في إطار الحراك الدولي والدبلوماسي لحل أزمات المنطقة، تمر جنوب السودان الدولة المنفصلة حديثًا عن السودان بمنعطف جديد، لاسيما بعد اتفاق منظمة إيقاد الذي تم توقيعه في إثيوبيا بين أطراف الأزمة المتمثلة في حكومة جوبا بزعامة الرئيس الجنوب سوداني سلفاكير، والمتمردين بقيادة نائب الرئيس السابق رياك مشار. قاد سلفاكير جنوب السودان منذ انفصاله عن السودان في 2011، وطلب الأسبوع الماضي مزيدا من الوقت للتشاور حول بنود الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه مع المتمردين، لكنه مُنح مهلة لمدة أسبوعين للتوقيع وإلا واجه عقوبات من الأممالمتحدة، وهو الأمر الذي دفع رئيس جنوب السودان إلى التوقيع على الاتفاق، لكنه أشار إلى أن لديه عدة تحفظات. تشير أغلب التعليقات الواردة من مسؤولي جوبا إلى أن هناك تحفظات واسعة على هذا الاتفاق الذي يضع حدا لحرب أهلية مستمرة منذ 20 شهرًا في جنوب السودان، والذي تم التوصل إليه برعاية أممية وإفريقية، حيث نددت حكومة جنوب السودان بمنح المتمردين منصب النائب الأول للرئيس، معتبرة ذلك بمثابة "مكافأة لحركة التمرد" ضمن قائمة من 16 "تحفظا" على اتفاق السلام، كما سلم سلفاكير، الوسطاء الدوليين وثيقة مكونة من 12 صفحة تعدد النقاط الخلافية الواردة في بنود الاتفاق. ثمة دلالات تؤكد أن فريق سلفاكير غير راغب في التوقيع منذ البداية، لاسيما وأنه يري أن هذا الاتفاق سيعطي للجانب الآخر (المتمردين) سلطات تنفيذية واسعة ومشاركة في الحكم، وأن توقيع رئيس جنوب السودان جاء على خلفية تهديدات الأممالمتحدة بفرض عقوبات على حكومة جوبا إذا تمت عرقلة التسوية، حيث قال مجلس الأمن في بيان له صدر مؤخرا إنه سيفرض حظرا على السلاح ضد جنوب السودان إذا انهار الاتفاق الأخير الهادف لتسوية الأوضاع في البلاد وإنهاء الحرب المستمرة. وفي أعقاب التوقيع على الاتفاق دعا الجانبين لوقف إطلاق النار، إلا أنه لم يستمر طويلًا حيث تبادل الجيش الجنوب سوداني والمتمردون الاتهامات للمرة الثانية الأسبوع الماضي بشن هجمات تقوض اتفاق سلام اعتبر محللون وخبراء أنه هش، على خلفية تحفظات حكومة جوبا ورفضها لعدد من بنود الاتفاق. وغرق جنوب السودان في حرب أهلية منذ ديسمبر عام 2013 عندما أثارت أزمة سياسية قتالا بين قوات موالية للرئيس سلفاكير ومتمردين متحالفين مع نائبه السابق ريك مشار، وأعاد هذا الصراع فتح نزاعات عرقية شهدت مواجهة بين قبيلة الدنكا التي ينتمي إليها سلفاكير وقبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار. مصدر مسؤول في سفارة جنوب السودان بالقاهرة شرح في تصريحات خاصة ل"البديل" أسباب تحفظات حكومة جوبا على هذا الاتفاق، حيث قال "اتفاق إيقاد يعطي للمتمردين سلطات أكبر من حجمهم، فحكومتنا تتحفظ عليه لأنه سيعزز ويكرس فرص تقسيم البلاد الذي تسعى له دول غربية للاستفادة من موارد الدولة"، وأكد المصدر الذي أبدى تحفظه على نشر اسمه أن "حكومة جوبا تتحفظ على أغلب البنود الواردة في نص الاتفاق"، وأضاف المصدر أن أهم البنود التي تتحفظ عليها جوبا بند يخص الجيش وفحواه، بحيث يتم تقسيم جيش جنوب السودان إلى فريقين الأول برئاسة سلفاكير والثاني برئاسة رياك مشار، موضحا أن الاتفاق ينص أيضًا على "إخلاء العاصمة من القوات المسلحة في غضون 90 يومًا، على أن يتم تكوين حرس جمهوري من الفريقين يكون مسؤولًا عن إدارتها". وأشار المصدر إلى أن حكومة جنوب السودان تحتج على بنود أخرى واردة في الاتفاق، تنص على منح المتمردين سلطات واسعة كالتعيين في ثلاث ولايات هي جونقلي وأعالي النيل والوحدة، كما تعترض الحكومة أيضا على عدة فقرات من الاتفاق تتعلق بسلطات اللجنة المشتركة لمراقبة الاتفاق وتقييمه، والتي سوف تترأسها "شخصية إفريقية"، مؤكدًا أن هذا البند "يجعل من اللجنة المشتركة للمراقبة والتقييم سلطة حاكمة في جمهورية جنوب السودان، وهذا يعني ببساطة السيطرة على سيادة جنوب السودان وعلى استقلاله. وأكد المصدر أن ما يحدث في جنوب السودان ليس بعيدًا عن الصراع الدائر بين القوى الدولية وحروبها الباردة التي تشتعل في كثير من المناطق والدول المختلفة بأنحاء العالم، خاصة وأن جنوب السودان مواردها النفطية كبيرة، مضيفًا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وبريطانيا يدعمون المتمردين، بينما روسيا والصين تؤيدان الحكومة المركزية بقيادة سلفاكير، متهما بعض الدول الغربية بدعم المتمردين للسيطرة على مواقع النفط التي توجد في البلاد. وحول موقف مصر من الأزمة في جنوب السودان، أوضح المصدر أن القاهرة تدعم الحكومة المركزية التي تحكم البلاد، مضيفًا أن الفترة الأخيرة شهدت مشاورات بين عدد من المسؤولين في البلدين، وقال المصدر إنه حال النظر في التحفظات والالتزام ببعضها من جانب الأممالمتحدة، ستكون أمامنا مشكلة أخرى وهي انشقاق بعض القادة العسكريين من المتمردين خلال الشهر الماضي، الذين أعلنوا عن عزل رياك مشار، من الخرطوم، مؤكدًا أنه حتى إذا تم الالتزام بهذا الاتفاق سوف نواجه عوائق أخرى مستقبليا أهمها ظهور فريق آخر متمرد سيكون له مطالب جديدة.