الفتوى والتشريع: القانون ينظم شغل وظائف التدريس بالجامعات    فرص عمل للمصريين في الأردن بمجال تربية الطيور..شروط وخطوات التقديم    رئيس جامعة أسيوط يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالجامعة الأهلية    الجنيه الإسترليني يسجل 66.78 جنيه مصري بالبنك المركزي    رئيس الوزراء يشهد احتفالات 123 عامًا على خدمة الإسعاف بمصر    صندوق تطوير التعليم يفتح باب التعاون بين مصر ومؤسسات ألمانية رائدة    وزير الري يوجه بتطهير مصرف البلبيسي بالقليوبية    إدارة ترامب تتخذ الخطوات الأولى لتخفيف العقوبات الأمريكية على سوريا    كونتي يحقق إنجازا تاريخيا غير مسبوق في الدوري الإيطالي    الأمن يحبط محاولة جلب وترويج حشيش صناعي ب 70 مليون جنيه    الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد لمدة 3 أيام    بعقارات وسيارات.. ضبط 3 أشخاص بتهمة غسل 60 مليون جنيه في المنوفية    أهالي ضحايا انفجار غاز أكتوبر يرفضون التصالح: "حق ولادنا مش هنفرط فيه" | فيديو    صدقي صخر عن فيلم "ولا عزاء للسيدات": "جريء ومختلف"    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    الصحة: الوصول إلى التغطية الكاملة للتأمين الصحي الشامل 100% بحلول 2030    مواعيد مباريات السبت 24 مايو - نهائي دوري أبطال إفريقيا.. والزمالك ضد بتروجت    ماجد سامي: زيزو فقد لقب أسطورة الزمالك.. وإمام عاشور لا يُشبه الأهلي    وزيرة البيئة: نسعى لاتفاق عالمي عادل لمواجهة التلوث البلاستيكي يراعي خصوصية الدول النامية    مكافأة وعتاب.. محمد رمضان يمنح طالب 50 ألف جنيه ويوجه له رسالة مؤثرة    الضفة.. الجيش الإسرائيلي يقتحم نابلس ويعتقل ثلاثة شبان    لماذا يصل تأثير زلزال كريت إلى سكان مصر؟.. خبير فلكي يجيب    إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بطريق بحيرة قارون السياحي بالفيوم    رئيس بعثة الحج: وصول 6720 حاجا للمدينة المنورة    صحيفة أمريكية: إدارة ترامب تحاول إقناع الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم على الواردات الصينية    فركش فيلم "روكي الغلابة" ل دنيا سمير غانم وعرضه بالسينمات بموسم الصيف.. صور    خلاف على «انستجرام» بين مراهقات يتحول إلى عنف خارج أسوار المدرسة    تشكيل بيراميدز المتوقع أمام صن داونز بذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    «التأمين الصحي» تطلق حملة «تأمين شامل.. لجيل آمن» بأسوان    13 لاعبا ولاعبة يتأهلون لربع نهائي بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    انخفاض أسعار البيض في الأسواق اليوم 24-5-2025 (موقع رسمي)    نائب وزير الصحة تشارك في جلسة نقاشية بعنوان "تعجيل التدخلات بشأن نقص المغذيات الدقيقة وتبعاته"    أحمد عيد يعود لتقديم الكوميديا السوداء في فيلم الشيطان شاطر    البابا تواضروس يترأس القداس من كنيسة العذراء بمناسبة يوبيلها الذهبي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    ضربات روسية غير مسبوقة على كييف: 14 صاروخًا باليستيًا و250 مسيّرة تُشعل سماء العاصم    موسم تاريخي ل"رجال يد الأهلي" بعد التتويج ب6 بطولات والابطال يتحدثون    محافظ أسيوط يتفقد قافلة طبية مجانية ومعرضًا فنيًا لطلاب الفنون التطبيقية بجامعة بدر    السكة الحديد: تأخر القطارات على بعض الخطوط لإجراء أعمال تطوير في إطار المشروعات القومية    "القاهرة _ واشنطن" جهود مشتركة وعلاقات وطيدة    ضبط عاطل بتهمة الاعتداء على طفل جنسيا في الحوامدية    تامر حسني يدعم كزبرة بعد أول حفل يجمعهما: «كمل يا وحش.. أخوك في ضهرك»    اليوم.. محاكمة متهمين ب«داعش العمرانية»    أغرب حكايات اضطراب النوم من داخل معمل «السلطان»    أخصائية اجتماعية تكشف أسباب ظهور سلوكيات عصبية الأطفال    ميلاد جديد ل«تاريخ لا يغيب».. العالم يترقب «سيمفونية الخلود» على أرض الأهرامات    د. هشام عبدالحكم يكتب: خد وهات.. لتبسيط المفاهيم الصحية    نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه    اليونيسف: إنشاء كيانات جديدة لإغاثة غزة إهدار للموارد والوقت    رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي بالقاهرة 2025 وخطوات الاستعلام عبر بوابة التعليم الأساسي    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    بينهم الشرع، الخزانة الأمريكية تصدر ترخيصا عاما بالتخفيف الفوري للعقوبات على سوريا    القيعي: الأهلي لم يحضر فقط في القمة.. وقرارات المسابقة «توصيات»    صلاح سليمان: مباراة بتروجت مهمة للزمالك لاستعادة الانتصارات قبل نهائى الكأس    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية
نشر في البديل يوم 03 - 09 - 2015

العنوان للكتاب الأهم والأبرز للكاتب والمفكر اللبناني حسين مروة، الذي ولد في العام 1908م بإحدى قرى جبل عامل، وقضى اغتيالًا بمنزله ببيروت في فبراير 1987م، ويعتبر الكتاب هو السفر الأكبر والأجل قيمة في موضوعه، ويعتبره الكثيرون أهم الموسوعات العربية التي تناولت هذا الجانب من الفلسفة العربية الإسلامية؛ بالرغم من أن كاتبه توفى قبل أن يكمل جزءه الثالث.
صدر الكتاب في نحو الألفي صفحة في أربعة مجلدات تحت العنوان المذكور كعنوان عام "غير أنَّ كل مجلد حمل عنوانًا خاصًّا وعالج موضوعًا واحدًا، المجلد الأول: النزوعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية الجاهلية نشأة وصدر الإسلام هذا هو عنوان المجلد، أما محتواه فهو عبارة عن مقدمة منهجية للكتاب ودراسة مرحلتي الجاهلية وصدر الإسلام. المجلد الثاني جاء تحت عنوان: "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية المعتزلة الأشعرية المنطق" وعالج موضوع علم الكلام عند المعتزلة والأشعرية، ثم علم المنطق الصوري لكون المعتزلة أول من استخدمه. أما المجلد الثالث فجاء تحت عنوان النزوعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية تبلور الفلسفة التصوف إخوان الصفا، وفيه تحدث المؤلف عن التصوف، وذلك عبر مثالين فقط هما ابن عربي والسهروردي، ورسائل إخوان الصفا، وقدم نبذة عن تطور العلوم عند العرب، وأخيرًا حمل المجلد الرابع عنوان النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية الكندي الفارابي ابن سينا، وفيه تحدث المؤلف عن مرحلة نضج الفلسفة عند كل من الكندي، الفارابي، ابن سينا".
يذهب الدكتور محمود أمين العالم في كتابه الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر إلى أن جوهر العملية التفسيرية التي تبناها مروة قد قامت على أسس المنهج المادي التاريخي؛ ولكن ذلك بحسبه لا يعد جانب التميز الأهم لديه، فكم ممن تبنوا نفس المنهج قد استحال الأمر لديهم إلى شكل مادي ميكانيكي أو إلى مثالية معكوسة، أما مروة فهو لا يقف ذات الموقف من الظواهر الفكرية المختلفة؛ اكتفاءً بكشف العلة؛ بل ينحو لتحديد العوامل المختلفة ذات الطابع التاريخي التي تداخلت في تشكيل وتخلّق تلك الظواهر؛ منطلقًا إلى تحديد الفاعلية والدلالة والوظيفة الاجتماعية التاريخية لهذه الظواهر.
قدم الدكتور مروة من خلال كتابه العديد من الإجابات الشافية في قضايا الفكر العربي الإسلامي، وعلى رأسها قضية الوجود والماهية، والعلاقة بين الفكر العلمي والفكر الفلسفي، وقضية التصوف وغيرها.
ويشيد محمود أمين العالم بتناول مروة لقضية التصوف الإسلامي، ويؤكد أن ما كتبه مروة بهذا الخصوص يعتبر بحق "أخطر وأعمق ما كتب عنه حتى الآن". ويقارن العالم إسهام مروة بإسهامات سابقة تحرّج بعضها من تناول التصوف الإسلامي كجزء مهم وبارز في الحركات الفكرية في تاريخ الفكر العربي الإسلامي؛ إشارة إلى كتاب مشروع رؤية جديدة للفكر العربي لطيب تيزيني، كما يبدو طرح مروة عميقًا أشد العمق إذا ما قورن بكتاب تاريخ التصوف الإسلامي لعبد الرحمن بدوي، الذي يراه العالم "مجرد وصف خارجي يغلب عليه الطابع المثالي والآلي أحيانًا في تفسير الظواهر".
بالطبع لا يفوت العالم ذكر موقف الدكتور زكي نجيب محمود من التصوف، والذي ورد في كتابه المعقول واللامعقول في الفكر العربي، حيث رفض التصوف لما فيه من اللامعقولية وانعدام النفعية من الناحية العملية صدورًا عن منهج الوضعية المنطقية شديد البرجماتية، الذي كان يتبناه الدكتور محمود "لهذا فهو لا يدرس التصوف كظاهرة في عصره، ولا كدلالة اجتماعية، أو حتى فردية، وإنما كمجرد شطحات في نصوص وفي سلوك، يرفضها احتكامًا إلى المعايير العقلية النفعية".
ويرى العالم أن أدونيس في الثابت والمتحول كان الأكثر توفيقًا عندما ذهب إلى أن التصوف هو "تجاوز للشريعة ولمنهج النقل، إلى مرحلة الحقيقة والكشف. وهو ثورة أنطولوجية وأبستمولوجية في آن. فهو موقف جديد من العلاقة بين الله والإنسان". إلَّا أنه لم يوفق في عدم التعرض لآليات النشأة الاجتماعية للتصوف ولا لمراحل تطوره، ولا لوظيفته الاجتماعية والدلالات التاريخية له، اكتفاءً "بالإشادة التهويلية بطابعه الثوري التجاوزي دون استيعاب نقدي له".
تميّز طرح مروة في قضية التصوف الإسلامي أنه بالرغم من اعتباره اتجاهًا مثاليًّا خالصًا إلَّا أن اختصاصه بدراسة شاملة وافية في كتاب عن النزعات المادية؛ أتى من كونه يمثل مكونًا مهمًّا من مكونات حركة الفكر العربي الإسلامي منذ البداية وحتى القرن الرابع الهجري، وبالطبع فإن عوامل التأثير والتأثر بين تلك المكونات تعتبر دافعًا إلى استكناهها كافة، بغرض الكشف عن ذلك الارتباط العميق المتفاعل بينها، وفق دلالاتها الموضوعية التاريخية؛ تمحيصًا للتأثيرات التي تركها التصوف على بعض النزعات المادية في إطار تلك المرحلة الزمنية.
رصد مروة بدايات التصوف وتطوره من الطابع السلوكي إلى الطابع النظري، وبروزه كموقف أيديلوجي متعارض مع الأيدلوجية الرسمية السائدة؛ ممحصًا العوامل الخارجية كافة التي صاحبت نشأته وتطوره "دون إغفال المنطق الداخلي الخاص المستقل نسبيًّا للحركة الصوفية عامة".
وبحسب العالم فإن فكرة جوهرية رئيسة أراد مروة من خلال كتابه أن يدحضها دحضًا كليًّا، برغم رسوخها عند الكثيرين، وهي أن جوهر الفلسفة العربية الإسلامية هو التوفيق بين الشريعة والفلسفة، وبين العقل والنقل، ويعتبر حسين مروة تلك الفكرة أسطورة موهومة لا أساس لها، يحمل على عاتقه من خلال هذا الكتاب تبديدها وجعلها هباءً منثورًا؛ إذ يرى أن العلاقة بين الشريعة والفلسفة ذات طابع صراعي لا توفيقي، كذلك الحال بين المعرفة الإيمانية والمعرفة العقلية، بل إنه يذهب إلى أن المواقف التوفيقية عند الفارابي وابن سينا وإخوان الصفا وغيرهم لم تكن في حقيقتها إلَّا (تقية) أو أنها تعزي في أحسن الأحوال إلى قصور المعرفة العلمية، وأذكر أن هذا المذهب تبناه أيضًا الدكتور طيب تيزيني باعتماده أن التباين بين حقلي الفلسفة والإيمان هو تباين تام يفرض الفصل التام ولا يسمح بإي إمكانية للتلاقي، إذ تعتمد الأولى التشكيك، بينما لا يقوم الثاني إلَّا على التصديق.
وبالطبع فإن تعميم تلك الرؤية أو الوجهة من قبل مروة يعد خطأ فادحا، يدحض بالنظر إلى كثير من الأعمال منها فصل المقال، ومناهج الأدلة لابن رشد وهما من الأعمال التي لا يمكن غض الطرف عنها، كما يعني ذلك التسليم بقصر النزعة المادية في هذا العصر على الهرطقة وعدم الإيمان، ويتساءل العالم هنا عن كيفية النظر إلى النزعات المادية عند الفارابي وابن سينا وابن رشد وابن خلدون، هل تعني بالقطع هرطقتهم أو خروجهم من دائرة الإيمان، معللين ذلك بسببين، هما التقية والقصور المعرفي وما أشد تهافتهما! ويرى أن مفهوم المادية في ذلك العصر بالذات يحتاج إلى إعادة نظر وإلى تحديد أشد دقة وأكثر موضوعية".
قدم المفكر الكبير الدكتور حسين مروة في هذه الموسوعة الخالدة خلاصة تجربة ثرية بدأت من الحوزة العلمية بالنجف، مرورًا بمحافل العلم في بغداد ودمشق وبيروت، عبر تنوع هائل للمكونات الثقافية، وقدرة بالغة على التحليل وتقديم النماذج التفسيرية وفق منهج علمي وإن التزم الصرامة إلَّا أنه لا يوصم بالجمود، وإن كان ثمة ملاحظات فيما طرحه من إطروحات فكرية في هذا السفر القيم؛ فإن ذلك أدعى إلى أن يستمر الجدل والحوار حولها؛ إغناءً لنشاط فلسفي جاد وحيوي نامل أن يحرك واقع حياتنا الثقافية الراكد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.