لأننا أصحاب الصوت الأعلى في انتقاد أنفسنا، بات كثيرون يتهمون "الناصرية" دون غيرها من التيارات السياسية بالسير في ركب السلطة، على الرغم من أن كثيرا من الأصوات التي تعلو في زمن الصمت وتنتقد نظام السيسي، وتثبت أنه امتداد لنظام المخلوع "مبارك" معادياً لثورة 25 يناير وأهدافها، ناصرية التوجه، وهذا لا ينفى وجود أصوات من كل التيارات السياسية تفضح النظام وتعترض على سياساته. الأمر في مصر الآن يتعدى مرحلة فرز الناصريين، ليشمل كل التيارات السياسية، الذي يبدو أن جميعها تعرضت لصدمة "30يونيو"، وبات الخوف من جماعة الإخوان، هو المحرك الرئيسي لردود أفعالها بشأن كل ما يدور في الوطن. فبينما هناك ناصريون لعبوا درواً في تقديم "السيسي" باعتباره الزعيم الملهم المخلص، الذي جاء في الوقت المناسب لتخليص مصر من كبوة الإخوان، بل تعدوا ذلك لتشبيهه بجمال عبد الناصر، نجد شيوعيين أعلنوا تأييدهم المطلق للسيسي، واصطفوا مع رجال أعمال مبارك، في خندق واحد، وقبلوا التوقيع على البياض لرئيس بلا برنامج سياسي، أو توجهات اجتماعية واقتصادية معلنة، وشاركوا بعض الناصريين في صنع أسطورة "السيسي"، بل تعدي الأمر ذلك لتبرير كل القرارات الاقتصادية الذي اتخذها بعد فوزه في الانتخابات، المنحازة لرجال الأعمال التي تزيد الفقراء فقرا، وتسير في ركب سياسات المخلوع. كما نجد ليبراليين، ممن تشدقوا كثيرا بالحديث عن الحريات، وهم لا يملكون سوى الحديث عنها في ظل توجهاتهم الاقتصادية المتماثلة مع نظامي "الإخوان، ومبارك"، ليتهموا المدافعين عن الحرية بالتهور، ويصطفوا مع القمع في خندق واحد. واتفق المؤيدون من كل التيارات السياسية على سب شباب الثورة، وقبول إجراءات القمع التي تقيد الحريات، من قوانين تظاهر وانتخابات، يؤسس لعودة سيطرة المال السياسي. وتعد هذه الفترة، مرحلة فرز لكل التيارات السياسية، التي باتت تنقسم بين متمسكين بأهداف الثورة التي تجمعنا من أجلها، رافضين الانخراط في موجة الدفاع عن نظام أثبت الواقع أنه مجرد امتداد لنظام ثرنا عليه، وبين آخرين قرروا الانخراط في بلاط النظام. وبعد الفرز، يمكننا معرفة المتمسكين بالثورة من كل التيارات السياسية، الذين رفضوا أن يكونوا مهرجين في بلاط الحاكم، بحثاً عن مكسب أو موقع، أو حتى وقعوا في فخ السلطة، واختاروا بين الأمن والحرية، أو حاولوا كسب أمان زائف من إجراءات قمعية قد تطولهم، حال تمسكهم بأفكارهم. هنا يمكن حساب المتمسكين بأهداف الثورة من كل التيارات السياسية، ما عبر عنه الشاعر مصطفي إبراهيم: بعد طرحك من الحساب للعساكر والكلاب والأرانب والفيران والأجانب والغيلان والأرايل والقرون والمرايل والدقون اللي فاضل يا أفاضل …هو دا تعداد وحصر للعيال اللي جبتهم في الحلال الست مصر