يبدو المشهد التنظيمي لجماعة الإخوان مرشحا لمزيد من الانقسام، عقب قرار محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، بحل مكتب الإخوان في الخارج برئاسة أحمد عبد الرحمن، وإلحاق تبعية أعضائه إلى رابطة الإخوان المصريين الذين فروا من مصر عقب عزل الرئيس الأسبق، محمد مرسي، في الثالث من يوليو 2013. قرار عزت نشر على موقع "إخوان سايت" الذي أطلقته المجموعة التابعة للقيادات القديمة، الأسبوع الماضي، ليكون نافذة رسمية في مواجهة موقع "إخوان أون لاين" الذي يسيطر عليه محمد منتصر، التابع للجنة إدارة الأزمة المنتخبة في فبراير 2014، التي تحظى بتأييد قطاعات واسعة من شباب الجماعة الراغبين في استخدام العنف في مواجهة السلطة. كما نشر القرار على صفحة المتحدث الرسمي الجديد د. طلعت فهمي، المعين من قبل مجموعة عزت بعد قرار بإقالة منتصر. قدم عزت حيثيات عديدة لقراره، اعتبر خلالها أن مكتب إدارة الأزمة في الخارج قد تجاوز صلاحياته، ب"رفضه قرارات الجماعة والخروج على مؤسساتها، وعدم الالتزام بالمهمة التى أنشئ من أجلها وهى إدارة الملفات المركزية (سياسية – إعلامية – حقوقية – قانونية)، وكذلك رفض الاعتراف بانعقاد شورى الجماعة في يونيو 2015 أو الاعتراف بقرارته. واتهم عزت مكتب الأزمة بالإصرار على التواصل غير المؤسسي مع أفراد التنظيم بالعديد من الأقطار والعمل على تفتيت وحدة الصف، مؤكدا وجود خلافات جوهرية فى الرؤية التى يعمل بها المكتب مع رؤية الجماعة المعتمدة، وأوضح القائم بأعمال المرشد أن دعوة رئيس مكتب الأزمة للقواعد بالتحرك لتغيير القيادات، والاستقالات المسببة لأكثر من نصف أعضائه المنتخبين وإصدار بيانات تأييد لأفراد لجنة الإدارة الموقوفين فى 2015 وتشكيل لجان تقصي حقائق بالمخالفة لنظام الجماعة وقراراتها تؤكد ذهاب المكتب بعيدا عن المهام المنوطة به. وتصاعدت الأزمة في الإخوان مساء 12 من الشهر الجاري، عقب ظهور محمود حسين، أمين عام الجماعة، في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، أصر خلالها أنه مازال يشغل منصبه، وأن مكتب الإرشاد يعد الجهة الوحيدة التي تملك إقالته من موقعه، مؤكدا أن اللجنة العليا لإدارة الأزمة مجرد لجنة إدارية لا تمثل القيادة العليا للجماعة، وأن محمود عزت يمارس دوره قائما بأعمال المرشد العام. انعكس الانقسام في التنظيم الحديدي على كل قطاعاته رأسيا وأفقيا، فالمكاتب الإدارية للمحافظات اختلفت حول قرارات عزت وحديث محمود حسين، كذلك طال الانقسام شباب الجماعة، الذين عبر بعضهم عن رفضه لإقالة منتصر وعودة حسين للظهور، مستخدمين عبارات حادة وساخرة، بينما أعرب بعضهم عن حزنه وأسفه لما آلت إليه الأمور في تنظيم عرف دوما بتماسكه والتفاف أعضائه حول قيادتهم، والتزامهم الصارم بركني الطاعة والثقة. قرارات عزت جاءت بعد يوم واحد من بيان للجنة الإدارية قالت فيه إن أعضاءها اجتمعوا برئاسة أمينهم العام واتخذوا عدة قرارات، من أهمها التأكيد على أن الشاب محمد منتصر هو المتحدث الاعلامي للجماعة، وأن كل ما صدر من مسؤول اللجنة وتم تسريبه لوسائل الإعلام يعد عملا فرديا، وأن لجنة لتقصي الحقائق ستبحث الأمر. وبالطبع، فإن بيان اللجنة الإدارية يؤكد نجاح الحرس القديم للجماعة في استمالة رئيس اللجنة محمد عبد الرحمن، ليكون ولاؤه لمحمود عزت ومحمود حسين، مما يمثل ضربة قاصمة لأعضاء اللجنة، وما يسمى بالتيار الثوري داخل الجماعة، الذين أصبحوا مشغولين لأبعد الحدود بترتيب أوراقهم الداخلية، وإدارة صراع ممتد مع رجال عزت، تستخدم فيه من الطرفين كل الوسائل بما في ذلك إرشاد جهات الأمن عن الناشطين في المجموعتين، بالإضافة لارتباك مجوعات الخارج، وعدم قدرتها على حسم ولائها لأي طرف دون خسائر أو انشقاقات. وتجدر الإشارة إلى أن المتحدث باسم الجماعة نشر صورة قرار عزت بخط يده، وهو ما يرجح تأثر أفراد التنظيم بالشكوك التي يطلقها أتباع اللجنة الإدارية حول وجود القائم بأعمال المرشد داخل مصر، أو أن يكون قد اعتقل من فترة طويلة، مما يسهل لأطراف في الجماعة أو خارجها استغلال غيابه لتمرير قرارات لا تصب في مصلحة "حراك الشباب" أو ما يعتبرونه موجة ثورية قادمة في 25 يناير المقبل. الحيرة والارتباك تصيب التنظيم بالشلل، لاسيما وأن أعضاء الجماعة تربوا طوال عقود على التلقي من أعلى، ولا يجيدون أي عمل دون توجيهات وأموامر تأتي عبر التسلسل التنظيمي، ومن خلال الاجتماع الرسمي "لقاء الأسرة"، مع مناهج تربوية تقتل الذاتية والمبادرة، وتجعل من تعليمات القيادة الوسيلة الوحيدة للتفرقة بين الخطأ والصواب.