عندما تختار اسما لابنتك أو ابنك القادم للحياة، فإن هناك عدة أمور تتبادر لذهنك، الأول أن يكون الاسم جميلا لا يحمله في المستقبل أعباء الدفاع عنه، وأن يكون معبرا عن توجه ما، فتختار له اسم زعيم سياسي تيمناً به أو حباً فيه، وتبتعد عن الأسماء التي التصقت بأصحابها شكوك حول أدائهم أو رفضا شعبيا، فمثلا، في الفترة التي أعقبت ثورة 52 سُمى كثير من الأولاد في ريف مصر ب"جمال" و"ناصر" نسبة إلى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي مثل البطل الشعبي في هذه الفترة، لدرجة أن الأطفال عندما كانوا يتنافسون في صعيد مصر وأريافها على فعل شيء كانوا يطلقون الجملة المشهورة في ذلك الوقت "لو أبوك ناصر إعملها كدة"، كما سميت كثير من البنات ب"ثورة" و"حرية" (ستجد هذه الأسماء منتشرة بين أجدادك). وبالتالي فإن انتشار الأسماء لا يعبر فقط عن جمالها ولكن عن الرؤية أو الأيديولوجيا الحاكمة للمجتمع في هذه الفترة، وإن كان الكثيرون يسيرون على نفس النهج ليس إيمانا بهذه الأفكار، ولكن بسبب تحول هذه الأسماء لما يشبه الموضة. وبنظرة بسيطة للأسماء المنتشرة في مصر خلال الفترة الماضية وهو أمر يمكن قراءته بمتابعتك لتوجهات الأهل والأصدقاء في إطلاق الأسماء علي المواليد، ولا يحتاج لاستطلاعات أو حتى تحليل لبيانات السجلات المدنية سنجد أمرين، الأول هو انتشار الأسماء ذات الدلالات على الفترة الملكية مثل فريدة، وفوزية، وفريال، وكلها أسماء ملكلات وأميرات في العائلة المالكة قبل الثورة، وإن دلك على شيء فإنه يدل على أن الحملة الشرسة التي استهدفت النيل من ثورة يوليو وتحدثت كذبا عن عظمة مصر في الفترة الملكية أتت بالنتائج المرجوة منها، حتى إن بعض المحسوبين على التيار القومي، والحركة الشيوعية وقعوا في ذلك الخطأ تحت شعار الموضة. الأمر الآخر يتعلق بأسماء ليست بنت هذا المجتمع لكنها دخيلة عليه، مع انتشار الفكر الوهابي مثل معاذ ومصعب وغيرها من الأسماء بنت البيئة الصحراوية التي تعبر عن انتشار السلفية في مصر. هنا تبدو الأسماء تعبيرا عن الأزمة الثقافية والسياسية التي يعيشها المجتمع، بين تيار يحاول العودة بمصر للوراء، وتبرير فجائع الماضي بل إلبساها ملابس العظمة، والانحناء للتاج الملكي، ووصم الثورة بما ليس فيها لتبرير التوجهات الاقتصادية التي تعتبر "الوطن" مجرد ساحة للثراء المحرم، ويؤسس لعودة المجتمع الطبقي، وبين تيار آخر، يحرم الديموقراطية فيحرمك من الاعتراض، ويعتبر نفسه يد الله في الأرض، يسرق ليس فقط الأموال، لكن الأجساد والأحلام. التياران لا يتنافسان، بل يكملان بعضهما البعض، كل منهما يستفيد من الآخر، ولك أن تتخيل أن مصدر الوهابية هو من أنفق على إنتاج "مسلسل الملك فاروق" في محاولة لغسل ماء وجه الملكية البغيضة. إنهم "آل سعود".