خلال ما يقرب من عشرة أيام، ضجت الصفحات الثقافية بالبيانات الصادرة عن جماعة من المثقفين ضد جماعة أخرى من المثقفين أيضًا، وبدا الأمر كما لو أن ساحة الثقافة المصرية تشهد معارك حقيقية، وصراعات حول التوجهات والسياسات الثقافية بين رجعي وتقدمي، أو اتجاه وآخر، إلَّا أن مراجعة ما نشر من أخبار وتقارير ومن بيانات متصارعة، يكشف لنا أمورًا أخرى لا تخص مستقبل الثقافة المصرية وأزماتها، بل هي أزمات تخص جمع من الأشخاص في صراع مع أشخاص آخرين. بدأ الأمر بنشر أنباء عن عزم وزير الثقافة عبد الواحد النبوي، إنهاء انتداب الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب وهو ما تم في 27 يوليو وعدم التجديد له لفترة جديدة، وصاحبت تلك الأنباء أخبار عن صدور تقرير من الأمن الوطني يفيد بأن وزير الثقافة ينتمي لجماعة الإخوان، وقبلها بفترة وجيزة كان الوزير اتخذ قرارات بإنهاء انتداب الدكتور محمد عفيفي، أمين المجلس الأعلى للثقافة، وأنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة، الأمر الذي مر بهدوء دون أن يثير ضجة من أي نوع، رغم الكفاءة التي شهد لها الكثير من المثقفين، الذين غضبوا لإنهاء انتداب مجاهد لكفاءته. سرعان ما توالت البيانات الرافضة لقرار النبوي، التي لم تقف عند الرفض لإنهاء ندب مجاهد، بل طالبت رئيس الوزراء إبراهيم محلب، بإقالة وزير الثقافة، واتهامه بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وتفريغ الوزراة من كوادرها، واتباع سياسة الأرض المحروقة، مثل بيان جبهة الإبداع المصرية، الذي جاء في نصه "إن جبهة الإبداع تتابع بقلق بالغ كل ما يحدث في أروقة وزارة الثقافة، فوزيركم يعلم جيدًا أنه سوف يمضي قريبًا، لكنه يطبق سياسة الأرض المحروقة، وعليه فإنه يجرد وزارة الثقافة من الكفاءات قبل رحيله، وكأنه ينفذ الأجندة التي عجز علاء عبد العزيز، وزير ثقافة الإخوان عن تنفيذها". وفي المقابل صدرت البيانات المؤيدة والمباركة للقرار، والتي رأت في تغيير القيادات تغييرًا للدماء، مثل بيان صفحة «ائتلاف وزارة الثقافة المصرية»، وهو منسوب ل«مثقفي مصر وموظفي الهيئة المصرية العامة للكتاب»، يؤيدون خلاله إنهاء انتداب أحمد مجاهد؛ انطلاقًا من الحرص على الإصلاح، وبسبب ما يحدث في الهيئة من هيمنة مجاهد عليها، والفساد الذي تفشى في فترة رئاسته، الذي أدى إلى غياب الرؤية وتراجع المستوى الثقافي وانحطاطه، وكذلك أدى إلى عوامل كثيرة، منها تفشي الفساد والاستبداد والتبعية، وتردِّي حال المثقف المصري إلى درجة غير مسبوقة من البؤس والشقاء، وأدى إلى غياب رسالة هيئة الكتاب ودورها، وهيمنة تكاد تكون شاملة للفوضى والعشوائية في الممارسة، وطغيان شبه تام للمحسوبية والشللية وحسابات المصالح على حساب رسالة ودور وأداء هيئة الكتاب، حسبما جاء بالبيان. إلى جوار تلك البيانات، كانت تصريحات الكثير من المثقفين تقف على رأس أحد القطبين، والملاحظ أن ما يجمع بين البيانات باختلاف توجهاتها، أنها جسدت المعنى الذي طالما انتقده المثقفون أنفسهم ورأوا فيه إحدى كبرى أزمات الواقع السياسي والاجتماعي، ألا وهو الاستقطاب، حيث تمركزت البيانات والآراء حول شخص النبوي وشخص مجاهد. بل وتبادل الفريقان اللذان جمعتهما حدة الاستقطاب، الاتهامات والشتائم والخيانة للوطن، ورأى المؤيد أن من يقف في صف مجاهد يفعل ذلك بغرض "السبوبة" والاستفادة من الهيئة، وهذا هو الحكم عينه الذي أطلقه الرافضون للقرار. الملاحظ أيضًا أن الكثير من شباب الكتَّاب والمثقفين، وغالبيتهم خارج إطار المؤسسة الحكومية،لم يتورطوا في تلك الحرب، بل جاءت آرائهم ناقدة لكل من القطبين المتصارعين على المناصب، وكذلك اتخذ الكثير من المثقفين الكبار الموقف نفسه.