تشهد العراق أزمة اقتصادية كبيرة في هذه الأيام، لاسيما مع انخفاض أسعار النفط، وارتفاع موازنة القوى الأمنية كالجيش والداخلية لمحاربة تنظيم داعش في مناطق تعتبر خارج سيطرة الدولة، في نفس الوقت ثمة إصرار ظهر خلال الفترة الأخيرة بالاعتماد على الاستدانة الكثيفة، والابتعاد عن وضع حلول اقتصادية كتفعيل العمل الإنتاجي والبدء في مشروعات بنية تحتية تساعد على هذا الأمر. على الرغم من أن هذه الأزمة بدأت تلوح في الأفق منذ عام 2003 مع بدء الغزو الأمريكي للعراق ويعتبر هذا الغزو من أحدى أسباب هذه الأزمة، إلا أن تعامل الحكومة بهذا البرود مع زيادة المديونية أثر بشكل أسوء على الوضع الاقتصادي، الأمر الذي رهن مستقبل العراق للمصارف الأجنبية والصناديق الدولية. تسببت الأزمة الراهنة في عجز الحكومة عن تسديد الديون المستحقة للشركات الأجنبية والاستثمارية، والديون الدولية المقدرة بمليارات الدولارات، كما أدّت إلى تأخير تسديد رواتب آلاف من موظفي الدولة الذين بدأوا في تنظيم مظاهرات يومية، للضغط على حكومة حيدر العبادي لسداد رواتبهم. ويري خبراء اقتصاديون عراقيون أن الأزمة الاقتصادية في بلادهم بدأت تتفاقم، مع سيطرة تنظيم «داعش» على مساحات واسعة من المحافظات الشمالية والغربية العام الماضي، وبدء القوات الأمنية في مواجهته، وتسخير الحكومة كافة الطاقات الاقتصادية لخدمة تلك المعارك. يقول فلاح حسن عضو هيئة السياسات الاقتصادية في وزارة التخطيط إن «الأزمة ليست متعلقة بالنفط، وإنما بسوء التخطيط وانعدام الرؤية الإستراتيجية، طيلة السنوات ال 12 الماضية، لبناء اقتصاد داخلي، وتفعيل المؤسسات الإنتاجية، بدلاً من إبقاء اقتصاد البلد معتمداً على إيراد أحادي الجانب (النفط)»، ويشير حسن إلى أن «الحركة الصناعية في العراق شبه معطلة، بسبب انعدام الطاقة الكهربائية. ويشهد قطاع الكهرباء تعثرًا كبيرًا، برغم إنفاق مليارات الدولارات عليه، وذلك بسبب الفساد وسوء التخطيط»، ويُعّد الفساد أحد أبرز الأسباب وراء تدهور الاقتصاد العراقي، فبسببه تعطل تنفيذ أكثر من 9 آلاف مشروع اقتصادي، تنموي وصناعي وخدمي، في جميع المحافظات، وذلك بحسب وسائل إعلام محلية ووكالات عالمية. وأكثر من ذلك، خلَت موازنة 2015 من أي مبالغ مالية لتنفيذ مشاريع خدمية أو استثمارية في عموم المحافظات، وذهبت السلطة إلى مراكمة ديون لن تستطيع إيفائها، فهي قطعت الطريق على زيادة الدخل (خارج إطار ارتفاع أسعار النفط)، وذلك عبر تجميدها الإنفاق الاستثماري؛ وبالتوازي، «حدد قانون موازنة 2015 آليات تجاوز عجز الموازنة من خلال الاقتراض من صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي، أو البنك الإسلامي، أو إصدار سندات خارجية أو داخلية، أو فرض الضرائب والرسوم على البضائع والسلع المستوردة»، طبقا لتصريحات سرحان أحمد، عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي. وتشهد العراق رده فعل شعبية حيث تقوم مظاهرات واسعة في عدة مناطق رفضًا لعدد من الإجراءات اتخذتها الحكومة على مدى الاسابيع الماضية في محاولة لتغطية عجز الموازنة، ومن بينها إصدار سندات خزينة داخلية وخارجية بملايين الدولارات؛ كما لجأت إلى تطبيق قانون زيادة الضرائب على البضائع والسلع. وحصل العراق على أول تصنيف إئتماني له للإصدارات السيادية، واختارت مؤسسة فيتش تصنيف Bمع نظرة مستقبلية مستقرة للعراق وهو ما يقل ست درجات عن التصنيف الاستثماري وعزت ذلك إلى المخاطر السياسية وغياب الأمن الذي قالت إنه من أشد المخاطر التي واجهها أي كيان سيادي يتلقى تصنيفا ائتمانيا من فيتش. وفي إجراء رآه محللون رد سريع على هذه الأزمة وافق مجلس الوزراء العراقي بالإجماع على الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومن أهمها إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وتقليص شامل وفوري في أعداد الحمايات لكل المسئولين في الدولة، كما أمر العبادي بإبعاد جميع المناصب العليا في العراق عن المحاصصة الحزبية والطائفية، وأن تتولى لجنة مهنية يعينها رئيس مجلس الوزراء اختيار المرشحين على ضوء معايير الكفاءة والنزاهة، وتضمنت القرارات دمج الوزارات والهيئات لرفع الكفاءة في العمل الحكومي وتخفيض النفقات. تضمنت قرارات العبادي وضع ملفات الفساد السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد، واعتماد عدد من القضاة المختصين للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين، وعلى صعيد ردود الفعل على قرارات العبادي، رحّب أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية بهذه القرارات، وقال النجيفي إن المعيار المهم في هذه المرحلة الحاسمة للعراق هو الولاء للشعب وتحقيق الإصلاحات ومحاربة الفساد، كما أعلنت الهيئة السياسية للتيار الصدري ترحيبها بقرارات العبادي، ودعت وزرائها ونوابها إلى الموافقة عليها. على صعيد مواز، أعلن المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى أن المدعي العام العراقي أوعز إلى المحاكم العراقية المختصة بالنزاهة بالتحقيق في تهم فساد منسوبة إلى بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، وقال عبد الستار البيرقدار إن رئاسة جهاز الادّعاء العام أصدرت قراراً أوعزت فيه بالتحقيق في التهم المنسوبة إلى الأعرجي.