بعد الانفراجة السياسية التي شهدتها الأزمة المالية شهر يونيو الماضي، لاسيما بعد اتفاق السلام الذي تم توقيعه بين الحكومة ومتمردو الطوارق في العاصمة الجزائرية، تشهد الأزمة خلال الأيام الراهنة تطورًا آخر، بعدما وصلت مرة أخرى إلى مرحلة التأزم، بما يهدد بنسف اتفاق السلام، الذي لعبت الجزائر فيه دور الوسيط بدعم أممي لمدة قاربت السنة، حتى تمكنت من إقناع كل الأطراف بالتوقيع على اتفاق السلام، لكن الاضطرابات والاشتباكات سرعان ما عادت إلى شمال مالي. واشتدت الاشتباكات مرة أخرى بين الحكومة والملشيات التابعة لها والمتمردون قبل عشرة أيام في شمال البلاد، وتبادل الطرفان الاتهامات بنسف الاتفاق، فالانفصاليون (متمردو الطوراق) اتهموا ميليشيا موالية للحكومة بانتهاك اتفاق لوقف إطلاق النار، الذي تم توقيعه مع الحكومة في يونيو، بعد أن تبادل الجانبان إطلاق النار لفترة قصيرة بينما تقول المليشيا الموالية للحكومة إن الانفصاليين كانوا الطرف البادئ. ووقع تبادل لنيران الأسلحة الخفيفة والثقيلة، جنوبي كيدال الواقعة في شمال البلاد بين تنسيقية حركات أزواد (الطوراق) والميليشيا الرئيسية الموالية للحكومة، وتنسيقية حركات أزواد تحالف يقوده متمردو الطوارق العلمانيون (مكون من ثلاث مجموعات أساسية في تمرد الطوارق) هي: "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" و"المجلس الأعلى لوحدة أزواد" و"حركة أزواد العربية" المنشقة، ويعتبرون كيدال معقلا لهم بينما تعتبر ميليشيا جاتيا الميليشيا الرئيسية الموالية للحكومة داخل تحالف لجماعات يسمى المنبر. وتعتبر منطقة شمال مالي، أو إقليم أزواد، منذ 2012، مسرحا للهجمات الإرهابية التي تقودها أطراف غير موقّعة على اتفاق الجزائر، تشهد، منذ أسابيع، تجدّدا لأعمال العنف فيها، وليس ذلك فقط، وإنّما توسّعا ميدانيا لدائرة الاشتباكات، وبحسب عبد القادر درامي، المستشار المستقل حول المسائل الأمنية في الشريط الساحل الافريقي والصحراء، فأن هذا الخروج عن الإطار التقليدي لمحور الصراع الدائر بين باماكو والمجموعات الانفصالية، "يهدّد جزئيا" اتفاق السلام الموقّع بين أطراف الأزمة في مالي. والاتفاق الذي وقع في مالي ينص على إنشاء مجالس محلية ذات صلاحيات واسعة ومنتخبة بالاقتراع العام والمباشر، ولكن بدون استقلال ذاتي في شمال البلاد أو نظام اتحادي، ولا يتضمن الاتفاق اعترافا بتسمية "أزواد" التي يطلقها المتمردون على شمال مالي، ما يلبي مطالب حكومة باماكو الرافضة لفكرة الانفصال، ووافقت تنسيقية حركات أزواد على توقيع اتفاق السلام بعد انتزاع تسويات مهمة أبرزها دمج المقاتلين الطوارق ضمن قوة أمنية خاصة بالشمال وتمثيل أفضل لسكان الشمال في مؤسسات الدولة، فضلا عن قضايا أخرى. ويقول خبراء إن هناك فصائل متشددة لم توقع على اتفاق السلام تنف عمليات إرهابية في شمال مالي، وتحاول تعكير صفو الاتفاق الذي وقع في يونيو بين الحكومة والطوراق ، ونشرت تقارير أممية في هذا الصدد أن هناك صعوبات بالغة في تمييز المجموعات الإرهابية عن بقية سكان شمالي البلاد، بعد أن ذاب أفرادها وتمكنوا من التخفي بين السكان بمثل ما حدث في أفغانستان للقوات الدولية التي تطارد أفرادا من طالبان لا تمييزهم بين السكان. ويرى الخبراء أنه يجب ضرورة "تقديم المينوسما و قوات عملية برخان الفرنسية (عملية عسكرية) بمالي، الدعم للجيش المالي على المستوى اللوجستي اللازم للعمل الاستخباراتي لاستباق الهجمات الإرهابية"، مؤكدين بدون ذلك فإن تواصل الهجمات الإرهابية التي كثرت في الفترة الأخيرة "سيخلق أزمة ثقة بين الحكومة وتنسيقية الحركات الأزوادية التي أبقت بعض عناصرها على صلات بجماعة أنصار الدين بقيادة إياد آغ غالي". من جانب آخر قالت مصادر دبلوماسية جزائرية إن اتصالات تم الشروع فيها مع أطراف النزاع في مالي، من أجل نزع فتيل الاضطراب الذي بدأت تشهده المنطقة، بعد عودة المواجهات في شمال مالي، بعد أسابيع قليلة من توقيع كل الأطراف على اتفاق السلام في باماكو، وهو الاتفاق الذي لم يكن سهلا، على اعتبار أن بعض الجماعات رفضت التوقيع في وقت أول، وتطلب الأمر الدخول في مفاوضات جديدة لإقناعها بالتوقيع. وكان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمارة، قد استقبل رئيس بعثة الأممالمتحدة في مالي منجي الحامدي، داعيًا إلى عدم منح الفرصة للقوى التي تحاول عرقلة مصير اتفاق السلم بمالي، و ضرورة مواصلة العمل والتشاور في إطار لجنة المتابعة لتنفيذ اتفاق السلام. وقال منجي الحامدي عقب لقائه مع لعمامرة إنه من الضروري تجاوز المشاكل التي وقعت قبل أسابيع في شمال مالي، مشددا على عدم إعطاء فرصة للقوى السلبية، التي تحاول أن تعكر مصير الاتفاق السلمي التاريخي في مالي، الذي تم التوصل إليه بعد مسار شاق ومعقد. وأوضح أهمية التركيز على مواصلة العمل والتشاور والتنسيق، في إطار لجنة المتابعة للعمل على تنفيذ اتفاق السلم بمالي، وأشار إلى أنه تم الاتفاق خلال اللقاء الذي جمعه مع الوزير رمطان لعمامرة على مواصلة العمل والمجهودات مع كل الأطراف المعنية، وبمشاركة الوساطة الدولية والجزائر.