صاحب البيان الأدبي الأكبر الذي أنتجته أوروبا أثناء العصور الوسطى، وقاعدة اللغة الإيطالية الحديثة، «الكوميديا الإلهية» بشقيه الفردوس والجحيم، الشاعر الإيطالي «دانتي أليغييري» ولد بمدينة فلورنسا في 1 يونيو 1265، وتوفى في مثل هذا اليوم الرابع عشر من سبتمبر عام 1321. تواصل جمعية «دانتي أليغييري» التي تأسست في إيطاليا عام 1889 للترويج للثقافة واللغة الإيطالية حول العالم باسمه، ولد «دانتي» في عام 1265، قال بأنه ولد في برج الجوزاء، عندما كان رضيعاً، كان اسمه «دورانتي» في فلورنسا، واسم «دانتي» هو نسخة مصغرة من ذلك الاسم. ولد «دانتي» في عائلة «أليغييري» المعروفة في فلورنسا، المتحالفين مع الغويلفيين، وهم الحزب السياسي الداعم للبابوية، الذي يعتبرون أعداء للغيبيلينيين، كان أبوه أليغييرو دي بيلينسيوني غويلفياً أبيضاً، لكنه لم يرد أن يقوم بأية أعمال انتقامية بعدما انتصر الغيبيلينيون في معركة مونتابيرتي. لا يعرف الكثير عن تعليم دانتي، ويفترض بأنه قد تلقى تعليمه في المنزل، ومن المعروف أنه درس الشعر التسكاني، في الوقت الذي بدأت مدرسة سيسيليان أن تصبح معروفة في تسكانيا، جعلته اهتماماته يكتشف المنشدين والشعراء البروفانسيين، والثقافة اللاتينية. عندما أصبح عمره 18، قابل جيدو كافالكانتي، ولابو جياني، وسينو دا بيستويا، ومباشرة بعد ذلك برانيتو لاتيني، الذين أصبحوا سوية. يعد قسم الجحيم الأشهر في ملحمة «الكوميديا الإلهية»، ويتألف من 34 مقطعًا أو أنشودة، بينما يتألف كل من القسمين الآخرين من 33، أي أن الكوميديا الإلهية مكونة من 100 مقطع أو أنشودة ككل، وتتألف الملحمة من 14 ألف و 14233 بيتًا شعريًا. رحلة دانتي في الآخرة بحسب أحداث الملحمة استغرقت أسبوع؛ يومان في الجحيم، وأربعة في المطهر، ويوم في الجنة. ويتألف كل جزء من ثلاث وثلاثين قصيدة، بعدد متساوٍ من الأبيات، مضيفاً أنشودة في المقدمة ليصل الرقم إلى المئة رمز الكمال، وبطلها هو دانتي نفسه التائه عند مفترق الطرق وسط غابة مظلمة تغصّ بالذنوب، ويصف في قصيدته هذه عالماً أبدعه في مخيلته، فيه مكان للخير، وكذلك للشر الذي يراه الشاعر نتيجة للعجرفة المفرطة في سلوك أول ملاك تمرد على حكمة الرب، ويرى دانتي أن مصدر الشر هو الإنسان ذاته، إذ يقول في المطهر وفي القصيدة السادسة عشرة "إذا كان العالم الحالي منحرفاً وضالاً فابحثوا عن السبب في أنفسكم"، لأن الإنسان يبحث دوماً عن مصدر الشر فيما حوله منزهاً نفسه وملقياً المسؤولية على السماء. وتكمن المأساة، في رأي دانتي، في العقول النائمة، فالمدانون في الجحيم هم أولئك الذين فقدوا القدرة على التفكير والإدراك والفهم. وهو عندما ينظر إلى أعماق الإنسان يرى أن قلبه يتآكله الحسد والبخل والطمع. يتصور «دانتي» موقع الجحيم بعيداً ويتصور جزيرة صغيرة وسطها غابة تنبض بالحياة وترمز إلى فردوس الإيمان على الأرض، فهو يصبو في قرارة نفسه إلى رحلة ارتقاء روحي نحو الكمال يقوده فيها ڤرجيل أولاً، ومن ثم بياتريتشه إلى العالم الآخر بهدف التقرب إلى الخير الأعلى والسكينة الدائمة، فالحقيقة الإلهية في نظر دانتي واحدة وإن اختلفت الديانات، حقيقة أعلنها الأنبياء وأولهم موسى، كان «دانتي» يؤمن بوجود إله واحد أبدي يحرّك ولا يتحرك، وبأن هذه الحقيقة موجودة في الكتب السماوية ويمكن لأي إنسان أن يكتشفها إن أعمل عقله، وكان في الوقت ذاته يدافع عن طبقة حاكمة نبيلة تصل إلى السلطة بالعلم والفضيلة. «الكوميديا الإلهية» هي عبارة عن مجموعة شعرية ضخمة تصف الجنة والنار من وجهة نظر دانتي، وكلمة "كوميديا" في الأدب تعني الملهاة أو السعادة أو النهاية السعيدة في الأعمال الفنية أو الأدبية، على عكس تراجيديا التي تعني المأساة أو النهاية المأساوية. أي أن الكوميديا الإلهية تعني الحكم الإلهي أو النهاية الإلهية السعيدة، أي عندما يتعذب "الكافر" ويسعد "المؤمن" من وجهة نظره.