يجعل كلامنا خفيف عليكم، يا صايمين رمضان، لا بنحكي عن عنترة، ولا بن ذي يزن، ولا الهلايلة، ولا حتى بيبرس، ولا الأمير البهلوان.. كان يا «مكان»، من غير ربابة ولا طبلة ولا مزمار، نحفظ كافة الأشعار، بألف حكاية وحكاية، نلم شمل العطشانين، والسهرانين في نهار رمضان.. كان يا «مكان».. كان اسمه الأمير أزبك اليوسفي، كان من أكبر أمراء دولة المماليك الجراكسة، ومن أعظم قادتها ومن المبرزين في عصر السلطان قايتباى، وقد تقلب في عدة وظائف كبيرة، حتى أصبح في عهد الملك الناصر محمد بن السلطان قايتباى مشيرًا للمملكة. مدرسته تقع بحارة أزبك المواجهة للمتنزه، قرب جامع أحمد بن طولون بالقاهرة، أنشأت في سنة 900 هجرية. هذه المدرسة حافلة بالزخارف والكتابة، فقد اجتمعت فيها شتى الصناعات والفنون الدقيقة، فنجارته الممثلة في المنبر وكرسي السورة، وأرضيته ووزراتها الرخامية وأسقفها الخشبية، جميعها ناطقة بما بلغته هذه الصناعات من منزلة رفيعة من الدقة والإتقان. ولها واجهتان: إحداهما بحرية والثانية شرقية، يقع المدخل بالأولى، وبالطرف الغربى منها حوض لسقى الدواب وبقايا أبنية أخرى، وبالطرف الشرقى سبيل يعلوه كتاب، وتقوم إلى جانب المدخل منارة مكوّنة من دورتين تتكوّن كل منهما من مقرنصات جميلة. وكانت تنتهى من أعلى بمسلة مخروطية وضعت مكان الجزء الأصلى فى العصر العثمانى أزالتها إدارة حفظ الآثار العربية فى سنة 1947م وأعادت بناء هذا الجزء العلوى كأصله. بنى هذا المدرسة على نظام التخطيط المتعامد، إذ تتألف من صحن مسقوف بوسطه شخشيخة تحيط به أربعة إيوانات اثنان منها كبيران وهما إيوان القبلة والإيوان المقابل له، وأما الآخران وهما الجانبيان فصغيران. وأرضية الصحن تعتبر من النماذج الجميلة للأرضيات الرخامية. ويحيط بإيوان القبلة وزرة من الرخام الملون، يتوسطها محراب رخامى بجواره منبر من الخشب دقيق الصنع، وبأعلاها شبابيك من الجص المفرغ المحلى بالزجاج الملون، وجميع الكتابات سواء منها المحفورة فى الحجر أو الخشب تتضمن آيات قرآنية واسم المنشئ وتاريخ الإنشاء. وبدائرة صحنه من أعلى نقش في الحجر آيات قرآنية، ومكتوب بجدار الصحن القبلي: "أمر بإنشاء هذه المدرسة المقر الأشرف الكريم العالي المولى السيفي أزبك أمير سر نواب النوبة الملكي الأشرفي". أما الكتابة المنقوشة فوق المدخل فنصها: "أمر بإنشاء هذه المدرسة العبد الفقير إلى الله تعالى المقر الأشرف الكريم العالي السيفي أزبك اليوسفي أمير رأس نوبة النواب الملكي الأشرفي بتاريخ شهر شعبان سنة خمس وتسعمائة كان أزبك اليوسفي من أمراء السلطان قايتباي وقد توفي عام 904ه".