بعد سنوات من الحروب المستعرة في العراق، وتدمير البنى التحتية، وإغراق الشعب العراقي في مستنقع الإرهاب، ونشر الفوضي التي تعجز القيادات الأمنية عن السيطرة عليها حتى الآن، يخرج رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير" ليعتذر عن "خطأ" غزو العراق، في محاولة رخيصة منه لتفادي دفع تكلفه هذا العدوان الذي دمر الشعب العراقي وأرضه. وقال"توني بلير": "أستطيع القول إنني أعتذر عن الأخطاء وعن حقيقة أن المعلومات الاستخبارية التي تلقيناها كانت خاطئة، لأنه وحتى مع استخدام صدام حسين للأسلحة الكيماوية ضد شعبه وضد آخرين، إلا أن ما ظننا أنه يمتلكه لم يكن موجودًا بالصورة التي توقعناها"، وأضاف أنه يعتذر عن أخطاء أخرى متعلقة بالتخطيط، وبالتأكيد عن الأخطاء التي ارتكبناها حول الطريقة التي فهمنا بها ما يمكن أن يحدث بعد إزالة نظام، أجد أن الاعتذار عن إزالة نظام صدام حسين صعب، وكونه الآن غير موجود أفضل من تواجده"، على حد قوله. حديث "بلير" امتلأ بالتخبط والازدواجية، ففي الوقت الذي قال فيه إن "هؤلاء الذين أبعدوا صدام يتحملون بعض المسئولية عن الموقف في العراق الآن"، عاد مجددًا ليدافع عن الغزو قائلا إنه كان "من الصعب الاعتذار عن الإطاحة بصدام حسين وإن العراق كان من المحتمل أن يصبح كسوريا إذا لم يبعد"، وعند سؤاله عما إذا كان غزو العراق السبب الرئيسي لظهور تنظيم "داعش"، أجاب "اعتقد أنه توجد عناصر من الصحة في ذلك". اعتراف "بلير" هذا اعتقد أنه يستطيع من خلاله إصلاح ما أتلفه الغزو الأمريكي في العراق، أو إعادة أمن واستقرار العراق من جديد، أو إحياء ضحايا هذا الغزو الغاشم، أو تعويض الشعب العراقي عن سنوات من الذل والقهر والفقر والرعب التي عاشوها منذ العدوان الأمريكي على بلدهم ولايزالون يعانوا منها حتى الآن، لكنه في الحقيقة لا يقدم ولا يؤخر شيء من تداعيات الجريمة. يأتي الاعتذار في الوقت الذي تشهد فيه بريطانيا منذ شهور جدلاً واسعاً حول الحرب على العراق، والمشاركة البريطانية فيها، والقرار الذي اتخذه "بلير" في ذلك الحين عندما كان رئيسًا للوزراء، ضاربًا بالاحتجاجات التي كانت تسود الشارع البريطاني حينها عرض الحائط. المتحدثة باسم الرئيس الوزراء البريطاني حاولت تحسين تصريحات "بلير" حيث قالت إن "بلير لطالما اعتذر عن كون المعلومات الاستخباراتية خطأ وعن أخطاء في التخطيط، ولطالما قال ويقول إنه لا يعتقد أنه كان من الخطأ الإطاحة بصدام حسين"، وأضافت "لم يقل إن قرار إطاحة صدام عام 2003 تسببت بظهور داعش، وأوضح أنه لم يكن هناك تنظيم داعش ولم يسمع به قبل نهاية عام 2008 عندما تمت هزيمة تنظيم القاعدة"، وتابعت أن "بلير كان يقول عام 2009 إن العراق يتجه نحو مزيد من الاستقرار"، وأردفت موضحة "ما حدث بعد ذلك كان جمعًا بين أمرين أولا، كانت هناك سياسة طائفية تسعى الحكومة العراقية لتكريسها، وهي سياسة خاطئة، ثم ظهر الربيع العربي وانتقلت داعش من العراق إلى سوريا، ووطدت نفسها هناك ثم عادت إلى العراق". يرى مسئولين أن اعتذار "بلير" يأتي في إطار محاولته الالتفاف على النتائج التي قد يخلص إليها تقرير "تشيلكوت" بشأن التحقيق في حرب العراق، حيث يقارب تحقيق "تشيلكوت" بشأن الحرب على العراق على الانتهاء، ولكن لم يتم تحديد تاريخ لذلك بالرغم من مرور ستة أعوام على قيام رئيس الوزراء البريطاني آنذاك "جوردون براون" بطلب التحقيق، متعهدًا أنه سيستغرق عامًا واحدًا، وفي هذا الشأن قالت رئيس وزراء اسكتلندا "نيكولا ستورغيون"، إن "عملية التفاف بلير بدأت، ولكن الدولة مازالت بانتظار الحقائق"، مضيفة "إن تأخر تقرير تشيلكوت يعتبر فضيحة". اعترافات "بلير" تزامنت أيضًا مع تقرير صحيفة "ميل أون صنداي" البريطانية الذي قال إن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير" وعد الولاياتالمتحدة بالمشاركة في الحرب على العراق قبل عام من الغزو الأمريكي لهذا البلد في 2003، وكشفت الصحيفة عن مذكرة كتبها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "كولن باول" في 28 مارس عام 2002، إلى الرئيس حينذاك "جورج بوش" حيث قال "باول"، "بشأن العراق، سيكون بلير معنا في حال اضطررنا لعمليات عسكرية"، وأضاف أن "بلير مقتنع بنقطتين هما أن التهديد واقعي، وأن النجاح في مواجهة صدام حسين سيؤدي إلى مزيد من النجاح في المنطقة"، وأوضحت الصحيفة أن هذه المذكرة وغيرها من الوثائق الحساسة كانت جزءًا من الرسائل الالكترونية على الخادم الخاص لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "هيلاري كلينتون" التي أجبرها القضاء الأمريكي على كشفها.