أحيا المسرحيون المصريون، الذكرى العاشرة لمحرقة مسرح قصر ثقافة بني سويف، والتي راح ضحيتها 52 من الفنانين والنقاد في مهرجان نوادي المسرح في 5 سبتمبر 2005، وحتى يومنا لم يحاسب المسؤولين عن الكارثة التي استغلت في المقابل في إغلاق المزيد من المسارح، وزيادة سطوة الدفاع المدني ودوره في إطفاء أنوار كثير من المسارح خاصة في الأقاليم. تجدد الاهتمام بقضية ضحايا المسرح وأوضاع الحركة المسرحية بعد ثورة 25 يناير، وتصاعدت المطالب بحقوق الشهداء وتحقيقات أكثر جدية، وأعلن الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق، يوم 5 سبتمبر يومًا للمسرح المصري ومع تراجع كل ماله علاقة بالثورة، تراجع أيضا الاهتمام بذكرى الشهداء رسميًا. كما تم تجاهل تسمية يوم المسرح المصري رسميًا. وشعبيًا لم يعد إحياء الذكرى في "الفن الميدان" طقسًا سنويًا، إذ قضت الدولة على تجربة "الفن ميدان" وتظاهرات الشارع بشكل عام. وهذا العام جاء إحياء الذكرى باحتفاليات متفرقة هنا وهناك باجتهادات ذاتية في مواقع هيئة قصور الثقافة في المحافظات، في قصر ثقافة بني سويف وفي الفيوم أحد أخلص مواقع قصور الثقافة لإحياء ذكرى شهدائهم، وفي المنيا وغيرها، دون خطة من الهيئة. وضمن فعاليات الدورة الثامنة للمهرجان القومي للمسرح، أقيمت أولى ندواته بعنوان "حضور رغم الغياب" أدارها الناقد أحمد خميس ضمت شهادات لعدد من المسرحيين ورئيس هيئة قصور الثقافة، حول شهداء المسرح، واختتمت بوقفة بالشموع أمام المجلس الأعلى للثقافة، شارك بها عدد محدود من المسرحيين، حيث لم تجد تنظيم مسبق أو إعلان كاف عن إقامتها لحشد جمهور المهرجان للمشاركة بها أو إقامة شكل احتفالي بصور ومطبوعات واحتفالية غنائية وأشعار كما كان يحدث في السنوات السابقة. جاءت غالبية الشهادات في الندوة حول الراحلين من فناني القاهرة والأسكندرية، وبدا واضحا أنه لم تتم دعوة المبدعين من الأقاليم المختلفة، للمشاركة بشهاداتهم عن مسيرة من أضاءوا مسارح قصور الثقافة في المحافظات، ورحلوا في إحداها خاصة أن الندوة اعتمدت على شهادات شخصية، ولم يتم تغطية تجربة غالبية الراحلين. وتحدث رئيس هيئة قصور الثقافة الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف عن احتفاء الهيئة بالشهداء واهتمامها بتكريمهم وقال إنه سيعيد طباعة أعمالهم سواء النصوص المسرحية أو الكتابات النقدية، وسيستكمل إطلاق أسمائهم على بعض القاعات المسرحية. وحين سئل عن أسباب عدم تعيين بعض من المستحقين من ضحايا الحادث قال إن الفرصة كانت متاحة للتعيينات في أعقاب ثورة يناير وحتي 2013، ولكن ذلك أصبح صعبًا في الوقت الحالي لتوقف حركة التعيينات بشكل عام. في حين ردت عليه الفنانة مها عفت- منسقة لجنة أهالي مصابي وشهداء بني سويف، بأن كل ما تفعله هيئة قصور الثقافة، هو احتفاء شكلي بالراحلين، فلا يتم إنتاج أعمالهم إلا بالصدفة، كما أن قرار إطلاق أسمائهم على قاعات مسرحية في المواقع التي عملوا بها لم يستكمل، وما تم منه افتقد الإعلان والدعاية وتسليط الضوء على مسيرتهم ودورهم في مسرح الثقافة الجماهيرية، بل إن بعض اللوحات التي تحمل أسمائهم رفعت مرة أخرى عن مواقعها بحجج مختلفة، وطالبت بإقامة مهرجان يحمل أسمهم. كما طالب الكاتب المسرحي إبراهيم الحسيني، بإعادة طباعة أعمال شهداء ومصابي الحادث، وتقديم حوافز للمخرجين بمسرح الثقافة الجماهيرية لتقديمها خاصة أن الكثير من نصوصهم صالحة للإنتاج حاليًا، وماتزال القضايا التي طرحوها في أعمالهم تعبر عن واقعنا، لأنهم اختاروا الانحياز لهموم الناس. فيما طالب المخرج جمال ياقوت – وهو أحد مصابي سبتمبر- المسرحيين بعدم انتظار ما تقدمه المؤسسات لتكريم شهداء سبتمبر وإحياء مسرح الثقافة الجماهيرية. وإنما المبادرة بالقيام بذلك بأنفسهم، وقال إنه لا يؤمن بفكرة الاعتماد على المؤسسات لأنه لا أحد آخر سوى المسرحيين سيهتم بقضايا المسرح التي تمثل بالنسبة لهم هما شخصيًا، أما العاملين في المؤسسات سواء وزارة الثقافة أو الجامعة أو غيرها، فهم موظفين لا يحبون المسرح وإنما يعتبرونه عملهم المزعج. وفي شهادته عن الراحلين من شهداء الأسكندرية قال إن تجربته مع الثلاثة "الكاتب والمخرج مؤمن عبده والفنانين ياسر ياسين وسامية جمال"، تشكلت من خلال العمل معهم ومتابعة أعمالهم ويري أن ما يجمعهم كان فكرة "الحلم" التي كانت مسيطرة بشكل خاص على «مؤمن عبده» حتى فرضت المفردة حضورها في عدد من عناوين نصوصه كان منها آخر أعماله التي كان يفترض أن تقدم في مهرجان بني سويف، ولم يقدر له، وهي مسرحية "إمسك حلم" والتي اعتبرها أحد أفضل نصوصه، أخرجها إبراهيم الفرن ويظهر فيها اهتمام «عبده» الشديد بقضايا المسرح وفيها نشهد ثورة أجزاء خشبة المسرح رفضًا للفن الهابط، وختم جمال ياقوت شهادته بأن ما جمع بين هؤلاء المبدعين جميعًا كان انحيازهم للناس وللفن الحقيقي وكانوا ضد تقديم أشباه الأشياء في المسرح.