رفض بعض علماء مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء والأوقاف الايضاحات التي أعلنها د.جابر عصفور وزير الثقافة والتي تحدد موقفه من عدم ممانعته عرض فيلم "نوح" وذلك انطلاقا من أن تمثيل الأنبياء غير المسلمين في السينما الأوروبية والأمريكية أمر خاص بعقائد ديانات صناع هذه الأفلام واجتهاداتهم الدينية الخاصة التي ينبغي أن نحترمها بحكم الجوار والتعايش والمواطنة وقبول الآخر. كما رفضوا بشدة فتح باب الاجتهاد في هذه المسألة مؤكدين ان الأزهر وكل المجامع الفقهية حسمت الأمر وحرمت بالإجماع تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية.. وأن الموافقة علي عرض فيلم نوح نوع من فتح باب الاجتهاد لتجديد الخطاب الديني مرفوض أيضا فالتجديد وإن كان ضرورة في الأمور الأخري إلا أن الثوابت خط أحمر لا يمكن الاقتراب منها. الدكتور محمود مهنا - عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف - ينصح د.جابر عصفور بعدم السير ولا الاجتهاد في هذا التيار المخالف لدين الله عز وجل ولكل الأديان السماوية.. فالأنبياء يوحي إليهم من قبل الله وهم معصومون من الأخطاء كبيرها وصغيرها.. وقد وصف الله نوحا بأنه كان عبدا شكورا وقال له في كتابه الكريم: "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا" وقال نوح لقومه: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" إلي آخر الآيات في سورة نوح. ومن هنا فإن اجتهاد د.عصفور مرفوض لأنه لا اجتهاد مع النص والدليل علي ذلك ان عائشة رضي الله عنها وقفت تشبه مشية امرأة من النساء فقال لها النبي - صلي الله عليه وسلم - "لقد اغتبتها" فإن كان هذا حال امرأة طاهرة مع مثيلتها لا يجوز أن تمثلها فهل يجوز تجسيد نوح أو أي نبي من بعده. ويذكر د.مهنا قصة الممثل الذي جسد دور عمر بن العزيز وقام به خير قيام ثم بعد ذلك شاهدناه في فيلم آخر يقبل امرأة فقال الشباب عمر عبدالعزيز يقبل الفتيات!! أما بالنسبة لحجة د.عصفور بأنه ينبغي أن نشاهد هذه الأفلام انطلاقا من أن تمثيل الأنبياء غير المسلمين في السينما الأوروبية والأمريكية أمر خاص بعقائد ديانات صناع هذه الأفلام واجتهاداتهم الدينية الخاصة التي ينبغي أن نحترمها بحكم الجوار والتعايش والمواطنة وقبول الآخر. يقول د.مهنا إن الإسلام يعترف باليهودية والمسيحية كأديان سماوية لكن لهم ثوابتهم ولنا ثوابتنا ولهم معتقداتهم ولنا معتقداتنا ونحن نعترف بالآخر في كثير من الأمور لكن في الأمور العقائدية والثوابت الدينية نرفض التدخل فيها بأي حال من الأحوال فباب الاجتهاد يكون في العلوم الشرعية أو أي قضايا أخري بعيدة عن الثوابت. آلام المسيح الدكتور محمد الشحات الجندي - أمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية الأسبق - يرد علي د.جابر عصفور في نقطة أثارها عندما وافق علي عرض "آلام المسيح" حين كان أمينا للمجلس الأعلي للثقافة ولم يجد رفضا صريحا ولا حتي بأي تلميح من المرحوم د.سيد طنطاوي حين كان شيخا للأزهر وقتها وهو من الأسباب التي دفعته إلي إعلان عدم ممانعته في عرض فيلم "نوح" فيقول د.الجندي إن هذه الردود استفزاز لمشاعر المسلمين خاصة ان مجمع البحوث الإسلامية حرم تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية منذ زمن طويل وقبل وأثناء تولي د.طنطاوي منصب شيخ الأزهر.. وأن سكوت د.طنطاوي رحمه الله لا يعني أن غير الأزهر قراره في عدم تجسيد الأنبياء.. وهذا معناه ان الأزهر علي مدي تاريخه وهو يحرم هذا الأمر وليس الأزهر فحسب بل كل المجامع الفقهية الأخري. د.الجندي يري أنه لا مانع من استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في أدوار الأنبياء أما ان يظهروا بأجسادهم وصورهم فهذا مرفوض فعندما يتم تمثيل شخصية حقيقية لا يمكن ان تكون مشابهة لشخصية النبي أو الرسول لأنهم غير البشر ومعصومون من الخطأ. ويتساءل د.الجندي ما السر في إصرار د.عصفور بالموافقة علي فيلم "نوح" وهو علي الأقل محل خلاف بين العلماء وألم يعلم وزير الثقافة ان كلامه هذا من الممكن أن يتسبب في حدوث فتنة المجتمع في غني عنها هذه الأيام؟ فالوقت ليس مناسبا نظرا للأحداث التي يمر بها المجتمع. قال إن هناك وسائل تكنولوجية مستحدثة يمكن أن تبرز مدي التضحية التي يقوم بها الأنبياء افتداء للبشرية كما يقول د.عصفور.. وأيضا إبراز مدي العذاب الذي تحمله كل نبي في سبيل توصيل رسالته الإعلامية إلي أبناء الانسانية جمعاء دون اظهار لشخصية هذا النبي علي الطبيعة وبشرط ألا تستخدم هذه الوسائل في خدش حرمة هؤلاء الأشخاص ولا تنطوي علي التجسيد المباشر. أما بالنسبة لفيلم "آلام نوح" يقول د.الجندي ان الفيلم عندما عرض في السينما الأوروبية قامت مظاهرات هناك واحتجاجات علي تصوير المسيح واعتبروا ذلك امتهانا له ولشخصه. من هنا كما يقول الأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية الأسبق فإن الأزهر لم يكن جامدا في أفكاره ولا سياساته فهناك مؤسسات أخري اعترضت علي "آلام المسيح" وعرض فيلم "نوح".. التجديد مطلوب ولكن أكد الشيخ إبراهيم الحشاش - وكيل وزارة الأوقاف بالمنوفية - ان الأنبياء تعاقبوا علي أقوامهم كل منهم بخطاب جديد ليعالج مشكلة متأصلة في قومه قال تعالي: "ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" فالخطاب متطور مع الاتفاق في العقيدة وكل نبي جاء بشرع جديد به تجديد لبعض الأحكام والأمور الشخصية لمناسبة الأحداث ومواكبة العصر. أضاف الحشاش ان الإمام الشافعي رضي الله عنه أدلي بفتوي في العراق وعندما جاء لمصر رأي اختلاف المجتمع فغير بعض الفتاوي لمواكبة المكان والأحداث وطبيعة الناس وبالتالي فإن التجديد مطلوب ويرقي إلي درجة الفريضة لأن المجتمع متغاير ومتباين ولابد من فهمه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لإعطاء المعلومة المناسبة للمجتمع إلا أنه يجب التفريق بين الثوابت والمتغيرات في الدين فهناك حدود للشريعة لا يجب المساس بها تحت أي زعم كما ان التجديد لا يجب أن يعني الاستخفاف بكل ما هو قديم فليس كل قديم يعني التأخر والتقصير وتجسيد الأنبياء يعتبر من الثوابت التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان ولا يصح الافتاء بجوازه من عدمه إلا من خلال أهل الذكر المتمثل في مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء ودار الإفتاء والأزهر الشريف. يقول الشيخ السيد الهادي - مدير عام أوقاف الزقازيق - إن تجديد الخطاب الديني لا يعني التخلص من الثوابت الدينية ولا التخلي عن القواعد الفقهية التي أسسها العلماء والفقهاء من خلال ما ورد من صحيح السنة عن النبي - صلي الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين ولكن الخطاب الديني يعني ان يعيش المتحدث سواء كان خطيبا أو داعية مع قضايا العصر وأن يجدد من أسلوب دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة مستعينا بما سبقه من العلماء والفقهاء ومن هنا لا يجوز بحال من الأحوال تجسيد الأنبياء ولا الصحابة في الأفلام والمسلسلات ويجب علي القائمين علي هذه الأعمال أن يجددوا من فكرهم وطريقتهم في عرض الأفلام والمسلسلات للوصول إلي المعني المراد دون المساس بخصوصيات الصحابة والأنبياء النورانية لأن هذا التجسيد يضر بعقيدة المتلقي من خلال الممثل القائم بهذا الدور حينما يقوم بدور مخالف وسلبي فكيف يصدق المشاهد دور الإصلاح الذي قام به نفس الممثل مما يحدث خلل عند المسلم المشاهد. لهذا الفيلم فضلا عن عدم وجود الشخصية التي تجسد نبيا من الأنبياء لا في شكله ولا أخلاقه وبالاشارات والإيحاءات قد يفهم المشاهد الشخصية المعبرة أكثر من الشخصية المجسدة علاوة علي ان القائم بهذا العمل والمساهم فيه ربما يكون لديه خلل في عقيدته مما يدفعه إليه ويجب علي الدولة أن تقف موقفا حازما خاصة بعد إصدار الأزهر الشريف بيانه وحكمه في هذا الشأن.