من أشد المهن ابتلاءً، حيث يتعين على أصحابها الوقوف أمام النيران فى حر الصيف الشديد، ورغم ذلك فهم سعداء بها ويؤكدون أنها فضل من الله؛ لأنها رزقهم الذين يأكلون منه الحلال. إنها مهنة شي الأسماك التى تضطر العامل للوقوف أمام الأفران وتحمل هذه الموجة الحارة التى تشهدها البلاد من مطلع فصل الصيف وحتى الآن، ومع ذلك لم يغب أحدهم أو يتأخر عن عمله؛ لأن لكل فران زبائنه ولا يريد أن يخسر منهم أحدًا، فهم وبحسب أحد أصحاب الأفران رأس مال صاحب الفرن. وتعتبر هذه المهنة ذات أهمية كبيرة لدى المجتمع دمياط المعروف عنه كثرة حبه للأسماك، خاصة المشوى منها. البديل التقى العاملين بهذه المهنة للتعرف على طبيعتها ومعاناتهم.. التابعى محمد صنايعى (فران، 43 سنة) يقول "تعلمت هذه المهنة من صغرى، حيث كان والدى فرانًا، وكنت أذهب معه للفرن الذى يعمل فيه، وكنت أحب أن أقلده فيما يعمل، وهذا ما جعلنى أتعلق بالمهنة، وبالفعل تعلمتها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وعلى الرغم من المعاناة التى نعانيها، خاصة فى فصل الصيف؛ لأن علينا تحمل حرارة الجو التى لا يتحملها الناس، وأيضًا تحمل تحمل حرارة الفرن نفسه، وهى فى حد ذاتها صعبة جدًّا، وتكاد المياه أن تجف من أجسادنا؛ بسبب كمية العرق التى تتصبب منا أثناء ممارسة عملنا"، ويضيف "أكثر ما نعانى منه الصيام فى رمضان مع شدة الحر، ومع ذلك لا يرخص لنا بالإفطار، ولا نستطيع التغيب عن العمل لعدة اعتبارات منها الحفاظ على الزبون وسمعة الفرن، كما أننا في أمس الحاجة للأجرة، لأن الذى يعمل فى تلك المهنة لا يستطيع ممارسة أى عمل آخر، وليس له أى دخل غير هذا العمل. معادلة صعبة، ولكن نستعين عليها بالله ثم بالصبر؛ لأنه لا سبيل أمامنا سوى ذلك". وشكا وليد إبراهيم (فران، 25 سنة) من أنه "رغم شدة الحر وما نعانيه أمام نيران الأفران من أجل الحصول على أرزاقنا بالحلال، تجد الكثير من الزبائن لا يقدر ذلك. وربما يتطاول على الفران حتى لمجرد خطأ غير مقصود، وهو أكيد لا يشعر بما نعانيه من شدة حرارة الفرن وقربنا منه، بالإضافة لشدة حرارة الجو التى لا يتحملها حتى الذين يسيرون فى الشوارع، فلك أن تتخيل بالإضافة لتلك الحرارة حرارة ونار الفرن ونحن نقف أمامها مباشرة"، وتابع وليد "لكننا رغم ما نلاقيه من تعب فى هذه المهنة، إلا أنه لو مرض أحدنا أو نام يومًا واحدًان فلن يكون له أى دخل فى هذا اليوم؛ لذلك نطالب بعمل تأمين صحى حقيقى للعمال الغلابة؛ لأن حقيقى اللى بيتعب مش بيلاقى علاج". حسن محمود (صاحب فرن) لفت إلى أن المهنة أصبحت صعبة جدًّا، ثائلاً "كنا زمان نشوى كيلو السمك بنصف جنيه، وكانت الدنيا تمام وربنا مبارك، وكان الصنايعى بياخد خمسة جنيه يومية وكله تمام. النهارده للأسف بنشوى كليو السمك ب 3 جنيه ويومية الصنايعى بقت من 80 جنيه وانت طالع، ويمكن مش بيعرف يشتغل، بس هنعمل إيه؟ كل حاجة تمنها ارتفع وما حدش بيقدَّر، حتى لما نيجى نرفع تمن الشوى بتلاقى الزبون زعلان، مع إننا لما بنرفع بيبقى بالنص جنيه، وما حدش واخد باله إن الورق اللى بنلف فيه السمك تمنه بيغلى والصنايعى أجرته بتزيد والمية والكهربا، حتى الخشب اللى بنولع به الفرن بيغلي من وقت للتاتى، ورغم ذلك إحنا صابرين؛ لأن ده مصد ررزقنا الوحيد والحمد لله".