تزخر مصر بالعديد من الأماكن والآثار التاريخية التي يجهل الكثير من المصريين تاريخها الحقيقي، في ظل عدم انتشار الوعي الأثري والتاريخي.. و"البديل" بدورها تبنت حملة "اعرف تاريخك"؛ لنشر الوعي لدى المواطن المصري بتاريخ بلاده من خلال آثارها، وحديثنا اليوم عن القبة الفداوية. يقول صلاح الناظر، الباحث الأثري الحر، إن القبة الفداوية تقع بشارع العباسية، وتحمل رقم 5 أثر، أنشأها الأمير يشبك عام 884 هجرية/ 1479م، والقبة وإن كان مُنشِئُها الأمير يشبك بن مهدي، إلا أنه كُتِب عليها اسم سيده الملك الأشرف قايتباي، حيث نقرأ على جانبي الباب القبلي "أمر بإنشاء هذه القبة المباركة سيدنا ومولانا السلطان المالك الملك الأشرف أبو النصر قايتباي أعز الله أنصاره بمحمد". وأضاف "الناظر" أن الأمير يشبك بن مهدي من خيرة أمراء دولة المماليك الجراكسة، امتلكه الظاهر جقمق، وتقلب في جملة وظائف في دولته ودولة "الأشرف إينال" إلى أن عُيِّن سنة 871ه/1466م في دوله الظاهر خشقدم في وظيفة كاشف للصعيد بأسره ونائباً للوجه القبلي بأكمله إلى أسوان، وأنعم عليه بإمارة عشرة، وهي "وظيفة قائد فرقه من عشره جنود" فحكم البلاد، وفي دولة الأشرف قايتباي نال حظوة كبيرة، وعينه "داودًا كبيرًا" وهي "الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير، ويتولى أمرها مع ما ينضم لذلك من الأمور اللازمة من حكم وتنفيذ أمور وغير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال"، ثم أضاف إليه الوزارة، ثم الإستادارية، لقب مملوكي يطلق على القائم على الشؤون الخاصة للسلطان، وسكن في قاعة ألماس تجاه مسجده، ثم انتقل إلى قصر الأمير "قوصون" خلف مسجد السلطان حسن، وأدخل عليه إصلاحات، وكتب اسمه وألقابه. وتابع: "أمر الأمير يشبك بن مهدي في سنة 884ه/1479م بإزالة القبور في المنطقة الممتدة من العباسية إلى الحسينية وكذلك الدور، وغرس مكانها حدائق غناء، وحفر بئرًا عظيمة فوقها أربع سواقٍ، وأنشأ مناظر للنزهة وحوضًا كبيرًا لشرب الدواب، وأنشأ قبل القبة تربة كبيرة ألحق بها مساكن للصوفية وشيخهم، وبني بجانب التربة مدرسة وسبيلاً وحوضاً لشرب الدواب، وشق ترعًا كبيرة، يجرى فيها الماء إلى المزارع، حتى صارت المنطقة من أبهج المنتزهات". وأوضح "الناظر" أن القبة من الخارج بسيطة وقاعدتها المربعة مبنيّة بالحجر وبوجهتها القبلية المدخل، والقبة مبنية بالطوب وليس بها زخارف سوى صف من الشبابيك المعقودة والمفتوحة برقبتها، ويتوصل إلى المدخل ببعض درجات من الرخام، وتغطي المدخل مقرنصات جميلة كُتبت بأسفلها آية قرآنية ثم اسم قايتباي وأدعية له، كما كُتب اسم قايتباي في طراز مكتوب على يمين ويسار المدخل، وهذا المدخل يؤدي إلى مربع فسيح طول ضلعه 14.30 متراً تغطيه القبة. وأشار إلى أن منطقة الانتقال من المربع إلى استدارة القبة تتكون في كل ركن من أركان المربع من عقد كبير ينتهي بمقرنصات، ويعلو منطقة الانتقال في القبة طراز، كما يغطى القبة ومنطقة الانتقال زخارف من الجص الملون، ويقوم مربع القبة على طابق أرضي مكوّن من ثلاث قاعات مستطيلة مغطاة بقبوات، وبالجهة البحرية منه سلم يؤدي إلى أرضية القبة، وهو المنبر الصغير الموجود الآن بالقبة. واستطرد "الناظر": "أما من الداخل، فكانت الجدران مغطاة بوزرة رخامية بارتفاع 3.50 مترًا، وفى منطقة الاتصال بين القاعدة المربعة والفتح المستدير من القبة أربعة عقود بزواياها وبداخلها مقرنصات بدلايات مشحونة هي وجدران المربع وعقد القبة وقطبها بزخارف من الجص الملون، وهى القبة التي أنشأها بكوبري القبة بها مناظر زخرفيه مغايرة للقباب التي شاعت بمصر في القرن 9ه/15م". ولفت الباحث الأثري إلى أنه في سنة 1899 أدركت لجنة حفظ الآثار العربية القبة وهى بحالة سيئة جدًّا، وعُنيت بإصلاحها، وقوَّمت مبانيها، وأحدثت بابًا لها بالجهة الشرقية، وكانت أمام الوجهة الشرقية قطعتا أرض يشغلهما مقهى ومركز للدخولية "جماعة تحصيل جباية الضرائب على جميع ما يدخل القاهرة من حبوب وخضراوات وفواكه وصناعات في زمن الخديوي إسماعيل"، فأزالتها، ووضعت لوحة تذكارية تضمنت ترميم القبة سنة 1317 من الهجرة. وفى سنة 1319ه، أعدت لجنة حفظ الآثار العربية القبة للصلاة، ووضعت لوحة تذكارية بناء على طلب تقدم به سكان العباسية، ونفذه ماهر باشا محافظ مصر في ذلك الوقت.