مضى على الصراع بين الإسلام والغرب على الدين والقوة والقيم والموارد قروناً زمنية طوال، صاحبها بين آنٍ وآخر ظهور ما لا حصر له من المؤامرات والسياسات الخبيثة التي نسجت بدقة لتمزيق هذه الأمة، وبكل أسفٍ فقد نجح العدو الغربي المتربص عن طريق ما حاكته عقولهم وخطته أناملهم من مخططات ومؤامرات وسياسات، ومن بينها سياسة فرق تسد، في تقسيم الأمة إلى دول صغيرة متناثرة متحاربة، تفصل بينها حدود جغرافية مصطنعة، ونعراتٍ قومية جاهلية. وسياسة فرق تسد تعني العمل على تفتيت قوة كبيرة قائمة أو أكثر، أو العمل على عرقلة قوة كبيرة في طريقها إلى البروز، عن طريق زرع الشقاق والفتن بين قوى متناحرة كي لا تلتئم وتجابه طرفاً آخر يتضرر من توحد صفوف القوى، تفادياً لإحداث توازن في موازين القوى، من أجل الإبقاء على اختلال موازين القوى لصالح طرف على حساب الأطراف الأخرى، فجوهر ومضمون هذه السياسة إذاً هو الإبقاء على الدول المتنافسة مع دولة ما في حالة من التمزق والتفكك والانقسام لاستنزاف قواها، وإيجاد الثغرات التي يمكن النفاذ منها إليها. وقد حمل الكيان الصهيوني لواء الدعوة لهذه السياسة وبادر نحو تنفيذها، وأشار بن غوريون – أول رئيس وزراء لإسرائيل– إلى أن قوة وبقاء إسرائيل في المنطقة العربية مرهون بتطبيق سياسة فرق تسد، حيث صرح قائلاً "إن قوة إسرائيل ليست في امتلاكها للسلاح النووي، وإنما في تفتيت ثلاث دول كبرى، العراق، سوريا، مصر، إلى دويلات متناحرة ومتصارعة على أسس دينية وطائفية، ونجاحنا في هذا الأمر لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على جهل وغباء الطرف الآخر" وعلى إثر ذلك استخدمت القوى العظمي، وفي مقدمتهم الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني، سياسة فرق تسد في النزاع الإيرانيالعراقي، لدفع عجلة النزاع إلى الدوران والاستمرار لأطول وقت ممكن، لإضعاف قوة المتنافسين وتمزيق صفوفهم، والحفاظ على حالة التمزق السائدة بينهم، من خلال زرع الفتن والدسائس والمكائد وغيرها من الوسائل الأخرى التي قادت إلى الحرب بين الطرفين، للإبقاء على الوضع القائم الذي يحمي مصالحها ونفوذها في المنطقة، ولهذا اتجهت هذه الدول صوب وأد أية محاولة أو مبادرة تحالف قد تنشأ ضدها – فيما بعد – تهدد نفوذها ومصالحها في المنطقة العربية، وتهدد وجود الكيان الصهيوني الراعي الأول لهذه المصالح والقائم عليها. ورأت الأطراف الخارجية أن انتصار العراق أو إيران في حربهما الطويلة سيؤدي إلى التأثير على قضية النفوذ في المنطقة، ففي حالة انتصار العراق فإنه سيستثمر هذا النصر لتعزيز النزعة الوحدوية العربية، وهذا من شأنه أن يخل بالتوازن الإقليمي بشكل سلبي من وجهة نظر إسرائيل مثلاً، إذ أن تنامي وبروز قوة هائلة كالعراق سيؤدي إلى قلب موازين القوى لصالحه على حساب إسرائيل، وهو ما يعني إمكانية اجتثاث جذور الأخيرة من المنطقة العربية، وذات الأمر ربما يتماثل بالنسبة لإيران، وهنا نصل إلى نقطة مهمة تتمثل في تقبل القوى العظمى وفقاً لمنظورها، رؤية طرفين إقليميين وهما يتصارعان لإضعاف بعضهما البعض، وهذا المنظور لا يحفز القوى الكبرى على التحرك السريع لإنهاء مثل هذه الحرب. لهذا تعمدت هذه الدول القضاء على كافة المبادرات التي تنشأ لإنهاء وتسوية هذه الحرب، ووضعت العراقيل من أجل استمرارها لأمدٍ بعيد، لإنهاك واستنزاف قوى الطرفين، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر حينما قال: "نريد منهزمين في هذه الحرب". مبرراً ذلك بقوله: "لم يكن للولايات المتحدة أية مصلحة سوى منع سيطرة وهيمنة أي من المتحاربين على المنطقة". وعن طريق هذه السياسة نجح الكيان الصهيوني في إضعاف موقف بعض الدول من القضية الفلسطينية، أثناء المفاوضات التي جرت بينه وبين مجموعة من الدول العربية (فلسطين، سوريا، الأردن، لبنان)، في مؤتمر مدريد عام 1991م، وتمكن من عزلها عن المفاوضات بدعوى تفرغ كل دولة لقضاياها على حدة، وقد نجحت هذه السياسة في إقصاء هذه الدول، والانفراد بالمفاوض الفلسطيني للانقضاض عليه، وكان له ما أراد، فقد آتت هذه الوسيلة أكلها في مفاوضات أوسلوا عام 1993م، التي تعتبر منعطفاً تاريخياً في القضية الفلسطينية، لأنها تعكس مدى التنازلات الهائلة التي قدمها الجانب الفلسطيني، ونجاح اليهود في تحقيق مجموعة من الأهداف عبر هذا الاتفاق، كان أبرزها على الإطلاق عزل وتفريق القوى العربية غير الراغبة في السلام، بإعطاء البرهان على أن أصحاب القضية قد ألقوا البندقية. ولا زالت هذه السياسة وغيرها قائمة وستظل، أما الأمة جمعاء فحقاً وعدلاً، لا يصدق عليها إلا وصف، فلو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رمادٍ.