الأهالي يلقون مخلفاتهم في النيل لعدم وجود صرف صحي القمامة والحشائش الضارة على النهر أوكار للثعابين والقوارض "الكانون" وسيلة الأسرة للطهي بسبب الفقر وأزمة الأنابيب تصوير: محمد حكيم واقع مرير يعيشه قرابة 8 آلاف مواطن داخل قرية سوادة بمركز المنيا، منذ عقود، بعد أن حاصرتها المشاكل والأزمات، وغابت عنها المرافق والخدمات، وكأنها سقطت من حسابات المسؤولين، ليشعر قاطنوها أنهم في منفى أو داخل سجن كبير. "البديل" انتقلت إلي القرية، عايشت ووثقت أوجه المعاناة التي يتكبدها أهلها، حيث تفتقد لوجود صرف صحي، ويضطر الأهالي لإلقاء فضلاتهم والقمامة والمياه غير النظيفة في مياه النيل، كما تجلس السيدات علي حافة النهر لتنظيف الملابس والأواني، حتى لا تكتظ بالوعات الصرف البدائية داخل منازلهم بالمياه. يقول جمال أبو هلال، من أهل القرية إن الأهالي يضطرون لاستقدام سيارات الكسح شهريا لرفع الصرف الصحي من منازلهم في مشهد لا يمت بصلة للقرن الواحد والعشرين، في الوقت نفسه لا يوجد صندوق قمامة واحد داخل القرية، وهو ما أكده الأهالي عقب سؤالهم عن سبب إلقاء القمامة في النيل مباشرة، وقال عدد منهم إن الوحدة المحلية لقرية بني حسين المجاورة، والتي تتبعها قريتهم تعلم كل تلك المشكلات ولكن لا تدفع بحلول جذرية أو حتى مؤقتة، كما أن موظفي حماية البيئة وحماية النيل يعلمون بإلقاء القمامة بالنيل لكنهم لم يقدموا حلولا أيضا، ما جعل الأهالي لا يبالون، وجعل النيل مقلب قمامة كبير. وفي مشهد آخر خارج دائرة الزمن، يضطر بعض الأهالي لإشعال الحطب فيما يعرف ب"الكانون" لطهي الطعام وكافة الأغراض المنزلية لعدم توافر أنابيب البوتاجاز بصورة كافية، ويقول الحاج متولي هلال، إن أسرته مكونة من 6 أفراد وتخصص لهم أنبوبة واحدة، وبالتالي يضطر لاستعمال الكانون بعد فراغ الأنبوبة، وحال تأخر استلامها من البقال التمويني، كما أن عددا من الأسر الفقيرة لا تتمكن من شراء أنابيب البوتاجاز من الأساس، خاصة وأن سعرها في السوق السوداء وصل إلى 60 جنيها وربما يزيد. الحاج محمد طه، يقول إن معاناة المواطنين داخل القرية تبدأ مع مشقة الانتقال من وإلى القرية ومدينة المنيا، فمعظم السيارات العاملة مكهنة ومخصصة في الأصل لنقل المواشي، كما أنه وبعد وقت الغروب لا توجد سيارات تعمل علي خط القرية والمنيا. ومن أمام الشاطئ الشرقي لنهر النيل يشير جمال أبوهلال، إلى الحشائش المتلاصقة علي حافة الشاطئ بامتداد قرابة 30 مترا لكل كوم حشيش، ويقول إن الثعابين تختبئ داخل الحشائش وتهاجمهم ليلا، وإنهم في أكثر من واقعة شاهدوا ثعابين كبيرة الحجم لم يتمكنوا من الإمساك بها وقتلها، واتهم هلال، الصيادين بزرع تلك الحشائش لتتجمع الأسماك داخلها ومن ثم يمكنهم صيدها بسهولة. وأضاف: تهاجمنا أيضا القوارض والناموس بسبب أكوام القمامة المتراصة خلف المنازل علي شاطئ النيل، لتؤرق منامنا في كل ليلة، ولم تفلح محاولات الأهالي للقضاء على الناموس والحشرات بحرق القمامة. مشكلة أخرى تواجه الأهالي تتمثل في أن معظم شبابها وأطفالها يعملون بالمحاجر لتفاقم البطالة بداخلها بصورة فجة، ولقربها من محاجر الحجر الجيري –البلوك الأبيض- ما سبب أمراضا وإصابات عدة للشباب، وكان من بين تلك الحالات إبراهيم محمد طه، 27 عاما، مصاب ببتر باليد اليسري جراء عمله بالمحاجر، مؤكدا أن مئات الشباب ما بين إصابات بالبتر وإصابات بأمراض صدرية وأمراض الكلى والعمود الفقري. نسبة البطالة في القرية متفاقمة عن أي قرية أخرى، وبالتالي فإن فقر الحال وضيق العيش سمة معظم الأهالي وهو ما أكده الحاج محمد طه، الذي يعول أسرة مكونة من 22 فردا بعد أن أنجب 19 ولدا وبنتا، وجميع أولاده البنين يعملون بالمحاجر، موضحا أن القرية كان يجب أن تدرج ضمن القرى الأكثر فقرا لضخ مشاريع صغيرة وتوفير فرص توظيف للشباب سواء بالقطاع العام أو الخاص، وذلك بدلا من إدراج قرى تتفوق علي سواده من حيث توفير الخدمات والمرافق ولا توجد بها أزمات ومشكلات بحجم الموجودة بالقرية. محمد عامر، شاب يعمل بالمحاجر رغم حصوله علي لسانس الآداب من جامعة المنيا، قال إنه لم يجد أي عمل آخر، وإنه حاول عدة مرات الحصول علي وظيفة بنظام التعاقد ولم يجد، ولا حتى في القطاع الخاص الذي بات مزدحما بالوظائف. وبحسب الأهالي، فقد تسببت عوامل الفقر والبطالة وغياب المرافق والخدمات خاصة المدارس في تسرب عدد كبير من التلاميذ والطلاب من التعليم اضطراريا، وقال محروس سعد، إن أغلب الفتيات تسربن من التعليم، في حين تكتفي الأسر بتعليم واحد فقط من أبنائها. واشتكي شباب القرية من عدم وجود متنفس لهم، وإنهم يضطرون للتسلل داخل الإدارة الزراعية بعد انقضاء العمل لممارسة رياضة كرة القدم لعدم وجود مركز شباب أو مكان فضاء بالقرية، في حين رصدت عدسة "البديل" أطفالا وشبابا يمارسون لهوهم ورياضة كرة القدم في مكان فضاء مطل علي النيل، بعدما استقدموا خشب النخيل لتمهيد المكان للعب، وطالب عدد من كبار السن بتوفير مكتب بريد يوفر عليهم مشقة الانتقال إلى مدينة المنيا كل شهر. موظف بالوحدة المحلية بنزلة حسين، قال إن إلقاء القمامة في النيل سلوك شعبي لا يمكن تبريره تحت أي ظرف، وأضاف أن الأولي تجميع القمامة في مكان خال لحين قدوم سيارات الوحدة لجمعها. محافظ المنيا اللواء صلاح الدين زيادة، قال إن المحافظة تتبني مشروعا قوميا لفصل القمامة من المنبع من خلال مشاركة جمعيات أهلية، وذلك للقضاء على مشكلة القمامة في القرى كافة، وأضاف أن المحافظة لا تدخر جهدا في القضاء على مشكلة البطالة من خلال المشروعات الاستثمارية والصناعية.