حالة من التخبط العام بين قرارات مجلس الوزراء ووزارة الزراعة، ففي 11 يوليو الماضي، أصدر وزير الزراعة الدكتور صلاح هلال، قرارًا بحظر استيراد القطن من الخارج، لحين تسويق القطن المحلى بواقع كميات بلغت مليون و750 ألف قنطار عن مساحة منزرعة 249 ألف فدان بمختلف المحافظات، بالإضافة إلى تسويق مليون قنطار قطن محلى مخزنة فى المحالج للتجار بعد شرائها من الفلاحين العام الماضى، ولم يتم تسويقها حتى الآن. التقديرات الرسمية تشير إلى أن الإنتاج الكلي لمصر من القطن خلال الموسم الحالي بلغ نحو 1.9 مليون قنطار، وسجلت صادرات القطن المصري تراجعًا بأكثر من 21 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، وقرار إعادة استيراد القطن من الخارج يعصف بالمنتج المحلى من القطن المصري، وهو ما يدفع كثيرًا من مزارعي القطن المصري إلى عدم التفكير في زراعته مرة أخرى. وقال الدكتور شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز بحوث الصحراء، إن القرار الذي اتخذه وزير الزراعة بعدم استيراد القطن من الخارج لاقى قبولاً من المزارعين، وعلى الجانب الآخر لاقى معارضة من رجال الصناعة والتجار ورجال الأعمال، لافتًا إلى أن القرار الذي أصدره مجلس الوزراء أمس الأربعاء باستيراد القطن من الخارج يعد استسلامًا من الدولة لرجال الأعمال والغرف التجارية، وأضاف ان ذلك القرار تترتب عليه صعوبة في تسويق القطن المصري في سبتمبر القادم. وأضاف أن ذلك يعني أن الدولة المصرية تنفذ أجندة رجال الأعمال والصناعة على حساب مصلحة العمال والفلاحين، وهو ما يجعل الحكومة تتحيز طبقيًّا لفئة على حساب أخرى، كما أن ذلك يتعارض مع كلام الحكومة عن العدالة الاجتماعية، وبالرغم من أن هناك بعض السياسات التي تعطي شكلاً من أشكال التحيز للفقراء، ولكن ذلك لا يكفي. وقال محمد برغش، نقيب الفلاحين، "إن الدولة أهدرت كرامة القطن المصري، عن طريق السياسة المتبعة في استيراد وتصدير القطن، وعملية البيع والشراء، كما جعلت كرامة الفلاح المصري تحت الأرض، لافتًا إلى أن الدولة ليس لها هم إلا تقديم الفلاح بالرخيص لمن يشتري، عن طريق تركه فريسة للتجار"، وأضاف "أنا كفلاح أعترف أني خارج حماية الدستور، ويمارس عليَّ التمييز والاضطهاد". وشدد برغش على أن الدولة التي يتدهور فيها إنتاج القطن عليها أن تراجع سياستها تجاه التعامل مع ذلك المنتج الذي يعد من أهم وأجود المنتجات بالعالم، كما أنه يعد من قضايا الأمن القومي، لافتًا إلى أن سياسة الدولة أحبطت مستقبل 51 مليون فلاح، ففي الوقت الذي تدعم فيه الحكومة الصادرات بمليارين ومائتي مليون، تكافئ الفلاح وهو صاحب المنتج بزيادة أسعار الوقود والكيماويات. ولفت إلى أن استمرار هذا الوضع كما هو عليه يعني أن الحكومة تستغنى عن زراعة القطن، وذلك بعد أن تقلصت رقعة الأرض الزراعية من 2 مليون فدان إلى ما يقرب من 150 ل 200 فدان لزراعة القطن. وقال الحاج محمد العقاري، أحد مزراعي القطن، وعضو نقابة الفلاحين، إن وزير الزراعة السابق الدكتور عادل البلتاجي، كان قد أصدر قرارًا بعدم شراء القطن المصري من الفلاحين، وهو ما ترتب عليه حالة من الغضب بين مزارعي القطن، ونتج عنه عدم زراعة الكثيرين للقطن في العام التالي، وهو ما ترتب عليه نقص الكمية التي تنتجها مصر سنويًّا، لافتًا إلى أن القرارات غير المدروسة قد تضر أكثر مما تصلح، خاصة وأن الضرر يقع على تلك الفئة التي تنتج أهم المحاصيل جودة في العالم. وأضاف أن القرار الذي أصدره مجلس الوزراء أمس بإعادة فتح الاستيراد من الخارج به شقان: الأول أن توجد مصانع تعمل على القطن الذي يتم استيراده من الخارج، وهو ما يتماشى مع إنتاج بعض المنسوجات؛ حتى لا يوجد عجز بها، وتستطيع المنافسة، والثاني أنه على الحكومة أن تتعهد وتقدم الضمانات لشراء القطن المصري من الفلاحين، موضحًا أن "القرار إذا كان يعمل على ذلك، فنحن نرحب به. أما إذا كان غير ذلك فنحن نعترض عليه". وأضاف أن الحكومة اتجهت خلال الفترات الماضية لشراء ماكينات تعمل فقط على القطن الذي يتم استيراده من الخارج، وهو ما يتنافي مع مفهوم تشجيع المنتج الوطني ودعمه بكافة الوسائل، مشيرًا إلى أن الفلاح المصري في حال لا يخاطر بتكرار خسائره.