دعوات لتطوير أداء المؤسسة بما يناسب تحديات العصر تكليف الرئيس بتجديد الخطاب الديني فرصة ذهبية للتحديث على مدار أعوام مضت سخر الأزهر أدواته للدفاع عن الإسلام في دول الغرب، وتوالت الخطابات والمراسلات من الأزهر بمطالبة وسائل الإعلام الغربية بالامتناع عن الإساءة للإسلام، كما أن الأزهر ذلل الكثير من أدواته للرد على الأعمال الفنية المسيئة، ذلك ما طرح عدة أسئلة حول دور الأزهر الفترة القادمة، وهل سيستمر على ذلك النحو أم سيتغير بما يتواكب مع متطلبات الفترة القادمة. لم يقتصر دور الأزهر على ذلك فحسب، فقد سخر كل طاقته للاعتراض على الأعمال الفنية المسيئة للإسلام أو المتضمنة مخالفة لتعاليمه، كفيلم "محمد رسول الله"، ولم يكن هو الأول الذي يبدي الأزهر اعتراضه عليه، فقد سبقه العديد من الأعمال، كفيلم "نوح"، الذي رفض الأزهر عرضه في مصر على اعتبار أنه يُجسّد شخصية نبي الله نوح، بعد أن أوضح في بيان له أن "الإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، يرفضون عرض أي أعمال تجسّد أنبياء الله، لأنها تتنافى مع قامات الأنبياء والرسل، وتمسّ الجانب العقيدي وثوابت الشريعة الإسلامية، وتستفزّ مشاعر المؤمنين". وأضاف البيان أن عرض الفيلم "محرّم شرعا، ويمثل انتهاكا صريحا لمبادئ الشريعة الإسلامية التي نصّ عليها الدستور، والأزهر الشريف باعتباره المرجعية في الشؤون الإسلامية يطالب الجهات المختصة بمنع عرض الفيلم"، وأفتت هيئة كبار العلماء في الأزهر، بأن من يشاهد تلك الأعمال "آثم". أيضا لم يكتف الأزهر بالرد على الأعمال الفنية والدفاع عن صورة الإسلام في الخارج فقط، فقد انبرى كذلك للرد على تنيظم داعش لاستخدامه بعض المفاهيم الخاطئة في بياناته، وقال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية "إن تنظيم داعش الإرهابي يستغل اللغة العربية في خطاباته الحماسية المنتشرة عبر وسائل الإعلام المختلفة لجذب الشباب والمراهقين المغامرين الباحثين عن الإثارة في الانتماء لتيارات تحمل أفكارا خطرة يغلب عليها الحماس الديني". وأشار إلى أن التنظيم يتعمد دعم تلك الخطابات بغريب المفردات وشواذ الكلمات التي عفا عليها الزمن، ولم تعد دارجة في أيامنا هذه، فيمارس التنظيم الإرهابي استعراض قوته مستخدمًا فحولة لغوية وقدرات بلاغية مستقاة بعشوائية من التراث، إضافة إلى تماديه في منهج التدليس وتلبيس الحق بالباطل باختيار مصطلحات وتراكيب القرآن الكريم في خطاباته، لينسب ممارساته الإرهابية إلى الشريعة الإسلامية. من جانبه، قال الشيخ محمد عبد الله نصر، إن أولوية الأزهر هو أن يعود "أزهر لا أظلم"، لأن كثيرا مما يوجد فيه الآن لا يمت إلي الإسلام بصلة، خاصة ما يدرس بالمناهج الأزهرية والأنشطة الموجودة بداخله، فالردة والرجم وسبي النساء وغيرها من الأفكار التي تقارب فكر تنظيم داعش، مما يتم تدرسه بالأزهر، مشيرا إلى أن الخدمة التي ينبغي أن يقدمها الأزهر هي أن يطهر نفسه ويفتح باب الاجتهاد، وأن يمتلك الجرأة والشجاعة في مواجهة الأفكار المتطرفة، وأن يفتح باب الاجتهاد، بالإضافة إلي تطهير نفسه من الإخوان والسلفين. وتساءل نصر: كيف يمكن للأزهر أن يواجه داعش والتنظيم يستقي أفكاره منه ومن الكتب التراثية التي يدافع عنها الأزهر، كما أن الأزهر لايكفر داعش، وهو ما يشكل أزمة كبيرة، خاصة وأن التنظيم الإرهابي يقتل بلا هوادة، فالتنظيم يقتل المرتدين من عناصر الجيوش التي يعتبرها جيوشا كافرة، كما أن داعش يقر الخلافة وهي تدرس في الكتب الأزهرية وتتبناها كتب التراث التي يدافع عنها الأزهر. وأضاف أن الحل لعودة الأزهر إلي ما كان عليه في السابق هو قيام ثورة ضده لإجباره على استعادة منهجيته التي افتقدها، مشيرا إلى أن تلك الثورة لن يقودها الأزهر بنفسه وإنما ستأتي من التنويريين. وقالت الدكتورة نهى أبو بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إن دور الأزهر من الأهمية بمكان، وهو مستمر في العطاء، مشيرة إلى أنه لا يجب أن يتأثر بتغير الحكومات، فهو منذ نشأته يعمل على تخريج العلماء، بالإضافة إلى أنه يستقبل البعثات من الخارج، لذلك توجه الرئيس السيسي، في عدد من خطاباته إلى الأزهر مطالبا إياه بالعمل على تجديد الخطاب الديني وتحويله إلي الوسطية وقبول الآخر. وأضافت أن علينا أن ندرك أن الأزهر به قوى مختلفة، بعضها يميل إلى الفكر المتشدد وبعضها تحمل أفكارا مستنيرة، لافتة إلى أن الأزهر يفتقد القيادات المستنيرة لتغيير الفكر الديني ليتواءم مع العصر ويتواكب مع متطلباته. وأوضحت، أن الأزهر أمامه فرصة ذهبية لتغيير خطابه، ولكن تنقصه القيادات المستنيرة، مؤكدة أن على الأزهر استخدام التكنولوجيا التي تتناسبب مع الشباب والتخلي عن الأداوت القديمة، مشيرة إلى الفرصة الذهبية التي تتوفر أمام الأزهر بعد دعوة الرئيس الذي كرر طلبه مرارا، وإن كنا لم نشعر بعد بدور الأزهر في إقرار الوسطية. الدكتور أيمن عبد الوهاب، أستاذ العلوم السياسية، قال إن مؤسسة الأزهر عليها دور كبير خاصة في الفترة القادمة، ولابد أن تتكاتف معه جميع المؤسسات للوصول إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع لأنه في النهاية مؤسسة واحدة، كما أن القضية لم تعد مجرد خطاب ديني فقط. وأضاف أنه من المفترض أن يزيد الشق الخاص بالتعريف والتوعية بصحيح الدين، وأن يكون هناك دعم حقيقي لكي يستطيع الأزهر أن يلعب دوره بشكل حقيقي، وذلك مرتبط بتطوير دور وأداء الدعاة، وهو ما يتشابك مع وزارة الأوقاف، فالتفاؤل بدور الأزهر أصبح يتجاوز الواقع ولم يعد وحده يكفي، بل لابد من تقوية المؤسسة الدينية بتوفير الموارد والإمكانيات، والاهتمام بالدعاة، وأن يمثل خريج الأزهر سماحة الدين الإسلامي.