قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إنه منذ سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة تدمر في سوريا، أحد مواقع التراث العالمي وفقا لمنظمة اليونسكو، بدأ التنظيم تدمير المدينة، مما دق ناقوس الخطر الخاص بمجتمع التراث الثقافي العالمي والخاص بالجرائم ضد الثقافة، و بشأن احتمالية حدوث المزيد من الكوارث الثقافية، مضيفة أنه قد استجاب بعض الكتاب من خلال التوبيخ الشديد لخبراء التراث لتقديمهم "الحجارة التاريخية" على الأرواح البشرية. وتضيف الصحيفة أنه قد كانت أرباح مبيعات الآثار أحد المصادر الرئيسية التي تعود بالمال لداعش في الوقت الذي عزز فيه التدمير المنظم بعناية للآثار في شمال العراقوسوريا، من حملتهم الدعائية، كان حجم ومعدل الدمار الذي لحق بالتراث التاريخي في مناطق الصراع بسوريا مروعا بالفعل قبل تمدد داعش في 2014، وزاد الوضع سوءا مسفرا عن أسوأ كارثة تحل بالتراث منذ الحرب العالمية الثانية. وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه منذ شهر أغسطس عام 2014، وهناك تحقيق في وضع التراث في سوريا وشمال العراق ضمن برنامج مبادرات التراث الثقافي، المدعوم من خلال اتفاقية تعاون بين وزارة الخارجية الأمريكية والمدارس الأمريكية للبحث الشرقي ، وقد قامت بتعقب كل من الكوارث الناجمة عن الخراب الذي حل بسورياوالعراق، سواء كانت في الأرواح أو الثقافة، من خلال جمع التقارير الداخلية وتحليل صور الأقمار الصناعية عالية الدقة وجمع كل البيانات المتاحة من خلال الإنترنت ووسائل الإعلام الأخرى، فقد قدر الضرر الكلي لسوريا بما يربو عن 1000 حادثة، أكثرها حوادث تنقيب غير مشروعة عن الآثار، ويعد الإتلاف المتعمد للآثار والأضرار المصاحبة للقتال والسرقات وتخريب المخازن الثقافية كالمتاحف والمكتبات من أكثر الحوادث التي لها بالغ الأثر، وفي ضوء تلك الحوادث الإجرامية، يبرز تنظيم داعش كأفظع المعتدين وأكثرهم وقاحة. وتتساءل "واشنطن بوست" أنه في هذا السياق، ما الذي يجعل تدمر خاصة جدا؟، وذلك لأنها منطقة واسعة تعطي داعش مجالا واسعا للنهب، حيث العدد الذي لا يحصى من الآثار اليونانية والرومانية ذات الشهرة العالية التي يمكن تدميرها عمدا من قبل التنظيم، لافتة إلى أن تدمر بدأت بالازدهار بعد غزو الإسكندر الأكبر لسوريا عام 332 قبل الميلاد، ويرجع الفضل في ذلك للقوافل التي كانت تربط البحر المتوسط بالصين، وكانت المدينة القديمة مدينة عالمية بحق بما تزدان به من آثار وطراز فني تمتزج فيه التأثيرات اليونانية الرومانية بالسورية، أدت الشوارع المزينة المرصوفة ببلاطات حجرية والممرات الأثرية إلى المباني العامة الفسيحة، بما فيها المساكن الفخمة والمسارح والأسواق المغطاة ومجموعة من المعابد، وقد بنى المواطنون الأثرياء مقابر برجية مزخرفة فضلا عن سراديب للأسرة تحت الأرض مليئة بالتماثيل التي تصور المدفونين بداخلها. وفي القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد، وصلت المدينة لقمة ازدهارها بصفتها حليفا رومانيا مهما ضد الفرس، خرجت تدمر من عباءة الإمبراطورية الرومانية، لفترة قصيرة تحت حكم ملكتها الشهيرة "زنوبيا" وبدأت في غزو الأراضي التي تمتد من تركيا الحديثة حتى مصر، إلا أن الإمبراطور "أورليان" سحق هذا التمرد الجريء على وجه السرعة. وتؤكد الصحيفة أنه لا تخفى على أحد نوايا تنظيم داعش فيما يتعلق بالتراث الثقافي، حيث يعتزمون تدمير تماثيل تدمر، إن لم يستطيعوا تدمير الخرائب الأثرية بذريعة أنها ترمز للوثنية والشرك والزندقة بحسب ما يرون. وتشير الصحيفة إلى أنه على طول الطريق لا يتعارض ذلك مع ما يجنونه من أرباح طائلة نتيجة عمليات السلب ونهب وبيع الممتلكات الثقافية، سواء اعتبروها وثنية أم لا، في الأشهر الأخيرة، أكدت المدارس الأمريكية للبحث الشرقي تقارير توضح قيام مسلحي داعش بتحطيم التماثيل في متحف الموصل، وخلافا للشائعات كانت معظم القطع أعمالا قديمة أصلية، بالإضافة لتدميرهم المواقع الأثرية شمال العراق.