في الوقت الذي يشتد فيه الاقتتال بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية فى عدد من الولايات، راح على إثره في الأيام القليلة الماضية أكثر من 60 شخصاً، حققت الأزمة الأفغانية على الصعيد السياسي أخيراً، اختراقاً واضحاً قد يكون مقدّمة لحلّ مشاكل البلاد التي شهدت 14 عاماً من الحروب. وتمثل هذا الاختراق في انعقاد الجولة الأولى من الحوار المباشر بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" في العاصمة الباكستانية، إسلام آباد، ورغم أن الجولة انتهت دون أن يعلق على تفاصيلها أي طرف، باستثناء الإعلان عن اتفاق الطرفين على مواصلة الحوار وإجراء الجولة التالية قريباً، فإن انعقاد جلسة الحوار المباشر بين طرفي الصراع الأفغاني، ومجرد أن ترضى "طالبان" بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع حكومة لطالما وصفتها بالعميلة وغير الشرعية، يعدّ نجاحاً كبيراً، لاسيما الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، الذي تحمل الكثير من الضغوط الداخلية بسبب علاقته مع باكستان، وسعى جاهداً للمصالحة مع "طالبان". وصف زعيم حركة "طالبان" الملا عمر هذه المحادثات "بالشرعية"، ويعتبر أول رد فعل لزعيم الحركة المتواري منذ الاتصال المباشر الذي جرى الأسبوع الماضي في باكستان، مع أنه لا يذكر بشكل واضح هذه الدورة التمهيدية من المحادثات، وأكد في هذه الرسالة التي نشرت على الموقع الرسمي ل"طالبان" أن "بموازاة الجهاد المسلح، تشكل الجهود السياسية والطرق السلمية (…) مبدأ إسلاميا شرعيا". وأضاف "عندما نتمعن بمبادئنا الدينية ندرك أن اللقاءات وحتى الاتصالات السلمية مع الأعداء ليست محظورة". وبحسب التسريبات الصحافية، فإنّ الحوار جرى في جوّ إيجابي للغاية، وارتكز في الأساس على ثلاث نقاط رئيسية هي: مواصلة العملية وجعلها مشروعاً مستمراً لا ينقطع حتى الوصول إلى الحلّ النهائي للأزمة الأفغانية، والآلية الشاملة للحوار، والوضع الأمني، ولمّحت التسريبات إلى أن وفد الحكومة الأفغانية طالب ممثلي "طالبان" بالوقف الفوري للعمليات العسكرية في أفغانستان بغية نجاح عملية الصلح، لكنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن، إذ أن الجولة الأولى كانت بمثابة جلسة تمهيدية للمرحلة المقبلة، المزمع انعقادها في مدينة أرمتشي الصينية. ولم يتم التأكد بشأن توقيت موعد المرحلة المقبلة، لكن الطرفين وافقا على مواصلة الحوار، وهو ما لمّحت إليه الخارجية الباكستانية، شاكرة كلا من حركة "طالبان" والحكومة الأفغانية لتلبيتهما دعوة باكستان. من جهتها، أصدرت الخارجية الأفغانية بياناً شكرت فيه الحكومة الباكستانيةوالولاياتالمتحدةوالصين، وأشادت بدور باكستان لاستضافتها الحوار بين الأطراف الأفغانية، آملة أن تكون هذه المرحلة حجر أساس لعلمية حوار شاملة تقضي بحل الأزمة الأمنية في البلاد، وذكرت أن الحوار مع "طالبان" يحظى بدعم جميع الأطياف الأفغانية. فيما أكدت الخارجية الباكستانية أن الحوار بين الأطراف الأفغانية المتخاصمة قد جرى في جو إيجابي، معتبرة إياه خطوة مهمة ونجاحاً كبيراً لبلادها، بدورها، رحبت الولاياتالمتحدة بالمحادثات المباشرة بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، وأشاد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست بدور الحكومة الأفغانية بهذا الشأن، مؤكداً أن انعقاد الحوار في إسلام آباد يشير إلى عزم الحكومة الأفغانية على حل الأزمة الأمنية عبر حوار بناء. ثمة أمور تشير إلى وجود اختراق في المحادثات بما يؤدي إلى مواصلة الحوار على الأقل في الوقت الراهن، فالحوار يعقد بالتنسيق بين القوى الدولية والمحلية، إذ حضر مندوبو كل من الصينوالولاياتالمتحدةوباكستان الجلسة الأولى، وكانت حركة "طالبان" تصر على مدى الأعوام الماضية على التفاوض مع الولاياتالمتحدة، معتقدة أن زمام الأمور بين يديها، كما كانت تسعى إلى إقناع واشنطن بشطب أسماء قيادتها من القائمة السوداء. من جهة ثانية، فإن مشاركة شبكة حقاني الموالية لحركة "طالبان" ودعمها الكامل للمحادثات، أمر إيجابي آخر يعزز فرص استمرار المفاوضات، غير أن ثمة مخاوف من وقوع تصدع داخل "طالبان" إذ إن قيادات بارزة في اللجنة العسكرية كانت تعارض الحوار مع الحكومة الأفغانية، وهناك خشية من انفصال بعض هؤلاء من الحركة، وانضمامهم إلى "داعش"، لاسيما أن هناك العديد من القيادات الميدانية نقضوا ولائهم لزعيم التنظيم الملا عمر، وأعلنوا مبايعتهم لزعيم "داعش" البغدادي. ثمة خشية أخرى وهي أن حركة "طالبان" قد تخسر شعبيتها أكثر إذا فشلت المفاوضات، حيث إن عودة "طالبان" إلى طاولة المفاوضات حدثت نتيجة ضغوطات باكستانية، علاوة على ذلك، فإن المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية و"طالبان" أتت في وقت كثف فيه تنظيم "داعش" أنشطته في أفغانستان، كما أعلنت أحزاب أخرى معارضة للوجود الأجنبي في أفغانستان، الولاء لتنظيم "داعش"، ما يعني أن المفاوضات بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، حتى وإن نجحت، فإنها لا تعني إنهاء الأزمة الأمنية بصورة كاملة.