هو واحد من أقدم مساجد مصر، ويعد ثانى مسجد تم بناؤه فى إفريقيا عقب الفتح الإسلامى لمصر، ويحمل مسجد التوبة بدمنهور ملامح خاصة تمتزج بين الدينية والاجتماعية والسياسية والأثرية، فهو المسجد الذى بنى ليكون قبلة للتائبين، ثم تحول بعد قرون؛ ليكون قبلة للثائرين وشاهد عيان على كافة الفعاليات الثورية التى شهدتها مدينة دمنهور خلال العقود الأخيرة، حتى إن آخر رموز المدينة الذى ودعته من مسجد التوبة الدكتور عبد الوهاب المسيرى تحولت جنازته إلى تظاهرة صامتة للتنديد بنظام مبارك. ولعل محيط المسجد الذى يقع على تبة عالية بالقرب من ميدان المحطة وفى بداية شارع أحمد عرابى أحد أعرق وأهم شوارع دمنهور، كان له نصيب هام من أحداث ثورة يناير. ففى ذلك اليوم تجمع العشرات من النشطاء على سلالم المسجد؛ ليكونوا الشرارة الأولى لأحداث ثورة لم تتوقف إلا بإسقاط نظام مبارك، وما بين "التوبة" وميدان الساعة الذى يقع فى نهاية شارع أحمد عرابى كانت أحداث جمعة الغضب التى انطلقت من كافة مساجد المدينة؛ لتلتقى أمام مسجد التوبة، حيث الانطلاقة الكبرى. ويقول محمد العش، مدير أوقاف البحيرة، إن المسجد يعود تاريخه إلى بداية الفتح الإسلامى لمصر منذ حوالى 14 قرنًا وقبل فتح الإسكندرية سنة 21 هجرية، حيث يعتبر ثانى مسجد بنى فى مصر وإفريقيا بعد جامع عمرو بن العاص بالقاهرة. ويقع على ربوة فى مكان استراتيجى ومتميز بمدينة دمنهور، بالقرب من محطة السكة الحديد، وهو تحفة من البناء المعمارى الإسلامى؛ نظرًا لوجود عدة زخارف رائعة وأعمدة من أفضل أنواع الرخام. وللمسجد دور اجتماعى لأهالى المدينة، حيث يوجد به معهد لإعداد الدعاة ودار لتحفيظ القرآن الكريم وفصول تقوية لطلبة المدارس، كما تقام به المناسبات الرسمية والاحتفالات الدينية المختلفة. ويضيف العش أن المسجد تم افتتاحة مؤخرًا بعد عمليات ترميم واسعة تكلفت مليون و400 ألف جنيه، جميعها من الجهود الذاتية من أهالى المدينة. وأكد علاء الخيام، القيادى فى حزب الدستور بالبحيرة، أن "مسجد التوبة بموقعه في منطقة عالية قلب المدينة يعتبر شاهدًا على الأحداث، وفي بعض الأحيان حارسًا لها". وأضاف "بدايتي معه كانت عندما خرجت في جنازة أستاذي الدكتور عبد الوهاب المسيري، وكم كنت أشعر بأنهم مترابطون ومتشابهون". وتابع "أما الارتباط الكبير مع مسجد التوبة فكان في ثورة يناير، وكان تجمعنا يوم 25 يناير على سلمه الأمامي في اتجاه شارع عرابي، وحمتنا أسواره من تعامل الأمن، وكانت السلالم هي المنصة التي هتفنا عليها، وتجمع المواطنون في حماه وحول جدرانه، واستمر يحتوينا في كل فاعلياتنا الخاصة بالثورة، والتجمع غالبًا ما كان نبدأ عنده، وفي بعض الأحيان ينتهي أيضًا عنده، وعُلِّقت على جدرانه صور الشهداء لفترة طويلة، إلى أن تم ترميمه في الفترة الأخيرة، وكلما مررت بجواره تذكرت كل تلك الأحداث". ولا يتوقف دور مسجد التوبة عند ذلك، فهو يمثل أيضًا ضالة المغتربين أو التائهين أو الباحثين عن قسط من الراحة. فكما يؤكد على صالح أحد الباعة المجاورين للمسجد أن كل من يأتون من ريف البحيرة لقضاء حوائجهم لا بد أن يمروا على مسجد التوبة، حيث إن موقعه المتميز وسط البلد وبجوار المحطة جعله ملجأ للقادم إلى المدينة للراحة من عناء السفر، خاصة بين الظهر والعصر.