3 ملايين مدمن مقابل 600 سرير بالمستشفيات الحكومية .. وسوهاجوالأقصر لا يوجد بهما سرير واحد لعلاج الإدمان «شلل، عمي، اعتداءات جنسية، انتحار».. كوارث وصل إليها مرضي الإدمان الذين لجأوا إلي المراكز العلاجية غير المرخصة، فعلي الرغم من وصول عدد المدمنين في مصر إلي ثلاثة ملايين، بحسب الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن وزارة الصحة، إلا أن الدولة لم تلتفت إلي حجم الكارثة التي تتفاقم يومًا بعد الآخر. «مصائب قوم عند قوم فوائد».. مقولة تنطبق على أصحاب مراكز علاج الإدمان غير المرخصة التي تنخر فى عظام الدولة المصرية، وانتشرت كالوباء في العديد من المناطق، أبرزها هضبة الهرم، ومدينة نصر، والمقطم، وخرجت من كهوفها متحدية مؤسسات الدولة، فلم يعد عملها سريًا، بل تعلن بكل تبجح عن نشاطها في القنوات الفضائية، بادعاءات أنها تستطيع علاج المدمنين في أقل من أسبوعين ب«6 آلاف جنيه»، مع توفير خدمة «شحن المرضي»، أى ترسل أشخاصًا من المركز إلي منزل المريض وتخديره ومن ثم أخذه بالقوة إلي المركز، الأمر الذي تٌجرمه وزارة الصحة بنص قانون الصحة النفسية. الكارثة، أن أهالى المدمنين يلجأون إلى مراكز علاج الإدمان غير المرخصة لسببين، أولهما، أن أسعارها أقل من المستشفيات الخاصة التي تتجاوز ال10 آلاف جنيه للحالة، وثانيهما، عدم توافر أسرّة كافية لاستقبال المرضي في المستشفيات الحكومية، وفى حالة الحجز ينتظرون شهورًا، ما يضطرون للوقوع فريسة للمراكز غير المرخصة، لتنتهى حياة المدمنين إلى شلل أو عمى وغيرها من الأمراض. «شلل وعمي واعتداء جنسي».. نصيب المدمنين فى المراكز غير المرخصة خالد محسن، شاب فى مقتبل العمر، وقع فريسة مراكز العلاج غير المرخصة، أُثيرت قضيته في وسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة. التقت «البديل» بخالد الذى روى مأساته، قائلا: «قررت الكف عن تعاطي المخدرات، وبالفعل توجهت إلي أحد مراكز الإدمان غير المرخصة بهضبة الهرم ولا يحمل أي اسم، وللأسف يبدو ظاهريًا أنه مركز جيد، لكن تكمن كوارثه في الباطن، فالمركز عبارة عن شقة لا تزيد على 110 أمتار، وبها 56 نزيلاً»، مضيفًا: «بدأت مأساتي حينما شعرت بألم في بطني، فطلبت المساعدة من المشرفين فى المركز، لكنهم اكتفوا بتقييدى كى أكف عن الشكوي، وبعد موجة صراخ فكوا وثاقى، وعندها شعرت برعشة شديدة في قدمي وظهري، فلم ألق أي مساعدة، بل عادوا وربطونى في السرير وتعذيبي، حتي جاء صاحب المركز وحولنى علي مستشفي آخر بالهضبة أيضًا، هناك أكد لى أحد الأطباء أنني مصاب بعيب خلقي في العمود الفقري ليس إلا». وأوضح «خالد»: «صاحب المركز اتصل بأهلي وأبلغهم أنني شُفيت تمامًا من الإدمان ويجب أن يحضروا حتي يعيدوني إلي منزلي، وأعاد إليهم 2000 جنيه من 5000 جنيه دفعتهم في بداية دخولي المركز»، مؤكدا أنه بعد إجراء الفحوصات والإشاعات، تبين إصابته بكسر في الفقرة العاشرة بعموده الفقري، مما أدي إلي إصابته بالشلل. وبحسرة وألم يكمل «خالد»: «مكثت في المركز لمدة 13 يومًا، لم أتلق خلالهم أي علاج ولا أي عقار، فالمركز لا يعمل فيه أطباء، بل مجموعة من (الحبسجية) من خريجي السجون – بحسب تعبيره»، لافتا إلى أن أبرز ما رآه فى المركز شروع أحد الشباب فى الانتحار، عن طريق قطع شرايين يده، وعندما رآه المشرفون، لم يسعفوه، بل تناوبوا عليه ضربا مبرحا، وهو ينزف، مختتمًا بأنه تقدم ببلاغ ضد القائمين على المركز، لكن تم حفظه دون الحصول على حقه ومعاقبة المسئولين عن شلله. أما «ق.عادل» فتاة تبلغ من العمر 26 عامًا – رفضت ذكر اسمها- فقدت بصرها نتيجة لتعذيب المشرفين بأحد مراكز علاج الإدمان غير المرخصة فى منطقة المقطم، بعدما ضربها مشرفوه علي رأسها ووجها بعصا حديدية؛ نتيجة تصاعد صرخاتها لانسحاب المخدر من جسدها في فترة «الديتوكس»، أي انسحاب أعراض المخدر، لينهالوا عليها ضربا حتي غابت عن الوعي، وعندما أفاقت اكتشفت أنها فقدت البصر. وتؤكد «عادل» ل«البديل» أن مشرفي المركز لم يبلغوا أهها بفقدانها البصر إلا بعد أن شفيت من أعراض الضرب، وبعدها اتصلوا بذويها لضرورة الحضور لاستلام ابنتهم، وادعوا كذبا أنها ضربت رأسها في الحائط، مهددة المشرفين بفتح باب المركز من أجل الخروج لتلقي جرعات المخدرات، وللأسف لم يستطع أهلها إثبات عكس ذلك؛ لأن أثار الضرب والتعذيب زالت من وجهها ورأسها، لتظل فاقدة البصر حتي اليوم. وبطل المأساة الثالثة الشاب «ش.ط» الذي أصيب بكسر في قدميه، بعد أن حبسه المشرفون دون إعطائه أي عقار أثناء فترة انسحاب المخدر بمركز غير مرخص لعلاج الإدمان بهضبة الهرم، مما دفعه إلي محاولة الهرب، وعندما اكتشف المشرفون، ضربوه ضربا مبرحا حتي كسرت ساقيه، وبعدها أبلغوا أهله بأنه حاول القفز من الشباك فكسرت ساقيه. وفي منطقة المقطم تحديدا في شارع 9، توفي شابا يدعي علاء أثناء علاجه في فترة «الديتوكس»، أي انسحاب أعراض المخدر من جسده، وذلك بعد وصوله إلي المركز بثلاثة أيام فقط. وعلمت «البديل» من مصادر مقربة من شاب مدمن ذهب إلى أحد المراكز بالمقطم للتعافى، لكنه عاد جثة هامدة، بعد انتحاره؛ نتيجة تعرضه للتعذيب والاعتداء الجنسي من قبل المشرفين، مما دفعه إلي قطع شراين يده بقطعة زجاج ولقي مصرعه في الحال. «العباسية»: يتردد علينا 4 آلاف مدمن شهريًا ولا يوجد لهم أماكن وقال الدكتور عبد الرحمن حماد، مدير وحدة طب الإدمان بمستشفي الصحة النفسية بالعباسية، يوجد في مصر 3 ملايين مدمن بحسب التقرير الصادر عن وزارة الصحة لعام 2015، في مقابل عدد أسرة توفرها الدولة لعلاج الإدمان 600 سرير فقط، ما يعني أننا أمام كارثة حقيقية تفتح المجال أمام المراكز غير المرخصة لممارسة عملها غير القانونى، بتوجه مرضي الإدمان إليها؛ للنقص الحاد في عدد الأسرة. وأضاف «حماد» أن قانون الصحة النفسية 71 لعام 2009 ينص علي ضرورة وضع آليات تنظيمية لعمل المستشفيات الخاصة ومراكز علاج الإدمان بأن تخضع هذه الأماكن للإشراف الكامل من وزارة الصحة والمجلس القومي للصحة النفسية، مطالبًا بضرورة أن يعمل بها أطباء وممرضون وفريق علاجي كامل ومتخصص، فلا يجوز قانونا أن يقوم مدمن بعلاج مدمن، متابعا: «للأسف، هناك حالة غياب تامة للقانون، كما أن الأماكن الخاصة المرخصة من وزارة الصحة عدد أسرتها قليل جدا ولا يتناسب عدد المدمنين الذى يتزايد كل يوم، ناهيك عن المبالغ الخيالية التي تطلبها تلك الأماكن الخاصة والتي لا يستطيع أهل المريض سد تكلفتها في بعض الأوقات». وأشار «حماد» إلى كارثة تحدث فى وحدة علاج الإدمان بمستشفي العباسية، والتي تعتبر أكبر وحدة علاج علي مستوي الجمهورية شهريًا، حيث يتردد أربعة آلاف مريض بالإدمان علي العيادات الخارجية المستشفي، منهم ألفي مريض، من المفترض أن يتم حجزهم بالمستشفي، وبالتالي لا يوجد أماكن لتلقي هذه الأعداد المهولة التي تتوافد عليهم شهريًا. كما فجر مفأجاة ثانية، قائلاً: «برغم أن سوهاج تعد ثاني محافظة فى عدد المدمنين في مصر، إلا أنها بأكملها لا يوجد بها سرير واحد لعلاج الإدمان، ونفس الأمر ينطبق علي محافظة الأقصر، التي تأتي كثالث محافظة لانتشار الإدمان، لا يوجد أيضا بها سرير واحد لعلاج الإدمان، ما يجعل المسئولية الأولي في انتشار المراكز غير المرخصة هي وزارة الصحة، التي لا توفر أسرة لمرضي الإدمان». واختتم مدير وحدة طب الإدمان بمستشفي الصحة النفسية بالعباسية، بأن الشىء الوحيد الذي تقوم به الدولة لدعم خدمات العلاج، يأتي من خلال صندوق مكافحة وعلاج الإدمان عن طريق الخط الساخن الذي يتكفل نسبة 90% من علاج المدمنين علي نفقته، لكنه أيضا ليس لديه أسرة، محملاً المسئولية للدولة ووزارة الصحة والتخطيط الخاطئ، فكلما ازدادت نسبة الإدمان في مصر، كلما ازدادت أعداد المراكز غير القانونية، التي لا يجد أهالي المرضي سواها أمامهم لعلاج أبنائهم. ومن جانبها، تقول سماح برديسي، أخصائية نفسية بصندوق مكافحة علاج الإدمان، إن مراكز علاج الإدمان غير المرخصة انتشرت بصورة كبيرة، موضحة أن أصحابها في الأساس مجموعة من المدمنين «المبطلين»، أي الذين لم يتلقوا علاجهم ولم يشفوا من الإدمان بصورة نهائية، أو مجموعة من المدمنين الذين يتناولون جرعات أقل من المخدرات، وينشئون هذه المراكز دون وضع أي خطط علاجية. وتضيف «برديسي» أن المراكز المزعومة توفر خدمة لأهالي المرضي «الشحن»، أي يأتي أشخاص إلي منزل المدمن بعد البلاغ من أهله ويقوموا بتكتيف المدمن، ويتم شحنه إلي مركز العلاج، مؤكدة أن هذه المراكز لا يتم فيها علاج المدمنين بأي شكل من الأشكال، بل تساعدهم علي تناول جرعات أكبر من المخدرات عندما يخرجون من المركز، عن طريق تربية العروق، أى أن ابتعاد المدمن عن تعاطي المخدرات وتناول الطعام لمدة أسابيع تساعدة علي تربية العروق من جديد، مما يجعله يسهل عليه تعاطي المخدرات مرة أخري بسهولة تامة دون الشعور بأي تعب. وتتابع أخصائية صندوق مكافحة علاج الإدمان، أن الصندوق تلقي العديد من الشكاوي من خلال محاضر رسمية وبلاغات في أقسام الشرطة، مختتمة بمفاجأة: «شاب توجه إلي مركز لعلاج الإدمان غير مرخص بالمنصورة، اعتدى عليه صاحب المركز جنسيًا، مما أصابه بعقدة نفسية من العلاج بشكل تام، ومنها رفض التوجه إلي أي مركز لتلقي العلاج مرة أخري». خبراء: الترويج لمراكز علاج الإدمان غير المرخصة في الفضائيات ليس مخالف للقانون وأكد عدد من القانونيين والخبراء في مجال الإعلام أن انتشار الإعلانات عن مراكز الادمان غير المرخصة عبر القنوات الفضائية دون الحصول علي تراخيص من وزارة الصحة، كارثة تتحملها الدولة. يقول الدكتور محرز غالي، أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إنه للاسف لا يوجد قانون في مصر لتنظيم العمل الإعلاني، لكن الأمر مجرد شىء تقديري ينتهي في الغالب بإلزام القناة بدفع غرامة مالية فقط، مطالبا وزارة الصحة بضرورة إلزام القنوات المعلنة بتقديم شهادات صادرة عن وزارة الصحة تفيد سلامة المنتج أو قانونية المركز الذي يتم الترويج له حتي نتفادي الإعلان عن مراكز الإدمان بتلك الصورة التي تحمل فجورًا، مع قيام المعلن بترك عنوانه وأرقام هاتفه؛ لتسهيل المهمة علي وزارة الصحة؛ بتوجهها إلي تلك المراكز والتأكد من حصولها علي تراخيص رسمية، وإذا تبين عكس ذلك، يتم إغلاق تلك المراكز علي الفور. وأوضح "غالى" أن غياب الدولة عن اتخاذ قرارات، جعل أصحاب هذه القنوات تتوسع في نشر المادة التي يريدونها، في مقابل حصولهم علي أموال، مؤكدا أن أجهزة الدولة ترى الإعلانات جيدًا وتعرف عناوين أصحابها، وعليها اتخاذ موقف حاسم تجاه تلك القنوات بتفعيل القانون. ومن جانبه، قال أسعد هيكل، المحامي والمتحدث باسم لجنة الحريات بنقابة المحامين، لا توجد مادة قانونية توقع عقوبة علي القنوات التي تروج لإعلانات مضللة، لافتا إلى بعض التوصيات التى يتحايل بها المحامون وخبراء القانون لتبرئة أصحاب القنوات، مؤكدا أننا بحاجة إلي تشريع قانوني للحد من الظاهرة التي انتشرت في الفضائيات بالترويج عن مراكز غير مرخصة لعلاج الإدمان والسحر والشعوذة وغيرها من تلك الأمور التي تقع تحت طائلة النصب. ومن جانبنا، حاولنا التواصل مع وزارة الصحة إلا أن متحدثها رد علينا بعد عشرات المكالمات بعبارة «I can not talk now».