أحمد أيوب: الأكاديمية الوطنية نقطة فارقة فى تأهيل القيادات التنفيذية    إدارة الأزمات والتداخلات العاجلةب " الجبهة ": تناقش سيناريوهات الوقاية ومواجهة التحديات    11 قرارًا جديدًا لمجلس الوزراء.. تعرف عليها    ألف جنيه انخفاضا في سعر الأرز للطن خلال أسبوع.. الشعبة توضح السبب    الرئيس السيسي يتابع مستجدات مبادرة الرواد الرقميون ويوجه بدراسة سبل توسيع قاعدة المستفيدين    محافظ المنوفية: الأرض الزراعية خط أحمر.. وإزالة فورية لتعديات على مساحة 175 مترا    مجلس الوزراء يستعرض مشروعات الوصول بالطاقات المتجددة إلى نسبة 30% حتى عام 2030    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    بعد مباحثاته في موسكو.. فيدان يزور أوكرانيا الخميس    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجري زيارة إلى كييف وروسيا الأيام المقبلة    كوريا الشمالية تهاجم قبة ترامب الذهبية وتتعهد ب"تناسق القوة"    ماكرون: مؤتمر حل الدولتين بنيويورك سيشكل زخما للاعتراف بدولة فلسطين    محمد اليماني لمصراوي: "الأهلي سيفوز بالدوري وبيراميدز بدوري أبطال أفريقيا"    هل ينتقل رونالدو إلى الهلال ب"عقد قصير الأمد"؟    «أعظم اللاعبين على الإطلاق».. رابطة محترفي الاسكواش تتغنى ب علي فرج    الكشف عن تفاصيل عقد دى بروين مع نابولي    وزير الشباب يقرر تعديل اللائحة المالية للهيئات الرياضية    «اشربوه مصانش نادية».. رسائل نارية من جمال عبدالحميد لمسؤولي الأهلي بسبب زيزو    النيابة: حفيدك يقول إنك كبرت بالسن ولا تعرفي الإدارة.. نوال الدجوي: «عاوزين يخدوا فلوسي»    حملات أمنية لضبط متجري المخدرات والأسلحة والهاربين من تنفيذ الأحكام    دار الإفتاء المصرية تعلن رؤية هلال شهر ذي الحجة لعام 1446 ه    رصاص تحت الدائري.. قرار من الجنايات بشأن محاكمة "الغنتوري"    اليوم.. عادل عوض يناقش سينما سبيلبرج في مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية    «تقدير الجمهور أغلى جائزة».. مي عمر تعلق على فوزها ب أفضل ممثلة عن «إش إش»    تشييع جثمان والدة المخرج خالد الحجر    المسلماني في منتدى دبي : ثقافة الترند مصدر تهديد للأمن القومي    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذى الحجة.. دار الإفتاء تجيب    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    حكم صلاة الجمعة إذا جاء العيد يوم جمعة.. الإفتاء توضح الرأي الشرعي    فريق طبي بمستشفى العجمي بالإسكندرية يُنقذ حياة مريض بعد طعنة نافذة في الصدر    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    متحدث «الصحة»: بعثة مع الحجاج المصريين لتقديم الرعاية الطبية    تفاصيل الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من "حقوق السوربون" بجامعة القاهرة    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    افتتاحات مرتقبة لقصور الثقافة في القاهرة وسوهاج وسيناء    هل يوقع أحمد الشرع على اتفاق تطبيع مع إسرائيل؟    حسم الدوري.. التشكيل المتوقع لبيراميدز في مواجهة سيراميكا كليوباترا    البطيخ والكلى.. علاقة مفيدة أم ضارة؟    لمواجهة الفكر المتشدد.. "أوقاف الفيوم" تنظم دروسًا منهجية للواعظات    وزارة العمل: تخريج دفعة جديدة من برنامج "همم مهنية" على صيانة المحمول    محافظ بنى سويف يستمع لمشاكل واحتياجات أهالى قرية بنى هانئ    «المنشاوي» يفتتح تطوير الصالة المغطاة بالقرية الأولمبية بجامعة أسيوط    الزمالك يفقد خدمات الجفالي في نهائي كأس مصر    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل الغارة الجوية الإسرائيلية على صنعاء    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    «تمريض بني سويف» تستقبل لجنة الدعم الفني بمركز ضمان الجودة    صندوق النقد يحث مصر بتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم    "أدهم ضحية بلا ذنب".. مقتل بائع متجول تصادف مروره قرب مشاجرة بسوهاج    الحوثيون: إسرائيل شنت 4 غارات على مطار صنعاء    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجوم في سماء القرآن.. «المنشاوي» القارئ البكَّاء
نشر في البديل يوم 18 - 06 - 2015

قرأ في المحافل وعمره 11 عاما.. وانتقلت الإذاعة إلى بلدته لتسجيل تلاوته
عيَّن قارئًا لمسجد الزمالك.. واشتهر في أرجاء العالم الإسلامي.. وسجل أخشع ختمة قرآنية مرتلة
زار الكويت وليبيا والأردن والعراق وباكستان.. وكرمته سوريا وإندونيسا
كأن أوتار صوته قدت من المادة الخام للخشوع، وكأن تلاوته تأتينا من نبع فياض للطهر والزهد والترفع، مع إتقان للأحكام، واستيعاب لأصول النغم، وقدرة صوتية مكنته من حفر اسمه في سجل الخالدين، بين الكبار من أئمة التلاوة الذين يهبوننا الجمال والسحر الحلال.
محمد صديق المنشاوي، ابن الأسرة القرآنية المشهورة، عنوان كبير لما تدخره القرية المصرية من مواهب، حتى لو كانت في أقاصي الصعيد، ومنذ ظهوره أصبح النجم اللامع بين قراء الجنوب، متفوقًا على والده، القارئ الكبير، الشيخ صديق المنشاوي، مختطًّا لنفسه طريقًا وطريقة لا يقلد فيها أحدًا، بينما يحاول كثيرون تقليده، والسير على خطاه.
بالموهبة الكبيرة، والتأهيل القوي، استطاع المنشاوي أن يبدأ التلاوة في المحافل وعمره لم يتجاوز أحد عشر عامًا، في مسقط رأسه بقرية المنشاة، بمحافظة سوهاج، والقرى المجاورة.. طفل يقرأ في المحافل!! دون رهبة أو وجل أو تلعثم!! أي تربية كان يتلقاها هؤلاء الأعلام؟ وأي تدريب كانوا يمارسونه ليتمكنوا من الأداء المبهر وجذب الجماهير؟
لكن المنشاوي حبس نفسه أكثر من عقدين في دائرة ضيقة، إذ أصر ألَّا يقرأ القرآن الكريم خارج حدود منطقة إسنا وقنا، ولم يعرف جمهور الإذاعة صوته إلَّا عام 1953، حيث بدأ صعوده السريع، وشهرته في مختلف البلاد العربية والإسلامية.
كان الشيخ المنشاوي، القارئ الوحيد الذي قررت الإذاعة الانتقال إلى بلدته لتسجيل تلاوته؛ بسبب إصراره على رفض الامتثال أمام لجنة اختبار القراء، وبعد عرض التسجيل على المختصين في اللجنة، أجمع أعضاؤها على أن تلاوة المنشاوي تحظى بالشروط الواجب توافرها في أي مقرئ إذاعي، مع الأخذ في الاعتبار أن لجان ذلك الزمان، كانت في غاية الصرامة، فلم يكن الطريق ممهدًا، ولا الباب مفتوحًا إلَّا للأصوات العظيمة، وأصحاب الأداء المتميز.
وبالرغم من موافقة لجنة اختبار القراء على قبول الشيخ المنشاوي، من خلال الاستماع إلى تسجيل له، إلَّا أن الشيخ رفض الانضمام إلى الإذاعة، وظل مصرًّا على موقفه، إلى أن أقنعه أحد معارفه من كبار ضباط الجيش بأنه لا داعي أبدًا لهذا الإصرار، وأن عليه أن يقابل مبادرة المسؤولين بموقف إيجابي، وبالفعل، سافر الشيخ إلى القاهرة، لتبدأ رحلته الإذاعية، كما عينته وزارة الأوقاف مقرئًا للسورة بمسجد الزمالك.
في تلاوته لآي الذكر الحكيم، يتعايش المنشاوي مع معاني الآيات، فيأتي صوته منكسرًا باكيًا مع آيات الوعيد، ويزول عنه الحزن مع آيات الوعد والتبشير، وهو قارئ مكتمل الأدوات: حفظ جيد وتجويد متقن ودراية واسعة بعلم القراءات ومعرفة بالمقامات الموسيقية، وصوت قوي جميل، ثم توظيف كامل لكل هذه الأدوات.
ومع انطلاق شهرته عبر الإذاعة، بدأت الدعوات تنهمر على المنشاوي، من الدول العربية والإسلامية، فقرأ القرآن في محافل كبيرة، في الكويت وسوريا وليبيا، وقرأ في المسجد الأقصى، والأردن والعراق والجزائر، والسعودية وباكستان وإندونيسيا، وسجل تلاوات مختلفة لإذاعات هذه الدول، كما سجل تلاوات لإذاعة لندن.
وفي إندونيسيا، وبصحبة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، قرأ المنشاوي أمام مئات الآلاف، الذين وقفوا على أقدامهم إجلالًا لقراء مصر الكبار، ومنح ملك إندونيسيا المنشاوي وعبد الباسط وسامًا رفيعًا تكريمًا لهما، كما منحته سوريا وسام الاستحقاق من الطبقة الثانية.
ترك المنشاوي ثروة من التسجيلات القرآنية، سواء من تلاوات المحافل، أو تسجيلات الاستوديو، وتعد تلاوته للمصحف المرتل من أكثر التلاوت شعبية، حيث يحرص كثير من المستمعين على اقتناء تلك الختمة الخاشعة الهادئة، التي ينساب فيها صوت الشيخ كأنه جدول رقراق، ليسكب السكينة والاطمئنان في أنفس محبيه.
ينتمي صوت الشيخ المنشاوي إلى طبقة متوسطة، لها وقع حسن على الأذن، وهو صاحب قرار عميق، وانتقالات مقامية سهلة جدًّا، ويغلب على تلاوته مقام النهاوند، الذي كان يذهب إليه بطريقة خاصة، أصبحت دليلًا وعلامة للمدرسة المنشاوية، كما أنه استخدم عدة مقامات أثناء تلاوته للمصحف المرتل.
ولا أظن أن المستمع الواعي ينسى ترتيل الشيخ لسورة يوسف، وتحوله الشهير إلى مقام الصبا، من أول قوله تعالى: "قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين"، حيث يقدم الشيخ ترتيلًا مؤثرًا جدًّا، يستدر الدمع من الأعين، لاسيما وهو يصور لوعة يعقوب على فراق يوسف، وتجدد أحزانه مع غياب أبناء آخرين.
ولعل أداء الشيخ في تسجيله الشهير لسورتي قاف والرحمن، أثناء زيارته للكويت منتصف الستينيات، يمثل نموذجًا واضحًا لمكانة المنشاوي في دولة التلاوة، قوة وتمكنًا وصوتًا متكاملًا.. وكعادة القراء المصريين، بدأ الشيخ تلاوته من مقام البياتي، من أول قوله تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد".. وسار في تصاعد صوتي متدرج، يختلط ببحة خاشعة، لا سيما في طبقة القرار.
وبعد توقف مع مقام الصبا، ينتقل المنشاوي إلى مقامه الأثير النهاوند، فيكرر به قوله تعالى: "قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد"، ويظل مع النهاوند حتى تنتهي آيات الوعيد، ليبدأ قوله تعالى: "وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد" من مقام الراست، ليساهم اختلاف النغمات في إظهار اختلاف المعاني.
ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي في العشرين من يناير عام 1920، ورحل في العشرين من يونيو عام 1969 عن 49 عامًا، ورغم قصر عمره نسبيًّا، إلَّا أن اشتغاله المبكر بفن التلاوة جعله صاحب رحلة قرآنية طويلة، امتدت لقرابة أربعة عقود، ترك خلالها المنشاوي أثرًا كبيرًا في دولة التلاوة المصرية، وحقق شهرة واسعة في أنحاء العالم الإسلامي.
عام 1966، أصيب المنشاوي بدوالي المريء، ونصحه الأطباء بألَّا يجهد حنجرته، لكنه واصل التلاوة، متحديًا ما أصاب صوته من وهن وضعف، ويروي ابنه سعود أن الشيخ كان يقرأ القرآن في عامه الأخير بمنزله بصوت جهوري، إلى درجة أن الجمهور من محبي الشيخ كانوا يجتمعون في مسجد أسفل المنزل للاستماع إليه دون أن يعلم، ولما تفاقمت حالته واشتد عليه المرض نقل إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي، وعرف الرئيس جمال عبد الناصر بحالته، فأمر بعلاجه في الخارج، لكن المنية وافته قبل السفر.
وقد قام محبو الشيخ بجهد كبير لجمع تراثه، وتوثيقه وتنقيته، وعرضه على شبكة الإنترنت ليكون متاحًا للمستمعين في كل مكان، بعد أن تعرضت تسجيلاته للإهمال والتلف، واستخدمت في تسجيل برامج وخطب سياسية، ممن لا يقدرون قيمة التراث، وأظن أن جولة سريعة بين المنتديات القرآنية، تظهر مكانة الشيخ بين المستمعين رغم مرور 46 عامًا على الرحيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.