في الوقت الذي يشهد فيه ملف «سد النهضة» الإثيوبي ضبابية مستقبلية، لاسيما مع استكمال «أديس أبابا» بناء السد دون مراعاة مخاوف القاهرة من تأثيره على حصتها المائية، ودون انتظار للدراسات الفنية للمكاتب الاستشارية والتي توضح المخاطر الناتجة عن بناء السد على دولتي المصب السودان ومصر، تتجه الخرطوموأديس أبابا نحو إقامة علاقات وتحالف استراتيجي قوي. هذه التحالف يشير إلى عدة أمور أهمها أن الخرطوم لها حسابات أخرى قد تكون ذات أهمية أكبر لمصلحة النظام السوداني وبقاءه في الحكم، حيث عن الخلافات السودانية الإثيوبية بشأن سد النهضة، يذهب الخبراء السودانيون إلى أن الخرطوم في الأساس لن ترى غضاضة من تنفيذ إثيوبيا هذا المشروع الكبير لأنه قد يحقق فائدة واسعة للسودان، وهو الأمر الذي أكده رئيس وزراء السودان السابق الصادق المهدي في حوار سابق للبديل عندما أكد أن « سد النهضة يحقق منافع للسودان أكثر من الأضرار، لذلك هو أقرب للموقف الإثيوبي من المصري». مظاهر هذا التعاون الواضح بين إثيوبيا والسودان في الفترة الأخيرة، ظهرت في اعتزام إثيوبيا بناء ميناء بحري خاص بها داخل الأراضي السودانية لتسهيل عملية نقل البضائع وعملية التصدير والاستيراد من وإلى إثيوبيا ، حيث أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين، أن حكومته تعتزم بناء ميناء داخل الأراضي السودانية، وأكد أن بلاده ستحصل على قطعة أرض بالسودان. وذكر موقع (ديرتيو) الإثيوبي، أن الحكومة ستحصل على أرض من السودان من أجل بناء الميناء لتستخدمه لأغراضها التجارية، وأشار إلى أن الهدف من بناء هذا الميناء هو أن إثيوبيا دولة معزولة لأنها لا تطل على أي بحار، منذ انفصال إريتريا. الأمر الآخر والذي تعجب منه الكثيرين ويشير إلى مدى ترابط العلاقة في الفترة الأخيرة بين البلدين، هو الانتقاد الشديد للصحف المقربة من الحكومة الإثيوبية لمنظمة «هيومن رايتس» الأمريكية، بعد اتهامها لقوات الدعم السريع السودانية بارتكاب جرائم حرب، وادعى الإعلام الرسمي الاثيوبي أن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تقوم بفبركة معلومات وأدلة وردت في تقريرها ، بشأن عمليات القوات السودانية، ووصفت التقرير بالمتحامل ويستند على روايات خيالية. وبعد استنكار السودان لهذا التقرير الذي أكدت أن المنظمة تعتمد فيه على معلومات غير صحيحة، أصدرت وزارة الداخلية الإثيوبية، بيان إلى الصحف بوقف التعامل مع منظمة «هيومن رايتس ووتش»، تضامنًا مع السودان لحين معرفة نتائج ما حدث وصحته. ويري المراقبون أن النظام السوداني لم يكن له حرية الاختيار، بعد سقوط الإخوان في مصر، في ظل عزلة دولية يواجهها البشير المُلاحق من المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى الخلافات السياسية داخل السودان وكثرة المعارك وانتشار السلاح، مما أصبحت السودان دولة غير جاذبة على نحو متزايد للاستثمار الأجنبي أو الخليجي، في المقابل استطاعت إثيوبيا أن تكون دولة لها تأثير سياسي واقتصادي كبير في السودان، مما جعلها تتحكم في الملفات والأزمات التي تحيط بالخرطوم داخليًا وخارجيًا، منها إجراء كافة الحوارات السياسية التي تخص المتنازعين في جنوب السودان في أديس أبابا ، فضلًا عن أن استضافة إثيوبيا الحوار السوداني الخاص بقضية دارفور، كما أن إثيوبيا قامت بنشر قوات حفظ سلام عند منطقة أبيي قوامها أربعة آلاف جندي كجزء من قوة الأممالمتحدة المؤقتة، وهو ما يؤكد صعودا في رحلة العلاقات بين الخرطوموأديس أبابا. فضلاً عن كل ذلك سعت أديس أبابا في الفترة الأخيرة إلى إقناع الدول الأفريقية بدعم احتياجات الخرطوم للحفاظ على استقرارها واستغلال انشغال جيرانها العرب في مشاكلهم الداخلية، وهو ما أدى إلى بروز تحولات في علاقة جديدة بين السودان وإثيوبيا. وفي ظل التخوفات المصرية المستمرة من آثار سد النهضة، يرى الخبراء أن هذا التعاون والتحالف بين السودان وإثيوبيا من شأنه أن يزيد القلق والتوجس، ويرى أصحاب هذا الرأي أن السودان موقفه أقرب إلى إثيوبيا في ملف النهضة وفقًا لقرار سياسي لا فني، ووفقًا لأحد خبراء الشأن الإفريقي يستند قرار السودان السياسي إلى محورين، أولهما أن المياه التي سوف تأتى إلى مصر والسودان تمر على الخرطوم أولا وبالتالي فأي نقص سيحدث ستخصمه السودان من حساب مصر المائي، وثانيهما أن السودان لديه الكثير من الأزمات والمشكلات داخليًا وخارجيًا، وبالتالي فهي لا تريد أن تخسر الطرف الإثيوبي الذي يلعب دائمًا دور الوسيط.