مع كل إجازةٍ صيفية، يبدأ الأهالي والأطفال في قطاع غزة بالتفكير في كيفية قضاء وقت الصيف الذي يمتاز بطول فترة النهار وقصر الليل وفي نفس الوقت تبدأ المؤسسات والجمعيات وحتى المدارس ورياض الأطفال بطرح برامجها الخاصة بالمخيمات الصيفية والمتنوعة ما بين ترفيهية وثقافية وحفظ للقرآن الكريم وهنا تبدأ المفاضلة بين المخيم الأنسب والأفضل والذي يلائم كل شخص حيث يجد الكثير فيها ملاذاً للترويح عن النفس وتنمية القدرات والهروب من الواقع المرير الذي يمر به بالقطاع المحاصر. حياة الأطفال.. وخصوصاً في قطاع غزة تحتاج إلى قدر كبير من الدعم النفسي والترفيه جراء الأزمات المريرة والأيام العصيبة التي عاشها أطفال القطاع وتحديداً الذين عاشوا ثلاثة حروب متتالية، شاهدوا فيها العذاب والمرار، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه فئة كبيرة من موظفي قطاع غزة إثر تذبذب الرواتب لفترة طويلة. شاطئ بحر مدينة غزة من الشمال وحتى الجنوب يعتبر المتنفس الأول للمواطنين من ناحية التكلفة، حيث يتدفق المواطنون إلى هناك وبأعداد كبيرة إما للجلوس للتمتع بهواء البحر ونسيمه العليل مع موجة الحر القاسية التي تضرب البلاد، أو لممارسة السباحة، والتي أصبحت هواية يمارسها الكثيرون من الشباب في ظل انتشار المراكز والمسابح التي تقوم بتعليم السباحة وبأسعار جيدة. وتعتبر الأماكن الترفيهية هي المتنفس الثاني لأبناء قطاع غزة والتي تنتشر في جميع الأماكن، بعضها يمكن دخوله بأسعار رمزية وبعضها بأسعار متوسطة مناسبة لمحدودي الدخل، أما البعض الآخر فيدخل بأسعار مرتفعة تناسب الطبقة العليا في المجتمع، والتي تضم غالبا فئة رجال الأعمال وموظفي القطاع الخاص أصحاب الدخل المرتفع. [البديل] استطلعت آراء المواطنين حول الصيف الذي يصل ذروته هذه الأيام، وكيفية قضائهم لأوقاتهم، فكان لنا لقاء مع المواطنة سماح المغني 28 عاماً قالت: "لديَّ ثلاثة من الأطفال، أرسلت اثنين منهم للمخيم الصيفي الذي نظمته الروضة التي يتعلمون فيها وقد اخترت الروضة لأنهم يهتمون بالأطفال بشكل كبير ويقومون بالتعليم والترفيه في وقت واحد وبذالك يكون أطفالي قد استفادوا من الإجازة بشكل جيد وبنفس الوقت تكون لديَّ فرصة للاهتمام بطفتلي الصغيرة وإنهاء أعمالي المنزلية في وقت خروجهم. المواطن أسعد الأطرش 42 عاماً أفاد: "عندي من الأبناء سبعة، أكبرهم في المرحلة الإعدادية، لم أرسل أيًّا منهم إلى مخيم، فأنا أكتفي بالخروج مع أبنائي وزوجتي مرتين أسبوعيًّا وربما أكثر ما نذهب إلى شاليه او مكان ترفيهي أو منتجع، ونكون سويًّا ويبقى أطفالي بجانبي وأعتني بهم فهكذا أفضل بالنسبة لي". ويتابع الأطرش: "أنا سعيد بهم لأنهم من المميزين والمتفوقين في دراستهم"، أما الأطفال فكان هدفهم الوحيد هو الترفيه عن أنفسهم حيث قال الطفل فضل أبو دقة 12 عاماً والذي التحق بمخيم تابع لإحدى المؤسسات: "أذهب للمخيم للعب والرسم والترفيه فنحن نلعب مع المنشطين ونقوم بالرسم وعمل الأشكال الورقية ونقوم بصناعة الطائرات الورقية واللعب بها على شاطئ البحر والكثير من الأعمال الأخرى"، ويضيف أبو دقة: "هي أوقات جميلة رغم كل شيء، لأننا لا نستطيع ممارسة هذه النشاطات أوقات المدرسة بسبب الانشغال بالدراسة. الطفلة لبنى السيد 10 أعوام كان رأيها مشابهاً، فتقول: "هنا أوقات جميلة تعرفت بها على أصدقاء جدد وأتعلم أشياء جديدة والوقت يمضي بسرعة لكني أشعر بالفرحة لأنني أمارس نشاطات مختلفة وأتمنى أن تكون المخيمات في كل صيف حتي ألتحق بها. أما عن الفنانة التشكيلة هناء حمش والتي تعمل في المخيمات الصيفية التي تنظمها مؤسسة الميرسي كور، قالت في لقائها مع البديل: "هنا يمارس الأطفال العديد من الأنشطة مثل الرياضة والفن التشكيلي والدراما والإرشاد النفسي". وتضيف حمش: "الأطفال يتفاعلون مع الزوايا بشكل كبير لأنهم يحاولون تغيير نظرتهم على غير عادة الحصار والحرب ويتجهون نحو الترفيه والتسلية". وعن دورها في المخيم تقول هناء: "اعتمدت على برنامج وآلية خاصة قمت بتدريبها للأطفال بعنوان (الفنون كأداة للدعم النفسي) والتي تبدأ بنشاطات العقل والتركيز من خلال رسم الخطوط بأشكالها المختلفة ولون الطفل المفضل وأنشطة الرسم الحر والرسم المشترك، إلى أن وصلت معهم إلى أنشطة تدعم ثقة الطفل بنفسه مثل إعادة التدوير ورسم الجداريات وصنع الدمى ونشاط الطين وصناعة الفخار، فهذه الأنشطة تساعد على تفريغ الطاقة السلبية والإيجابية لدى الطفل". أما عن تأثر الأطفال بالحرب الاسرائيلية على قطاع غزة والأيام العصيبة التي عاشوها، فأردفت حمش: "الأطفال دائماً يتأثرون بالمشاهد ويقومون بالتفريغ الفوري عما يشعرون في نفس اللحظة ولكن بعضهم من الذين تأثروا بشكل سلبي قاموا برسم الرسومات التي تدل عن الخوف من الحرب ولكني حاولت إبعادهم عن ذلك وأخرجت الطاقة الإيجابية لديهم". وعن أهمية المخيمات الصيفية أضافت الفنانة التشكيلية: "نحن بحاجة إلى تلك المخيمات وما بها من أنشطة لأنَّ الرياضة والرسم من أرقى الحضارات وبسبب اعتماد المدارس على اكتساب العلم بالأرقام والحروف، دون التركيز على إحساس ومشاعر الأطفال مع أنهم بحاجة كبيرة إلى الدعم النفسي وإلى وجود متخصصين بذالك". تحاول مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء التفريغ عن الأطفال من خلال دمجهم في أنشطة الصيف المختلفة التي تقوم الجمعيات والرياض بتنفيذها، وذلك للتنفيس عن الأطفال والترفيه عنهم خصوصاً بعد ما تعاقب على قطاع غزة من مشكلات واعتداءات متواصلة، ما زاد من نسبة الأطفال والمواطنين الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية والنفسية، وإلى التقليل من أثر هذه الأحداث عليهم، منتظرين أن تكون هناك حلولاً، قد تنقلهم من هذه الحالة، إلى حالةٍ أكثر حيويَّةٍ وحياة.