يوظف في روايته الجديدة، جزءا من سيرته الذاتية، أثناء إقامته في الأردن لعامين، ثم انتقاله إلى إسبانيا، وفيها يدعو للبحث عن الحب في مواجهة الخراب، قائلا: "أنا محسن مُطلك الرملي، مؤلف كل الكُتب التي تَحمل اسمي، باستثناء هذا، ولو لم أكن شقيقا لحسن مُطلك لكتبتُ ضِعف ما نَشرته حتى الآن، أو لما كتبتُ أي منها أصلاً ولا حتى اهتممتُ بهذا الكتاب الذي وجدته صدفة حين كنتُ في الأردن، فغيّر حياتي كلها وجئت إلى إسبانيا بحثا عن المرأة التي كتبَتها، إنها امرأة تبحث عن الحُب وأنا أبحثُ عنها". صدرت عن دار المدى في بيروتوبغداد وأربيل، رواية جديدة للكاتب العراقي محسن الرملي، بعنوان «ذئبة الحُب والكُتب»، تضم 21 فصلا، من بين عناوينها: جريمة في الأردن، الزواج إيجار للجسد، حُب الشيشاني، حُبّي قَبيلة مَجانين، دخول التصوّف والخروج منه، مهابة الماء والصمت في اليَمَن، الأمريكان في بغداد، أنيس العوانس. تعتمد الرواية على البوح الداخلي حول موضوع الحب تحديدا وسط الظروف التي مر بها العراق في العقود الأخيرة، وتنتقل شخصيتها الرئيسية (هيام) بين العديد من البلدان كسوريا والأردن واليمن والسودان وليبيا والمغرب، ثم انتقالا إلى إسبانيا، ونجد في الرواية شخصيات حقيقية، مثل الشاعر عبدالوهاب البياتي والروائي مؤنس الرزاز والمسرحي عوني كرومي وغيرهم. وكما جاء على غلاف الرواية الأخير، فإنها عن عراقيين، امرأة ورجل، يبحثان عن الحُب في ظِل الحُروب والحِصار والدكتاتورية والاحتلال والمغترَبات. "إنها رواية حُب تدعو للحُب في أزمنة تُهمش الحُب، لذا يهديها كاتبها إلى كل الذين حُرِموا من حُبهم بسبب الظروف، ذِئبَة الحُب والكُتُب رواية مُثقَّفة عن مُثقَّفين، تَمنح المتعة والمعرفة لقارئ يجيد الإنصات إلى بوح الدواخل وانثيالاتها، إنها بمثابة بحث عميق في الخفي والمكبوت، تتقصى العواطف والجمال والأمل الإنساني وسط الأوجاع والخراب، مكتوبة بلغة وأسلوب وتقنية مختلفة عما عهدنا عليه محسن الرملي في أعماله السابقة، حيث يمزج فيها بعض سيرته الذاتية بالخيال، متقمصا صوت المرأة، ومتعمقا أكثر في جوانح شخصياته بعد أن وصف ما مر به بلده من أحداث قاسية وتحولات عصيبة في رواياته السابقة التي تُرجِمَت إلى أكثر من لغة: (حَدائق الرئيس)، (تَمْر الأصابع) و(الفَتيت المُبَعثَر)". لم تكن تلك الرواية أحدث إصدارات الرملي، إذ صدرت مؤخرًا الطبعة الثانية من روايته «تمر الأصابع»، التي لا تبعد كثيرًا عن المنطقة التي كتبت فيها روايته الجديدة، إذ تتقاطع أحداثها بين أحداث الماضي وذكريات العراق مهد طفولة الكاتب و"مهد الحضارات"، وبين أحداث حاضر تدور في إسبانيا محطّته "للسلام بعد طريق طويل مكتظ بالحروب"، بين ما يربط الإنسان بموطن الأجداد، وبين حياته في بلد الهجرة المحتضن للقادمين أو الهاربين من واقع بلادهم الأليم، بأسلوب روائي قصصي، يقابل الكاتب المَشاهد والصور التي تبرز المواضيع الأساسية لحياتين مختلفتين تعودان للشخص نفسه، إحداهما كوّنته ولا زالت تسكنه حنينا، والأخرى مكتسبة يعيشها بإرادته، ويفرضها التأقلم مع يوميات حاضر عملي: "فمنذ هروبي خارج أقواس العراق قبل عشرة أعوام وطّنت نفسي على النسيان حتى توطّنت". وفي محاولة للوصل بين الحياتين، كان الراوي يقصّ صورا من الجرائد لموطنه الأصلي، ينتقي منها الأقل قسوة، ويعلقها على جدران غرفته. ينظر إليها ويمارس حسب ما يقول "هويّتي الأولى، حنيني، شوقي إلى احتضان أمي واخوتي، إلى زيارة قبر عالية، إلى السباحة في نهر دجلة، إلى أصدقائي، إلى أبقارنا وحميرنا ودجاجاتنا والجبل"، وعالية هي ابنة عمه وحبيبته الأولى التي قضت غرقاً في النهر. لكنه يستنتج بعد حين: "كنت ألصقها بنيّة التخفيف من غربتي لكنها في الحقيقة تزيدها". كانت هذه الصور أيضاً مصدر تعليق الأب الذي التقاه صدفة في اسبانيا، إذ قال: "كنت أظن بأنك أعقل من هذا..وألا تقع في الحنين المرَضي الذي يقع فيه جلّ المغتربين حين يصورون لأنفسهم بأن كل شيء جميل في بلادهم التي غادروها.. بما في ذلك الخرائب والمزابل..". ذكريات ماضيه حاضرة بقوة، وسرد قصص قريته و"فضح" أهله، نال تشجيع أبيه الذي قال له: "أكتب ما تشاء فلن يحدث أسوأ مما حدث.. هذا العالم جايف". أبوه الذي فوجئ بوجوده في إسبانيا وأصبح شخصاً مختلفاً تماماً عن ما كان عليه في العراق، وكأنه ليس هو نفسه الذي جرّهم "لمحاربة الحكومة لمجرد أن أحدهم قد صفع مؤخرة" أخته إستبرق التي كانت رفيقة طفولة الراوي وشبابه. فيستعيد تفاصيل حادث الهجوم على مبنى محافظة تكريت، والذي شارك فيه الجد وشخصيته الحاضرة بقوة. بين الإحساس العميق بمفاهيم الشرق، وبين ما يقدمه الغرب من مفاهيم وأطر ثقافية مختلفة، تتطرق هذه الرواية إلى مواضيع متعددة كالهجرة والاغتراب والحنين والحب، ومفهوم الوطن، عبر صور معبّرة ومشاهد قوية ومؤّثرة، لكن في إطار من الحنان الذي يشذب القسوة، ومن خلال نظرة إنسانية هادئة، تبحث عن الرفعة. محسن الرملي، ولد سنة 1967 في قرية (سُديرة) شمال العراق، تخرج من جامعة بغداد، كلية اللغات (بكالوريوس لغة وأدب إسباني) سنة 1989، يُعد حالياً أطروحة الدكتوراه في جامعة مدريد (أوتونوما) كلية الفلسفة والآداب، بدأ النشر سنة 1983، وحاز على جوائز محلية للشباب في القصة، نشر مجموعته القصصية الأولى (هدية القرن القادم) سنة 1995 في الأردن، نشر مجموعته المسرحية (البحث عن قلبٍ حيّ) سنة 1997 في إسبانيا، كما نشر مجموعته القصصية الثانية (أوراق بعيدة عن دجلة) سنة 1998 في الأردن وإسبانيا، ونشر روايته الأولى (الفَتيت المُبَعثَر) سنة 2000 في القاهرة عن مركز الحضارة العربية، وترجمت هذا الرواية إلى الإنجليزية في أمريكا سنة 2002. عمل في الصحافة ( كاتباً ومراسلاً ومحرراً ثقافياً) في العراقوالأردن وإسبانيا. وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة الثقافية في مختلف الصحف العربية داخل الوطن العربي وخارجه، وفي بعض الصحف الإسبانية. وتنوعت المواد بين: مقالات وتحقيقات ومقابلات وترجمات ونصوص، قُدمت مسرحيته (البحث عن قلب حي) في مهرجان الشمال الرابع في إربد الأردن سنة 1993، ترجَم العديد من الكتب الأدبية من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية، ومنها: مجموعة (المسرحيات القصيرة) لميغيل دي ثربانتس، مختارات من الشعر الإسباني في العصر الذهبي، مختارات من القصة الإسبانية في العصر الذهبي، مسرحية (فوينته أوبيخونا) للوبه دي بيغا، دراما شعرية (طالب سالامانكا) لخوسيه دي إسبرونثيدا، الرواية الأوربية وتحولات العصر.. 21 شهادة روائية. كما أسس سنة 1997مع الكاتب عبد الهادي سعدون دار ومجلة (ألواح)؛ وهي أول مجلة عربية فكرية ثقافية في إسبانيا، ومازالت مستمرة بالصدور، إلى جانب سلسلة طويلة من عناوين الكتب التي نشرتها دار ألواح بالعربية والإسبانية، له مجموعة قصصية باللغة الإسبانية، له اهتمامات أخرى بالرسم والسينما والتلفزيون، وأقام في الأردن خلال عاميْ 1993-1994، يقيم في إسبانيا منذ عام 1995.