على الرغم من أن مصر هبة النيل، وأكثر الدول العربية والإفريقية اتصالا بالبحار والمياه، كونها تمتلك المجرى الملاحي الأشهر عالميا «قناة السويس»، كما تتمتع بكل الثروات التي تؤهلها لريادة التجارة البحرية والنيلية في المنطقة، إلا أن الصدمة الكبرى تكمن فى عدم امتلاكها أسطولا وطنيا يستطيع نقل البضائع والواردات والصادرات المصرية، فضلا عن كارثة الاستعانة بشركة إسرائيلية تحمل اسم "زيم" لنقل البضائع المصرية. تحملت الدولة حوالي 55 مليار دولار تكلفة نقل البضائع المصرية على متن السفن التابعة لشركة "زيم"، خلال العام الماضي، حيث تتحصل الشركة الإسرائيلية على نسبة من نقل التجارة البحرية لمصر، تصل إلى أكثر من 10%، كما ذكر معهد التصدير الإسرائيلي أن نسبة المصدرين الإسرائيليين لمصر ارتفعت خلال العام الماضي بنسبة 9% ليصل إجمالي العدد إلى 123 مصدرا، بينما ارتفعت الصادرات الإسرائيلية لمصر بنسبة 160% خلال الأعوام الماضية. يعود تاريخ التعامل مع شركة "زيم" إلى عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وتعمد بعض المسئولين حينذاك تدمير الأسطول البحري التابع للدولة المصرية، مقابل تسهيل مرور البضائع عبر الشركة الإسرائيلية، التي كان يديرها شخص يدعى أحمد خيري، أمين العام للحزب الوطني بالإسكندرية سابقا. عقب ثورة 25 يناير، رفض عمال شركات الشحن والتفريغ في الموانئ المصرية التعامل مع "زيم" الإسرائيلية، ما اضطر الشركة لتغيير الوكيل وتعديل الاسم التجاري لها، خلال فترة تولي الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث اتخذت الشركة اسماً جديداً "ايست اميد" التابعة لشخص يدعى وليد بدر، بعد سحب الوكالة من أحمد خيري. ويشهد الأسطول البحري المصري تدهورا فى سفنه؛ بسبب غياب الصيانة الدورية له، بالإضافة إلى بطء عمليات الشحن، وتعطل دائم في السفن الخاصة بالأسطول، فضلا عن سوء أحوال الموانئ، الأمر الذى أخرج الأسطول النقل المصري من دائرة المنافسة العالمية، ليقتصر عمل السفن على 5% فقط من التجارة الخارجية لمصر، بينما الباقي يذهب للشركة الإسرائيلية وغيرها من الشركات التابعة لدول أجنبية، ما يرفع أيضا تكلفة البضائع المصرية، ويجعلها خارج المنافسة بالنسبة لمثيلاتها من بضائع الدول الأخرى، وبالتالى يرفع أسعار الواردات إذا جاءت عن طريق الأسطول المصري، الأمر الذى يدفع المورد إلى الابتعاد عن استخدام الخطوط المصرية البحرية. من جانبهم، يؤكد العديد من خبراء النقل البحري أن عدم وجود أسطول بحري تجاري وطنى لنقل البضائع والصادرات والوردات المصرية، يعد إهانة لمصر، يجب الرد عليها بإنشاء أسطول تجاري ينافس الخطوط العالمية، خاصة بعد خروج 60 سفينة من الخدمة ليتبقى فقط 5، وحالاتها الفنية سيئة تستخدم على نطاق ضيق جدا وفي البلدان القريبة وبكمية بضائع معينة ومحددة. تقول الدكتورة سلوى المهدي، الخبير في مجال النقل الدولي، إن تدهور النقل البحري في مصر لم يكن وليد يوم أو لحظة، لكنه منذ سنوات عديدة، مستنكرة عدم إدراك قيمة النقل البحري في مصر، خاصة أن تطوره يعني النهوض بالاقتصاد كاملًا دون الحاجة إلى مشروعات اقتصادية، موضحة أن استعانة مصر بشركة زيم الإسرائيلية في المجال البحري، تعد وصمه عار في تاريخها. وأضافت "المهدي" أن قناة السويس الجديدة لن تكون وحدها قادرة على النهوض بالمجال الملاحي في مصر، بل نحتاج إلى خطة عاجلة خلال الأشهر المقبلة للعمل على تحفيز مجال النقل البحري سواء عن طريق العاملين به أو المواني البحرية، وبحث مشكلاتها وكيفية الخروج بحلول تتلائم مع الوضع الحالي بشكل فعلي.