أزمة اقتصادية عالمية بدأت تلوح في الأفق خلال الأيام القليلة الماضية، تأتي على خلفية تدهور السوق المالية الصينية وانخفاض النمو مقارنه بالأعوام السابقة، الأمر الذي نتج مذبحة في كافة بورصات دول العالم، لم تنتهِ هذه الأزمة عند هذا الحد، بل كان للنفط دورًا آخر في تهاوي أسواق عالمية لاسيما بعد انخفاض أسعاره خلال الفترة الأخيرة. وعلى إثر هبوط النفط على اقتصاديات الدول القائمة على الصادرات النفطية والغاز سلبا، مثل روسيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، فيما شكل ذلك ميزة لدى بعض الدول التي تستورد النفط مثل الصين ثاني أكبر مستورد للنفط، إلا أنه في المقابل واجهت بكين عاصفة أسفرت تراجع صادرات الصين بنسبة 3.1%، وهو أول هبوط منذ يناير 2012. واتخذت الصين خطوات جريئة حيال ما تعانيه من أزمة اقتصادية أضفت بظلالها على الاقتصاد العالمي كونها ذات وزن نسبي كبير فيه، حيث قامت بخفض سعر صرف عملتها الرسمية (يوان) بنحو ثلاث مرات متتالية مقابل الدولار، في محاولات لجذب المزيد من السيولة وزيادة الصادرات لدعم اقتصادها. ويري الخبراء أن الأزمة العالمية الأخيرة تندرج ضمن أزمات الاقتصاد السياسي، ولا تخضع للنمط الطبيعي للهبوط والصعود، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى الأزمات المالية السابقة التي أثرت على العالم التي تأكد أن هناك رابح وخاسر سياسيًا واقتصاديًا من تلك الأزمات. وقلل هؤلاء من التأثير الفعلي بانخفاض النمو الصيني بهذه النسبة الضئيلة، مؤكدين أن الصين ظهرت كقوة اقتصادية عالمية بمعدل نمو بلغ 7%، فلا يمكن الحديث عن أزمة عالمية وخسائر في البورصات العالمية لنحو 25% من قيمة الأسهم خلال أسبوع فقط بسبب تراجع النمو الصيني هذا العام إلى 6% فقط. وعزز الخبراء حديثهم بخروج الاستثمارات الأجنبية من الصين خاصة الأمريكية منها، حيث ذكرت وكالة بلومبرج في الشهر الماضي أن المستثمرين سحبوا من الصين وحدها اكثر من 142 مليار دولار خلال الفتره من ابريل حتي يونيو الماضي، ليصل إجمالي الاستثمارات التي خرجت من الصين خلال الفصول الخمسه الماضيه لحوالي 520 مليار دولار، لتختفي جميع الاستثمارات التي تدفقت عليها منذ عام 2011 عندها بدا نموها الاقتصادي يتباطئ ، وأكد الخبراء أن هذه الأزمة تفتعلها الولاياتالمتحدةالأمريكية بخروج مستثمريها من الصين. الأزمة وتأثيرها على الصراع الصيني الأمريكي في إفريقيا بعد أن استطاعت الصين أن تصبح، خلال السنوات الخمس الأخيرة، أكبر مستثمر تجاري في أفريقيا، تمكّنت أيضا من استثمار ثقلها الاقتصادي الاستثنائي لتصبح شريكا مؤثّرًا على الصعيد السياسي والعسكري في القارة السمراء، ووصلت هذه الشراكة إلى مرحلة النفوذ، وجاء بروز الصين كشريك اقتصادي مميّز للبلدان الأفريقية، منحها إمكانية تطوير علاقاتها معها، سواء على المستوى العسكري أو الدبلوماسي أو السياسي. موجات الصدمة الناتجة عن تخفيض قيمة اليوان الصيني بشكل مفاجئ كان لها صداها على اقتصاديات عدد من الدول الأفريقية؛ حيث أدت إلى تراجع قيمة عملاتها، وتنامي القلق من أن يفقد أكبر شريك تجاري شهيته لكل شيء في القارة السمراء وفق تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال». وأوضحت الصحيفة في تقريرها أن الطلب الصيني على النفط الأنجولي والنحاس الزامبي والذهب الجنوب أفريقي عزز التجارة بين العملاق الاقتصادي الأسيوي (الصين) والقارة السمراء الغنية بالموارد الخام؛ ما أدى بالتالي إلى تسارع النمو في هذه الدول الأفريقية الثلاث، لكنه ترك اقتصادياتها في مهب رياح أية تحولات تجريها بكين على سياساتها. واشار الخبراء إلى أن استمرار ما يحدث في الصين من أزمة اقتصادية طاحنة سيؤثر بالفعل في الاستثمارات الصينية بالدول الإفريقية، وبالتالي سيقلل من نفوذ التنين الصيني في القارة، والذي كان يعتمد على ضخ الاستثمارات في البلدان الإفريقية، ففي يونيو الماضي، قال «البنك الأفريقي للتنمية» إن قيمة التجارة الأفريقية مع الصين بلغت في عام 2013 نحو 211 مليار دولار، وهو رقم يزيد بنحو مثلي قيمة تجارة القارة السمراء مع الولاياتالمتحدة. تأثير الأزمة على اقتصاد دول الخليج لا شك أن هناك تداعيات كبيرة جراء الأزمة الصينية على اقتصاديات دول الخليج ، خاصة وأن التنين الصيني يعتبر ثاني أكبر مستورد للنفط الخليجي، حيث أدت الاضطرابات الاقتصادية العالمية وانهيار سوق الأسهم في الصين إلى استمرار انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 40 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2009. وألقت هذه الأزمة بظلالها على اقتصادات دول النفط التي تعتمد على إيرادات البترول لدعم ميزانيتها، لكن المؤشرات الحالية تقول إن السعودية هي المتضرر الأكبر، وحسب استطلاع "أحوال الاقتصاد العالمي"، فمنطقة الشرق الأوسط تشهد حالة من عدم الثقة بسبب التقلبات الاقتصادية الناتجة عن ضعف ثقة المستثمرين، وتقلبات أسعار الفائدة والنفط ثم أخيرا اضطرابات سوق الأسهم. مسئول خليجي أكد أن هناك تداعيات كبيره على سوق النفط الخليجي وعلى اقتصاد المنطقة ، حيث قال الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية عدنان يوسف، إن الأزمة المالية التي بدأت في الصين حالياً ستمتد إلى آسيا، وستكون تداعياتها خطيرة للغاية، في ظل فقدان دول تلك المنطقة القدرة على التعامل معها. وأضاف المصرفي العربي أن: "دول الخليج بوضع جيد حالياً.. لكنها قد تواجه صعوبات بحال استمرار الوضع حتى نهاية 2017″، داعياً دول الخليج لرفع ذكي للدعم. وحول التأثير المتوقع بالمنطقة في ظل الرهان السابق على الطلب الصيني الكبير من النفط وارتفاع سعره، رد يوسف بالقول ل سي إن إن : "الاستيراد الخاص بالنفط لن يتراجع لأن السعر منخفض ويشجع على الشراء.. لكن نحن نتحدث عن النمو بالاستيراد، وخلال العامين المقبلين أظن أنه سيكون هناك بعض من شد الحزام على صعيد الاستيراد ما يؤثر تلقائيا علينا، ويجب ألا ننسى أن ارتفاع الأسعار السابق كان بسبب ارتفاع الطلب من آسيا، إذ إن أوروبا وأمريكا لم تسجلا نموا بالوتيرة نفسها". ويري خبراء أنه بالاضافة إلى تهاوي اسعار النفط ، فسيتضرر مستثمري الخليج جراء هذه الأزمة ايضًا ، ويتحدث هؤلاء عن أن الأزمة الحالية تتكرر من وقت لأخر ويفتعلها البعض لتدمير جزء من ثروات رجال الأعمال العرب من خلال تراجعات اسواق الأسهم التي تعمل على تحويل هذه الثروات لغبار، وربط اصحاب هذا الرأي هذا الأمر بالأوضاع السياسية لاسيما وأن هناك اتجاه لتقليص الدور الاقتصادي للدول المصدرة للنفط بصفة عامة في منطقة الخليج ، خاصة السعودية التي تعيش وضعا أكثر صعوبة بسبب نفقات الحرب في اليمن. وكانت لروسيا وإيران العام الماضي في بداية أزمة تهاوي اسعار النفط نظره أخرى لما اتخذته السعودية تجاه هذه الأزمة، واتهمت موسكووطهرانالرياض لمحاولتها الابقاء على سقف انتاج يتجاوز ال10 ملايين برميل من النفط يوميا ، وعدم اتخاذها أي إجراء عملي للابقاء على سعر 100 دولار للبرميل، وهو ما أشاروا بأنه يتناقض مع مصالح الدول الأعضاء في منظمة اوبك، كما اتهم خبراء روس وإيرانيون في ذلك الوقت أن السعودية تشن حربًا نفطية بأمر من أمريكا على طهرانوروسيا جراء مواقفهم التي تتعارض مع مصالح الرياضوواشنطن . ويقول خبراء إن الحرب النفطية التي بدأتها السعودية والتي أكدت أنها ليست موجهة ضد روسيا وإيران وليس لها دوافع سياسية وأنها كانت تهدف للقضاء شركات النفط الصخري الأمريكية، استفادت منها واشنطن في نهاية المطاف واقتربت من إخراج نفط الخليج من دائرة المنافسة عالمياً، لاسيما مع استمرار انخفاض أسعار النفط الخام بهذه الدرجة ، حيث يقول الخبراء إن صناعة النفط الصخري الأمريكية استفادت عبر استغلال القدرات التقنية وخفض التكاليف، وباتت تضخ أيضا قرابة 9.6 ملايين برميل نفط يوميا، مسجلة أعلى مستوياتها في 43 عاما" . صحيفة بلومبرج الأمريكية كشفت أن السعودية تبحث حاليا خيارات تخفيض ميزانيتها للعام المقبل في ظل تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية، حسب ما نقلت عنهما وكالة «بلومبرغ» الأمريكية. مصدران أكدا للصحيفة الأمريكية قالا إن حكومة المملكة تعمل حاليا مع مستشاريها على مراجعة خطط الإنفاق، وقد تؤخر أو تقلص بعض مشاريع البنية التحتية من أجل توفير النفقات، وأضافا أن الحكومة في المراحل الأولى من مراجعة خطط الإنفاق؛ وربما تلجأ إلى تخفيض إنفاقها الاستثماري بنحو 10% أو أكثر. انعكاسات الأزمة على الاقتصاد الأمريكي على الرغم من التأثر نسبيًا في الفترة الأخيرة، وتوقع البعض انخفاض النمو الأمريكي جراء الأزمة الصينية بعد ما شهدته البورصات العالمية من تهاوي يوم الاثنين الذي سمي بالأسود، إلا أنه يعتبر الخبراء أن كل ما حدث هي مناورة ومرواغة اقتصادية من الولاياتالمتحدة وأوروبا، حيث سرعان ما أظهرت التقارير ارتفاع في النمو الأمريكي حيث أعلن مكتب التحليل الاقتصادي الاتحادي، نمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل يفوق المتوقع خلال الربع الثاني من العام الحالي حيث بلغ المعدل بعد مراجعته 7ر3% من إجمالي الناتج المحلي . اتهمت الصينالولاياتالمتحدةالأمريكية بأنها السبب في الأزمة التي اطاحت بكثير من المستثمرين في الصين والتي اثرت على انخفاض نمو بكين ، مسؤول بارز بالبنك المركزي الصيني أكد أن القلق من زيادة محتملة في اسعار الفائدة الامريكية ربما كان السبب في الاضطرابات في اسواق الاسهم العالمية وليس خفض الصين لقيمة عملتها. وقال ياو "اصلاح الصين لسعر الصرف ليس له علاقة بالاضطرابات في اسواق الاسهم العالمية التي ترجع بشكل رئيسي الي الخطوة المرتقبة للسياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي." ويعتبر خبراء أن هذه الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الصين لن تبتعد عن الحرب الدائرة سياسيًا وإقليميًا بين الحلف الصيني الروسي من جهة مقابل الأوروبي الأمريكي من جهة أخرى، والتي تعتبر قائمة على خلافات في المواقف ووجهات النظر حيال قضايا مهمة ، لذا لا يستبعد هؤلاء أن تكون محاولة لتقليل النفوذ الصيني في كثير الملفات والذي تخوف منه الغرب في الفترة الأخيرة .