تزخر مصر بالعديد من الأماكن والآثار التي يجهل الكثير من المصريين تاريخها الحقيقي، في ظل عدم انتشار الوعي الأثري والتاريخي، مثل مدينة بوتو، التي تقع بمحافظة كفر الشيخ. يقول محمود فرحات، الباحث في التاريخ والحضارة المصرية القديمة، إن مدينة بوتو هي تل الفراعين حاليًّا، وكانت عاصمة مصر السفلى (الوجه البحري)، قبيل توحيد الملك «نعرمر» لمصر 3200 ق. م، وأصبحت بعد توحيد القطرين (مصر السفلى والعليا) إحدى المدن المقدسة التي تُشَدُّ إليها الرحال للحج والحصول على بركات الربة «وادجت». وأضاف فرحات "عُرِفت مملكة بوتو بحضانتها للطفل حور، الذي وضعته أمه إيست زوجة أوزير بالأحراش المجاورة لها بمنطقة أخبيت، وهي قرية شابَّة الحالية؛ليكون تحت رعاية وحماية الربة وادجت الحامية لمدينة بوتو، وحتى يكون بعيدًا عن بطش عمه ست. وعُرِفت خلال العصور المصرية القديمة بمدينة «بي، دب»، وخلال العصور البطلمية بالاسم پوتوس، واهتم بها ملوك الأسرة 26، وأعادوا إليها مكانتها بعد تدميرها أثناء احتلال الفرس لمصر على يد الملك كسركسيس. مكتشفات المدينة الأثرية وتابع فرحات "احتوت مدينة بوتو علة جبانة عظيمة عُثِر بداخلها على آلاف التوابيت البرميلية والآدمية الشكل، وهي أشكال من التوابيت النادرة، حيث وُجِدت منقوشة بكتابات توضح طقوس دفن الموتى عند قدماء المصريين، بالإضافة إلى العثور على العديد من التمائم والحلي، كما احتوت تلك المدينة على منطقة للمعابد امتدت لمساحة 9000 متر مربع، لم يُكتشَف من معابدها سوى معبد الربة «وادجت»، والذي يمتد لمساحة 1000 متر مربع تقريبًا، وهو محاط بسور من الطوب اللبن، ويعود لعصر ما قبل الأسرات، مع وجود إضافات تمت له خلال العصور التالية". وأكد أن معبد وادجت يحتوي على بئرين لا تزالان تمتلئان بالمياه، كانتا تُستخدمان في التطهير لمقدمي القرابين. وتؤكد الكتابات الأثرية أن هناك العديد من المعابد للربة إيست والرب حور وغيرهما، كما تم اكتشاف عدد من التماثيل أهمها تمثال ضخم للملك رمسيس الثاني، يرجع لعصر الدولة الحديثة بالأسرة 19، والتمثال الوحيد للرب حور، الذي يذكرنا بأسطورة «إيست وأوزير»، بالإضافة لمجموعة من اللوحات النادرة، أهمها لوحة تصور الملك تحتمس الثالث وهو يقدم القرابين للربة وادجت، يعود لعصر الأسرة 18. وهذه اللوحة تثبت أن منطقة تل الفراعين الحالية هي مدينة بوتو القديمة. من هي الربة وادجت؟ هي أحد الآلهة المصرية القديمة. وهناك أسطورة تحكي أن ست مزق عين حورس إلى قطع صغيرة، ثم نثر تلك القطع في كل بر مصر، فقام الطبيب تحوت بجمع تلك القطع وأبرأها، فأخذت عين حورس معنى آخر، وهو وحدة مصر، وأعطيت الاسم وادجت، والذي يعني الكامل، أو الذي استعاد تكامله. وكانت الكوبرا الرمز المقدس للإلهة الأنثى وادجت، وهذا الاسم يعني الخضراء، وكانت تظهر على شكل ثعبان الكوبرا أو أنثى برأس كوبرا يعلو رأسها تاج الشمال.