في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها بين أنقرة وتل أبيب منذ أن بدأت الأزمة التركية- الإسرائيلية في مايو عام 2010، يصل وفد تركي رسمي الأراضي المحتله قاصدًا مسئولي الكيان الصهيوني، وهو ما يعتبر أول تطبيع رسمي العلاقات بين تركيا وكيان العدو. أفادت الإذاعة الإسرائيلية، بأن الوفد يصل الاثنين، وفد تركي رسمي لبحث إقامة منطقة صناعية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية بتمويل تركي ودعم إسرائيلي، وأضافت الإذاعة أن الوفد، الذي يرأسه رئيس مركز السياسات الاقتصادية التركية "جوفاك ساك"، سيجتمع مع مسئول شئون التعاون الإقليمي في حزب الليكود اليميني "أيوب قرّا" لبحث السبل الكفيلة بإقامة منطقة صناعية بالقرب من جنين بتمويل تركي وبدعم إسرائيلي وأمريكي وأوروبي. الزيارة التركية الرسمية لم تأتي مفاجأة بالنسبة للحديث عن تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، بل سبقتها العديد من المؤشرات التي تدل على عوده التعاون بين البلدين وانتهاء الأزمة، ففي مطلع الشهر الحالي، طرحت المسئولة عن السفارة الإسرائيلية في أنقرة "أميره أورن"، في مقابلة مع صحيفة "صباح" التركية، في تصريح وصف ب"المفاجئ" للمرة الأولى إمكانية التعاون التركي الإسرائيلي في الشأن السوري، وقالت الدبلوماسية الإسرائيلية إن هناك "تحسنا في العلاقات بين إسرائيل وتركيا، وأن هذا التحسن من شأنه أن يؤدي إلى تعاون أمني بينهما في سوريا، الأمر الذي يحقق أرباحًا للطرفين". وفي ردها على سؤال بشأن وضع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، في ظل ما نشر في الشهور الأخيرة عن تجديد اتصالات المصالحة بين الطرفين، قالت "أورون" إن الحديث متواصل، حيث تم تعيين مدير عام جديد لوزارة الخارجية "دوري غولد"، وكان أحد قراراته الأولى الاجتماع مع نظيره التركي، بما يؤشر على التشديد على علاقات إسرائيل مع تركيا، ووصفت اللقاء المشار إليه بأنه كان إيجابيًا. من ناحية أخرى كشفت مجلة "ماكور ريشون" اليمينية الإسرائيلية مؤخراً، أن إسرائيل عادت لتصدير معدات أمنية إلى تركيا، وأضافت أن سبب هذه العودة ترجع إلى وجود تغيير تدريجي في العلاقات بين الدولتين جراء تراجع التوتر بينهما وإثر خروج "أفيغدور ليبرمان" من وزارة الخارجية الإسرائيلية، وأشار المعلق الأمني للصحيفة إلى أنه بعد سنوات من القطيعة شبه التامة وسعت وزارة الدفاع الإسرائيلية بشكل تدريجي من أذونات تصدير معدات أمنية لتركيا، وقال إن الوزارة صادقت مؤخراً على تصدير عشرات المنتجات الخاضعة لمراقبة أمنية إلى تركيا. مرت العلاقات التركية الإسرائيلية بالكثير من المراحل، ففي تسعينيات القرن الماضي كانت تركيا الحليف الأول والأعلى قيمة لإسرائيل في الشرق الأوسط، وبالتوازي كانت الهدف رقم واحد للصادرات الأمنية الإسرائيلية، مع مشروعات عملاقة، وبعد أحداث أسطول الحرية وسيطرة الجيش الإسرائيلي على سفينة "مرمرة"، وقتل وإصابة عدد من النشطاء الأتراك في مايو عام 2010، وقعت قطيعة شبه تامة، وهو ما أظهرته وسائل الإعلام التركية والمسئولين الأتراك، لكن يقول مراقبين أن العلاقات بين البلدين تأثرت قليلًا بعد الحادث لكنها لم تنقطع تمامًا، فقد تم سحب السفير التركي من تل أبيب في ظل عدم قطع العلاقات الدبلوماسية، أما من جانب العلاقات العسكرية والأمنية بقيت كما هي متينة بين الجانبين. سعت تركيا دائمًا إلى تحسين العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في سرية تامه وبعيدًا عن وسائل الإعلام، وذلك حفاظاً علىعلاقتها مع الأمة العربية وخاصة في الجانب الاقتصادي، حيث كشفت صحفية "هارتس" الإسرائيلية عن لقاء سري عقد في العاصمة الإيطالية روما بين اثنين من المسئولين البارزين من إسرائيل وتركيا، بهدف إحياء محادثات المصالحة وبلورة اتفاق، وذلك في مطلع الشهر الجاري، إلا أنه عندما افتضح أمرها وتم الإعلان عن عودة العلاقات التركية مع الكيان الصهيوني من جديد وانتهاء أزمة سفينة "مرمرة"، سعى الإعلام التركية للإيحاء دائمًا بأن الدولة الصهيونية خضغت للطلب التركي، وقامت بدفع تعويضات لأسر المتضررين في الحادث. التغيير في السياسة التركية الإسرائيلية الحالي نابع من انخفاض التوتر بين الدولتين في الآونة الأخيرة، ووجود أهداف مشتركة بين البلدين، أبرزها الأزمة السورية، التي يتفق فيها البلدين على إسقاط النظام السوري ورحيل الرئيس "بشار الأسد"، وهو ما دفع الطرفين إلى التلاقي حول هذا الهدف والسعي إلى تحقيقه من خلال دعم الجماعات المسلحة، وهكذا تلاقت وجهات النظر من جديد، من جهة أخرى يرى مراقبين أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين نابع أيضًا من انتهاء فترة "أفيجدور ليبرمان" في وزارة الخارجية، حيث كان "ليبرمان" معروف بسياستة المتشددة تجاه تركيا.