لم تكن حلاوة صوته فقط هي سبب عشق الملايين له، بينما تفرده في التلاوة والأستاذية في الأحكام أيضًا جعلته يأسر قلوب مستمعيه، الذين أقروا جميعًا أن الشيخ "محمد صديق المنشاوي" وصل لمكانة من التميز وكأنه يفسر القرآن الكريم أثناء قراءاته. ولد القارئ الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي في 20 يناير 1920م، ورحل عن دنيانا عام 1969، وما بين مولده ورحيله ترك لنا تراثًا كبيرًا من التسجيلات الإذاعية. نشأ في أسرة قرآنية عريقة؛ فأبوه الشيخ صديق المنشاوي، وشقيقه الشيخ محمود صديق المنشاوي، وهما علمان من أعلام القراء في زمانهم. ذاع صيته ولقي قبولاً حسنًا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية، وقد حفظ القرآن الكريم وعمره أحد عشر عامًا، وكان "المنشاوي" أحد أولئك الذين وهبوا حياتهم للخدمة في دولة التلاوة، فإذ به درة متفردة لا تكاد تجد لها نظيرًا أو شبيهًا بين هذه الكوكبة العظيمة من قراء القرآن الكريم، ولقب ب"الصوت الخاشع" و"الصوت الباكي" و"أمير القراء". جاءت بداية الشيخ المنشاوي متأخرة بعض الشئ وحدث ذلك إبان الإذاعة المصرية فيها تجوب أقاليم البلاد أثناء شهر رمضان المعظم عام 1953م، وكانت الإذاعة تسجل من "إسنا" عندما كان الشيخ ضمن مجموعة من قراء القرآن الكريم وكانت قراءاته التي أدت إلى اعتماده في العام التالي مباشرة. ولم يكن صوت "المنشاوي" يصافح آذان جمهور المسلمين شرقًا وغربًا فحسب؛ بل لقد ذاع صيته واحتل مكانة عن جدارة واستحقاق بين كوكبة القراء بفضل الله، ثم تميزت قراءاته بقوة الصوت وجماله وعذوبته إضافة إلى تعدد مقاماته وانفعاله العميق بالمعاني والموسيقى الداخلية للآيات الكريمة، ولعل مستمعي القرآن الكريم يلمسون تلك المزايا التي ينطق بها صوت المنشاوي بوضوح فإذا بهم مأخوذون بقوة الصوت وروعته. وقد زار الشيخ "المنشاوي" العديد من البلاد العربية والإسلامية وحظي بتكريم بعضها، حيث منحته إندونيسيا وسامًا رفيعًا في منتصف الخمسينات، كما حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية من سوريا عام 1965م، وزار باكستان والأردن وليبيا والجزائر والكويت والعراق والسعودية، وقد ترك الشيخ أكثر من مائة وخمسين تسجيلاً بإذاعة جمهورية مصر العربية والإذاعات الأخرى، كما سجل ختمة قرآنية مرتلة كاملة تذاع بإذاعة القرآن الكريم وتلاوته. وكان من أغرب المواقف في حياته، حين جاء إليه أحد الوزراء قائلاً له: يكون لك الشرف الكبير بحضورك حفل يحضره الرئيس عبد الناصر ففاجأه الشيخ محمد صديق بقوله: "ولماذا لا يكون هذا الشرف لعبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي؟"، ورفض أن يلبي الدعوة قائلاً: "لقد أخطأ عبد الناصر حين أرسل إلي أسوأ رسله". في عام 1966 أصيب "المنشاوي" بمرض دوالي المريء، ورغم مرضه ظل يقرأ القرآن حتى توفي في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389ه، الموافق 20 يونيو 1969م. "المنشاوي"..صوتًا خاشعًا وقلبًا ضارعًا