يبدو أن استراتيجية التعنت ومحاولة فرض الرأي التي استمرت أكثر من أربع سنوات لم تفلح، فمنذ بداية الأزمة السورية أخذت الدول الغربية وخاصة أمريكاوفرنسا في التشديد على ضرورة رحيل الرئيس السوري "بشار الأسد"، ولكن بعد أن وصلت الموجة الإرهابية إلى قلب هذه الدول، وأصبحت روسيا صاحبة القرار في الأزمة السورية بعد تدخلها العسكري المباشر، وجدت هذه الدول نفسها أمام تعنت لن يجدِ نفعًا، خاصة بعد فشل مراهنتها على الجماعات الإرهابية المسلحة هناك، فبدأت في التراجع خطوة بخطوة مع محاولة الحفاظ على ماء الوجه. بعد هجمات باريس الأخيرة، اتجهت فرنسا إلى أن تكون أكثر جدية في محاربة تنظيم "داعش"، فأخذت تدعو الدول الغربية إلى تكثيف جهودها لمكافحة تنظيم "داعش" في سوريا، وانطلاقًا من إدراكها بأن الولاياتالمتحدة المريكية ليست جدة بشكل كافي في محاربة داعش، وأن التحالف الغربي الذي تقوده أمريكا فشل خلال عامين في القضاء على التنظيم المتطرف، سعت باريس في اتجاه التعاون مع روسيا بشكل أوثق من أمريكا، خاصة بعد أن انطلقت الدعوات من الساسة الفرنسيين إلى وقف التعاون مع الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية، وتكثيف التعاون مع روسيا التي اثبتت جديتها في مكافحة تنظيم "داعش". الاستراتيجية الفرنسية لم تتوقف عند تغيير الحلفاء أو على الأقل الميل تجاه حليف أكثر من آخر، بل تخطته لدرجة التنازل عن بعض شروطها التي لطالما أكدت عليها بشان الأزمة السورية، حيث صرح وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" الذي لطالما اشترط رحيل الرئيس السوري "بشار الأسد" وكان من أشد المعارضين لبقاء "الأسد" خلال الفترة الانتقالية، قائلا إن ذلك ليس بالضرورة أن يحصل قبل الانتقال السياسي، مؤكدًا على ضرورة توحد القوى السورية والإقليمية من أجل محاربة أكثر فاعلية لتنظيم "داعش". وأعرب وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" عن عدم التمسك برحيل الرئيس السوري "بشار الأسد" قبل المرحلة الانتقالية، وأضاف "فابيوس"، "إن محاربة داعش مسألة حاسمة لكنها لن تكون فعالة إلا إذا توحدت مجموعة القوى السورية والإقليمية"، مشيرًا إلى أن "الوصول إلى سوريا موحدة يتطلب عملية انتقال سياسي دون أن يعني ذلك أن على الرئيس السوري بشار الأسد الرحيل قبل عملية الانتقال هذه ولكن يجب الحصول على ضمانات من أجل المستقبل". موقف "فابيوس" من مصير "الأسد" جاء بعد أيام من موقف مماثل حول الاستعانه بقوات الجيش السوري لقتال الجماعات المسلحة، حيث ألمح "فابيوس" بإمكانية الاستعانة بقوات الجيش السوري لمقاتلة التنظيمات المتطرفة، واعتبر وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" أنه من أجل مكافحة التنظيم المتطرف "هناك سلسلتان من الإجراءات، عمليات القصف، والقوات البرية، التي لا يمكن أن تكون قواتنا، بل ينبغي أن تكون قوات للنظام وأكراد كذلك بالطبع"، وهو التصريح الذي رحب به وزير الخارجية السوري "وليد المعلم"، وقال عنه "إنها جاءت متأخرة لكنها أفضل من ألا تأتي أبدًا"، لكن "فابيوس" عاد عن قوله بعد أيام في محاولة لإبراز شيء من الصلابة في الموقف الفرنسي بعد التراجعات المثيرة للجدل، حيث قال إن الاستعانة بالجيش السوري ممكن لكن "بعد رحيل الأسد". التراجع الفرنسي سبقه موقف مفاجيء أطلقه وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" لأول مرة، حيث قال إنه "من الممكن حمل الحكومة والمعارضة السوريتين على التعاون ضد تنظيم داعش من دون رحيل الرئيس السوري بشار الأسد"، وأضاف "كيري" أنه سيكون "من الصعب للغاية ضمان حدوث مثل هذا التعاون من دون مؤشر ما على وجود حلّ في الأفق في ما يتعلق بمصير الأسد"، وتابع أن واشنطن تسعى إلى جمع المعارضة السورية في أسرع وقت لمفاوضة الأسد من أجل الوصول إلى وقف لاطلاق النار وبدء المرحلة الانتقالية. من الواضح أن سيطرة روسيا على الأوضاع في سوريا وتمسكها ببقاء الرئيس السوري حتى المرحلة الانتقالية على أن يحدد الشعب السوري مصير "الأسد" دون تدخل خارجي، جعل الدول الغربية وعلى رأسها فرنساوأمريكا يدركان جيدًا أن تعنتهما وتشدد مواقفهما لن يغير من الواقع شيئًا، وأن مكافحة الإرهاب بشكل جدي في سوريا يجب أن يكون تحت مظلة سلطة شرعية وجيش وطني.