يبلغ عدد الشباب 54.5 مليون، من الفئات العمرية بين 15 حتي 29 عاماً، وتمثل قوة العمل، من إجمالي عدد السكان في مصر البالغ عددهم نحو 88.5 مليون نسمة، أي بأكثر من الضعف، تلك الثروة لم تسعي الحكومة لاستغلالها، في الوقت الذي تتحجج بأن الزيادات السكانية تعد أحد أعباء الملف الاقتصادي، دون النظر لتجارب دول كانت في ظروف أحلك من الحالة المصرية، كالصين ولم تشكل الكثافة السكانية عبئا عليها بل العكس. ذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فى نهاية أبريل الماضي، أن الشريحة العمرية المذكورة والداخلة في سن العمل، بلغت 66.8%، منها 45.2% من حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة و27.9% للمؤهلات العليا، في الوقت الذي يشهد فيه المجتمع المصري عددا من الاختلالات الاجتماعية في مقدمتها الفقر وارتفاع معدلات الجريمة وغيرها من الظواهر الاجتماعية، ناهيك عن سوء الأوضاع المعيشية لمعظم فئات المجتمع خصوصا الطبقات الفقيرة والمهمشة، والتي لا تملك في النهاية إلا اللجوء لتشغيل أطفالها بأي مهنة ربما لا تتلاءم مع أعمارهم ، لتدبير احتياجاتهم، أو تحمل المرأة لأعباء الإنفاق علي أسرتها، في غيبة الحكومة أو عدم تدخلها، لتستمر الأوضاع الاقتصادية أكثر سوءاً دون أن تفكر في ضرورة استغلال تلك الموارد المعطلة وتدريبها وتأهيلها لسوق العمل. في الوقت الذي يطالب فيه خبراء الاقتصاد بضرورة أن تفكر الحكومة في إعادة هيكلة التعليم والتوسع في التدريب والبرامج الاجتماعية لدعم الفئات الأولي بالرعاية كالمرأة المعيلة وتحفيز القطاع غير الرسمي وتسويق منتجاته. ارتفاع معدلات البطالة بسبب ضعف الحالة التعليمية يقول عبد الفتاح الجبالي، الخبير الاقتصادي ومستشار وزير التخطيط، في دراسة له، إن سوق العمل المصرى يعانى العديد من الاختلالات الأساسية التى تعوق حركة المجتمع وتقدمه، وتظل البطالة المشكلة الأساسية فى المجتمع، مشيرا إلي أن قوة العمل في سن 15 عاما فأكثر بلغت 54.5 مليون نسمة، منها 26.8 مليون نسمة بنسبة 50.8% خارج قوة العمل بسبب التفرغ للدارسة أو الأعمال المنزلية أو التجنيد أو المعاش المبكر. وذكر "الجبالي" أن نحو 59.5% من خارج قوي العمل من المتفرغات للأعمال المنزلية و30.9% من المتفرغين للدراسة و5% من أصحاب المعاش المبكر، مشيرا إلي أن السبب الرئيسي لانسحاب المرأة من سوق العمل بسبب التفرغ للمنزل أو نظرا للأوضاع المجتمعية المتعلقة بالقيم السائدة في المجتمع، ليصل إجمالي النساء المتعطلات نحو 20.3 مليون بنسبة 75.7%، من بينها 19.1% متفرغات للدارسة و78.5% ربات بيوت. وأوضح "الجبالي" في دراسته، أن ارتفاع معدلات البطالة بسبب ضعف الحالة التعليمية، خصوصا أن 24.2% أميون و10.5% من الفئات التي تقرأ أو تكتب، و13.6% من المؤهلات المتوسطة فأقل، أي 48.3% من القوى العاملة غير مؤهلة، وتحتاج إلى إعادة تدريب وتأهيل مرة أخرى، مشيرا إلي أن معظم العمالة التى لحقت بالقطاع الخاص انضمت إلى القطاع غير المنظم أو غير الرسمي، بنسبة نحو 46.3 % من إجمالى المشتغلين، مقارنة ب26% بالقطاع الرسمي. وأضاف "الجبالي" أن العاملين بالقطاع غير المنظم يعملون في ظروف سيئة، خصوصا العمل دون عقود أو تأمينات اجتماعية وصحية، مشيرا إلي أن الأوضاع السائدة عززت فكرة امتهان البعض لوظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية، موضحا أن تلك الظواهر تؤثر علي الاستقرار الاجتماعي للدولة. مصر لا يحكمها رقابة إلكترونية.. وهناك مواطنون معينين فى أكثر من وظيفة من جانبها، أرجعت الدكتورة بسنت فهمي، نائب رئيس حزب الدستور والخبيرة المصرفية، أسباب تشغيل الأطفال خصوصا بالمناطق النائية، إلي ارتفاع معدلات الفقر والاحتياج لدي الطبقات الفقيرة والمهمشة، مشيرة إلي أن تلك الفئات لا تملك قوت يومها فتلجأ لتشغيل أطفالهم، لافتة إلي أن الحل ليس في إلقاء الآباء والأمهات في السجون للكف عن تلك الظاهرة، خصوصا أن أبناءهم سيلجأون للعمل، مشددة علي ضرورة توفير حياة كريمة لهم. وأكدت "فهمي" أن ظاهرة عمالة الأطفال موجودة في كل دول العالم، خصوصا المجتمعات النامية، مشيرة إلي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تلجأ أيضا لعمالة الأطفال لمن تجاوز سنه ال14 عاماً، لافتة إلي وجود فارق بين الوظيفة والعمل، ومطالبة بضرورة تغيير فكر المجتمع المصري عن العمل وليس انتظار وظيفة بعينها. وتابعت "فهمي" أن إعلان الحكومة في وقت سابق، عن دراستها صرف إعانات بطالة، يعتبر أمرا غير صحيح، خصوصا أنها لم تطبقه، مشيرة إلي أن المستحقات يتم تحديدها في الدول الأوروبية بنحو 6 أشهر كفرص للبحث عن أي فرصة للعمل وليس وظيفة، بالإضافة إلي أن مستحق تلك الإعانة لا يحصل عليها نقدا ولكن من خلال نظام إلكتروني لمعرفة ما إذا كان قد حصل علي فرصة عمل أم لا. وأشارت إلي أن مصر لا يحكمها نظام رقابي إلكتروني، بشأن التوظف ومعرفة حجم قوي العمل الحقيقية، خصوصا أن هناك موظفين معينين علي قوة العمل الحكومي مقيدون بأكثر من وظيفة، الأمر الذي يحد من فرص توظيف فئات أخري، كما طالبت بضرورة تغيير فكرة العمل بالنسبة للمرأة، خاصة أن النساء في المجتمعات الريفية والمناطق النائية أصبحت تقوم بدور رب الأسرة لغياب الزوج بسبب الوفاة أو المرض وغيرها، مشيرة إلي ضرورة تبني برامج المرأة المعيلة. واستطردت أن دولة كالهند علي سبيل المثال وفرت مايقرب من 4 ملايين نول "غزول"، وتوزيعها علي النساء لتوفير فرص العمل لهم بعد تدريبهم علي صناعة المنسوجات والأعمال اليدوية والحرفية، مطالبة بضرورة العمل علي تدريب الفتيات والنساء علي تلك الأعمال باعتبارها مصدر دخل لهم، وتسويق منتجاتهم وفتح أسواق علي مستوي المحافظات للقضاء علي البطالة ورفع معدلات الإنتاج بشكل كبير. وأضافت "فهمي" أن الهدف الرئيسي الذي تسعي له الحكومة من عملية دمج القطاع غير الرسمي بالمنظومة الاقتصادية الرسمية؛ للتحكم فيه وفرض ضرائب عليه، معتبرة أن لا يوجد اختلاف علي توفيق أوضاع ذلك القطاع بشرط أن تكفل الدولة الحماية له بدلا من هروبه، مشددة علي ضرورة إلغاء الإدارة المحلية وتحويلها لحكم محلي بالمحافظات، بحيث تكون كل محافظة مستقلة عن الأخري وتعتمد علي خطة تنميتها بنفسها وليست موضوعة من العاصمة وتطبيق اللا مركزية، للقضاء علي البطالة واستغلال الموارد المتاحة. وحذرت "فهمي" من أن استمرار الأوضاع الراهنة، يزيد وتيرة العنف والغضب الاجتماعي، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة قد تؤثر علي استقرار الدولة، مطالبة بضرورة قيام الدولة بدورها المنوط به في دعم الفئات الأكثر احتياجا، بما في ذلك البرامج الاجتماعية وزيادة فرص التأهيل والتدريب ومنح حوافز للقطاع غير الرسمي لدمجه بالمنظومة الرسمية و تسويق منتجاته من خلال المعارض التي ترعاها الحكومة. المرحلة الراهنة بحاجة للتعليم الفني ومراكز تدريب لتأهيل الحرفيين وفى نفس السياق، أكد الدكتور فخري الفقي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية والخبير الاقتصادي السابق بصندوق النقد الدولي، أن سوق العمل بحاجة لإعادة نظر من خلال التشريعات وتأهيل الخريجين الجدد وتوفير مخرجات العمالة واحتياجات سوقية، بداية من مرحلة التعليم، انتهاء بالتخرج والالتحاق بسوق العمل، مشيرا إلي أن المرحلة الراهنة بحاجة للتعليم الفني ومراكز تدريب لتأهيل الحرفيين ووجود مدارس صناعية حقيقية تمتلك أدوات حديثة ومعدات لتدريب الخرجين. وطالب "الفقي" بضرورة تغيير قانون العمل وتدبير إعانة بطالة مؤقتة ولتكن لمدة عام للمتعطلين أو من فقد وظيفته، بحيث يستطيع البحث عن وظيفة، بالإضافة لزيادة حجم البرامج الاجتماعية والدعم المقدم للفقراء سواء الخدمات الصحية والتعليمية والحماية الاجتماعية لخفض معدلات الفقر والبطالة، كما طالب بإعادة بناء شبكات للحماية الاجتماعية وضمان محاربة التفاوت في مستويات الدخول. وأردف "الفقي" أنه ينبغي وضع معايير لعدم تضرر الفقراء من أي خطوات تتخذها الحكومة لتحقيق الانضباط المالي والاقتصادي، مشيرا إلي أنه ينبغي أن يتم اطلاع المواطنين علي البرنامج الوطني وموافقتهم عليه من خلال عرضه علي البرلمان، بالإضافة للاستعانة بالرأي الفني للمؤسسات الدولية لاكسابه نوعا من المصداقية.