتائج الامتحانات    جامعة القاهرة تحتفل بتخريج دفعة جديدة من كلية حقوق السوربون ( صور)    وفد البنك الدولى والبنك الآسيوى تفقد المشروعات الجارى تنفيذها بتلا فى المنوفية    سعر الدولار اليوم الأربعاء 28-5-2025 أمام الجنيه المصرى فى منتصف التعاملات    الإحصاء: ارتفاع العمر المتوقع عند الميلاد للإناث في مصر إلى 74.4 سنة عام 2025    افتتاح مسجد جديد بالمنطقة السكنية 26 واسترداد وحدات متعدى عليها بمدينة السادات    صندوق النقد يحث مصر بتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم    إعادة فتح باب تلقي طلبات توفيق الأوضاع بمنطقة الحزام الأخضر ب 6 أكتوبر    نائب وزير الإسكان يتابع مشروع إنشاء محطة مياه منشأة القناطر    لافروف يلمح بإجراء جولة جديدة من المحادثات الروسية الأوكرانية "قريبا"    تصعيد إسرائيلي يهدد مسار التفاوض في الملف النووي الإيراني    زيلينسكي يقترح عقد اجتماع ثلاثي مع ترامب وبوتين    رئيس وزراء إسبانيا: سنواصل رفع صوتنا بقوة لإنهاء المجزرة في غزة    الحوثيون: إسرائيل شنت 4 غارات على مطار صنعاء    18 شهيدا جراء غارات الاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم    وزير التعليم: إطلاق مبادرة لفحص نظر 7 ملايين طالب    انطلاق دورى مراكز الشباب النسخة الحادية عشر بجنوب سيناء    مصدر ليلا كورة: تريزيجيه وحمدي فتحي وديانج يحصلون على تأشيرة أميركا للمشاركة بمونديال الأندية    شبكة أمريكية: الأهلي والهلال أبرز الأندية الراغبة في ضم رونالدو    قبل مواجهات حسم الدوري.. كواليس تحركات فريق بيراميدز فى المحكمة الرياضية الدولية    هدف الهلال.. عرض مرتقب من إنتر لاستمرار إنزاجي    على فرج المصنف الثانى عالمياً يعلن اعتزال الاسكواش    صحة المنوفية: خروج بعض حالات المصابين فى انقلاب سيارة ميكروباص على طريق الخطاطبة    حفيد نوال الدجوي يكشف تفاصيل صادمة قبل وفاة شقيقه، وزوجته: الشيلة تقيلة    محافظ المنوفية: تحرير 314 محضر مخالفات مخابز وأسواق وضبط 4 أطنان مواد غذائية    "أدهم ضحية بلا ذنب".. مقتل بائع متجول تصادف مروره قرب مشاجرة بسوهاج    رئيس بعثة الحج المصرية: استعدادات مكثفة لمخيمات منى وعرفات وخدمات مميزة في انتظار ضيوف الرحمن (صور)    وزير الثقافة يجتمع بقيادات الوزارة لاستعراض خطة العمل والمبادرات المنتظر إطلاقها بالتزامن مع احتفالات 30يونيو    47 فيلما مشاركا في المسابقة الرسمية لمهرجان منصات    15 شهيدا وسط تصاعد استهداف الاحتلال لمراكز توزيع المساعدات فى غزة    هل نجح فيلم نجوم الساحل في تحقيق إيرادات قوية.. شباك التذاكر يجيب؟    الشركة المتحدة تفوز بجائزة أفضل شركة إنتاج بحفل جوائز قمة الإبداع.. لام شمسية يحصد نصيب الأسد من الجوائز ويفوز بأفضل مخرج وممثلة ومسلسل اجتماعي ومونتاج وعلي البيلي أفضل ممثل طفل ويغيب بسبب وفاة جده    ما بين القاهرة وهلسنكى: الفنانات المصريات وهموم الإنسانية    دليلك الذهبي في أعظم 10 أيام: كيف تغتنم كنوز العشر الأوائل من ذي الحجة؟    60 نصيحة من دار الإفتاء لاغتنام أكبر ثواب فى العشر الأوائل من ذى الحجة    أول أيام ذي الحجة 2025.. كيف نستعد؟    مسئولى الرعاية يتابعون العمل وخدمات المرضى بمركز الشهيد محمود ناصر الطبى.. صور    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    طريقة عمل قرع العسل، تحلية لذيذة بخطوات بسيطة    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    الأنباء السورية: حملة أمنية بمدينة جاسم بريف درعا لجمع السلاح العشوائى    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    مصر وتشاد تبحثان مستجدات إقامة مشروع متكامل لمنتجات اللحوم والألبان    صحة أسيوط تساهم بالحملة القومية للقضاء على «التراكوما»    رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2025 برقم الجلوس فور ظهورها في بورسعيد    أسعار الذهب اليوم بعد الهبوط الكبير وعيار 21 يصل أدنى مستوياته خلال أسبوع    محامي نوال الدجوي يروي تفاصيل محاولة الحجر على موكلته وطلب حفيدها الراحل الصلح    عبد الله الشحات: بيراميدز كان يستحق الدعم من رابطة الأندية وتأجيل لقاء سيراميكا.. وهذا سبب تقديمي شكوى ضد الإسماعيلي    العيد الكبير 2025 .. «الإفتاء» توضح ما يستحب للمضحّي بعد النحر    مصطفى الفقي: كنت أشعر بعبء كبير مع خطابات عيد العمال    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    البلشي يدعو النواب الصحفيين لجلسة نقاشية في إطار حملة تعديل المادة (12) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    حزب الجبهة الوطنية بجنوب سيناء يبحث خطة العمل بأمانة التعليم (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يحكمنا التافهون (2)
نشر في البديل يوم 14 - 01 - 2016

معادلة السيطرة علي الحكم بحسب أبجديات دولة يوليو تعني السيطرة علي أربعة أدوات : الجيش – التنظيم/التنظيمات السياسية – الإعلام – التسجيلات وتقارير الوشاية .. فكي يحكم من في منصب رئيس الجمهورية عليه تأمين ولاءات قيادات الجيش أو تحييدها في أقل تقدير عما قد يحدث من صراعات حول السلطة الفعلية، وعليه السيطرة علي الإعلام، و عليه إحكام السيطرة علي التنظيمات السياسية الفاعلة في البلاد، فإن تعذّر هذا فعليه تخريبها ليصنع علي عينه تنظيمات أخري تخضع لسلطته، والأهم من هذا وذاك في دولة العصابات أنه علي من يحكم أن يمسك بالتسجيلات والذلل التي يستطيع أن يأمن بها جانب زمرته وأن يُخضع بها خصومه أو أن يُشهّر بهم كي يتمكن من سحقهم إن لزم الأمر. هكذا أقام الرعيل الأول من الضباط دولتهم، و هكذا سار علي خطاهم من تبعهم من سلالتهم المقدسة.
كان صعود السادات، كما ورد في المقال الأول، جاء عبر ملابسات لا دخل له بها وبعون مباشر من علي صبري الذي كافأه السادات بتعيينه نائبا له إلي جانب حسين شافعي، وبعون غير مقصود من هيكل الذي أخرج للمجموعة الحاكمة زكريا محيي الدين من دفاتر النسيان ليتصدر واجهات الصحف و عدسات التلفاز في جنازة عبد الناصر، و هو الأمر الذي استدعي فتح تحقيق عاجل مع هيكل أمام اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي بشأن الواقعة وقتها، لكن الأمور تمت كما أرادت العصابة المسيطرة ,أو عصابة علي صبري كما سمّاها السادات، فقد أتوا برئيس من نواب عبد الناصر ومن الرعيل الأول بمجلس قيادة الثورة، و كان رئيس ضرورة بحق وبمواصفات مناسبة لضرورة من اختاروه.
لم يكن السادات يملك من أدوات السيطرة شئ، فقيادة الجيش والتنظيم السياسي الوحيد بالبلاد والإعلام تحت سيطرة العصابة الحاكمة، و التسجيلات وتقارير الوشاية مقسمة بين رجلين، الأول كان شعراوي جمعة الذي يملك مكتبة تسجيلات المباحث العامة، و الآخر كان سامي شرف عبر رجاله الذين يحتفظون بالحقوق الحصرية لسماع والاحتفاظ واستخدام تسجيلات المخابرات العامة. لكن عصابات تآمرية تافهة كتلك قد تغنيك عن فعل الكثير لتجردهم من عروشهم، فعادة ما يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم .
بدأ السادات حكمه حسب السيناريو الذي رسمه من أتوا به، ففي أول احتماع للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الإشتراكي في أوائل نوفمبر 1970 أعلنها صريحة أنه لن يحكم بمفرده، وأنه لن يقوم بأي أمر دون مشاورة ومباركة الجماعة الحاكمة، ولا نية لديه في صراع مع المجموعة على ما يبسطه كلٌ منهم من نفوذ في مملكته الخاصة.. كان هذا مبعثا لارتياح الجميع في اللجنة، وتأكيدا علي حسن إختيارها، فما كان يشغل ذهن هؤلاء سوي نفوذهم، و قد يبدو هذا أمرا مستغربا من عصبة تحكم بلدا مأزوما خارجا لتوه من أثقل هزائمه، لكنها سنة حكم العصابات التافهة علي مر التاريخ فيما يبدو!
وكما هي سُنة تلك البقعة التعيسة أن يتحكم في مصائرها التافهون، كذلك هي سُنة خلافاتهم . فلم يطل الأمر حتي نشب الخلاف بين الرئيس التافه والعصبة التافهة في 4 فبراير 1970 حين طرح السادات أمام مجلس الأمة مبادرته لفتح الممر الملاحي لقناة السويس للملاحة الدولية في مقابل انسحاب إسرائيل من المضايق. وتلك كانت من أعاجيب الزمن , فقد ثارت ثائرة العصبة الحاكمة علي السادات لأنه لم يستشرهم في الأمر، فقد كان تخوفهم محصورا في أن يكون السادات قد توّهم ذاته رئيسا فعليا، وقد شغلهم هذا الهاجس حتي أنه منعهم من أن يروا في تلك مناسبة لسحق السادات أكثر. فمبادرة كتلك لم تكن لها أي فرص للنجاح، حتي إن اسرائيل تجاهلتها تماما، فلم علي اسرائيل أن تنسحب من المضايق وهي منتصرة و مسيطرة؟! ولم عليها أن تمنح بلدا يخطط لحربها مصدرا إضافيا للدخل؟!
كان بوسع العصابة الحاكمة أن تتعامل مع تلك المبادرة بأشكال انتهازية شتي لتدجين السادات وإضعافه أكثر، غير أن ضيق الأفق والصلف قَصَر رؤيتهم للأمر علي أنه محاولة من السادات لرفع رأسه، للخروج من شرنقته، ضايقتهم بشدة مقاومة السادات الهزيلة لحصارهم، فقرروا أن يؤدبوه بطريقتهم وذلك بتصيد المعارك التافهة للتشهير به أمام الشعب، ليخرج الصراع للعلن وهو ما لم يكن أبدا في صالحهم لو حاز أحدهم قدرا يسيرا من الحصافة و البصيرة، وكانت أولي محطاتهم في خطتهم البلهاء هي معركة مبادرة الاتحاد مع ليبيا وسوريا، التي طرحها السادات في 21 فبراير 1970 أمام اللجنة المركزية العليا والتي ربحت فيها العصابة التصويت ضد السادات، ليدعو السادات إلى اجتماع اللجنة المركزية للإتحاد الإشتراكي لنقاش الموضوع بعدها بأيام في 25 ابريل، و كانت تلك هدية منهم للسادات، ففي وقت كانت الدول العربية مهزومة شر هزيمة علي يد عدو طالما أكدوا علي ضآلته، و مع وقع طنين الخطاب العروبي الناصري وقتها، كان وقوف العصابة المسيطرة ضد اتحاد عربي بمثابة انتصار مجاني للرئيس الضعيف وجولة ربحها السادات الحبيس أخيرا، وخَصْما من رصيد حابسيه، و في تقديري كانت تلك النقطة التي أفسدت كمين حفل عيد العمال الشهير في أول مايو 1970 بحلوان بعد تلك الواقعة بأيام قليلة، و هو الكمين الذي صممته العصبة المسيطرة لإهانة السادات أمام الشاشات وتصويره للجماهير أنه الساعي لهدم إرث عبد الناصر والمنحرف عن نهجه .
لقد تلقي السادات العون تلو الآخر من معين تفاهة النخبة الحاكمة الفعلية، مما جعل إقالة علي صبري في اليوم التالي لكمين حفل عيد العمال ممكنا، بل و مقبولا شعبيا. لقد أقال السادات علي صبري ولم يتحرك أحد من عصابة سمّاها السادات "عصابة علي صبري" ولا حرّك ساكنا، وتلك مفارقة أخري من مفارقات كثيرة أدخلها السادات دفاتر التاريخ. وهو عكس ما حدث عندما أُقيل شعراوي جمعة في 13 مايو 1970 فانقلبت الدنيا !
إقالة شعراوي جمعة
كلنا يذكر مشهد الاستقالات الجماعية إبان أزمة مراكز القوي في فيلم أيام السادات، حين تلقي السادات (الذي قام بدوره الفنان أحمد زكي) الخبر من قائد الحرس الجمهوري الليثي ناصف، قبيل نشرة أخبار التاسعة بدقائق، وكلنا يذكر معالم الإرتياح والثقة علي أسارير السادات (أحمد زكي) بعد مشاهدة النشرة و هو يقول "و أنا بصفتي رئيس الجمهورية قبلت استقالاتهم جميعا".. غير أن الأمور لا تجري كما يكتبها كُتّاب السيناريو المفتونين بقداسة منصب الرئيس، ولا كما يكتبها الرئيس ذاته حين يعيد كتابة تاريخه , فقد كانت تلك أوقات عصيبة مرت علي السادات، كانت تلوح أمامه نهايته لحظتها، و في لحظات كهذي لا يسع المرء سوي محاولة التشبث بالحياة أملا في أن يخطئ الخصوم المتربصون في أمر ما قد يمنحه طوقا للنجاة، لقد راهن السادات علي مواتاة حظه مجددا!
علم شعرواي جمعة بأمر إقالته من مصادره داخل بيت الرئيس حين وصلته أخبار قدوم ممدوح سالم محافظ الإسكندرية، والذي اجتمع به السادات مطولا، ثم أمر بإحضار صورة من صيغة قسم الوزراء و مصورا صحفيا، عندها وفور علمه تحرك شعراوي جمعة لحسم الصراع.
تصوروا فقط معي هذا المشهد: مجموعة تسيطر علي مفاصل الدولة وعلي أدواتها وتجتمع وقتها في مقر قيادة القوات المسلحة (طبقا لشهادة الفريق صادق الذي ساعد السادات في تأمين السيطرة علي قيادة الجيش) وتعلم كل صغيرة وكبيرة في مقر الرئاسة، وتعلم بتحرك الرئيس للتخلص من أحد قادتها، فتكون ردة فعلهم هي تقديم استقالاتهم الجماعية وإخلاء المناصب الحساسة للخصم الضعيف كي يعيّن فيها من يري، و تخيلوا معي الموقف علي الجانب الآخر حين تعلمون أن ما كان يشغل ذهن الخصم الضعيف ذلك وقتها هو أن يرسل أحد أعوانه بقوة من الحرس الجمهوري لمبني التلفزيون لمنع إذاعة الإستقالات ..
عندها فقط ستدركون مدي تفاهة الخصمين !
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.